لا يزال الجيل الذي عايش فترة ما بعد الاستقلال سعام 1967 والحروب التي تلته بين الشمال والجنوب يتذكر الكيفية التي تتوقف فيها الحروب والمناوشات بين جيشي دولة الجنوب ودولة الشمال وكيف يتم التحول الإعلامي المصاحب للحرب من الأناشيد والمارشات العسكرية الحماسية المرافقة للحروب إلى أغاني الحب والشوق لليمن الموحد ، أي انه بمجرد أن تبرد فوهات المدافع تبدأ اجتماعات اللجان الوحدوية التي استمرت تدرس وتنقح مشروع الوحدة بين الجنوب والشمال على مدى حوالي عشرين عاماً وهذه هي فعلا ظاهرة غريبة تنم عن ردود فعل ومواقف عاطفية بعيدة عن العقلانية تلاعب به الحكام هنا وهناك آنذاك لان كل طرف يهدف من وراء هذا الأمر تعزيز موقعه الداخلي والخارجي على حساب الآخر.كل هذا المشروع الوحدوي الكبير ذهب إليه علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني في أسابيع قليلة وحزم أمره دون أن يلقي بالا لكل الاعتراضات التي ظهرت من بعض رفاقه أو فلنقل تحفظهم وبالطبع لم يستشر في ذلك الشعب الجنوبي وهو المعني بالأمر لان حزب البيض الحزب الاشتراكي اليمني كان يرى انه لا صوت يعلو فوق صوت الحزب.هذا الرفض لم يتم الاعتناء ببعض ما كان يتحفظ به البعض عليه والذي ثبت مع الأيام أن كثيراً من أوجه الرفض كانت في محلها ، أما من رفض في الشمال بدافع الخوف على مصالحه فقد تلقى الوعود أن القادم أفضل ولا خوف على هذه المصالح بل سيتم تعزيزها، وهو ما تم بالفعل .من هذا عرف الجميع انه قد تم سلق موضوع كبير بحجم وطن ومصير شعب تحت تأثير أحلام قومية وثورية لا مكان لها على أرض الواقع عند العقلاء ، ومواقف شخصية بعيدة عن الموضوعية ووضع ذلك في وثائق لا تتعدى صفحات معدودة أقل من أن تفي بشكل قانوني لإنشاء شركة مقاولات صغيرة ، في الوقت الذي نعرف فيه انه في حالة اندماج شركتين وإلغاء وضعهما القانوني يحتاج الأمر إلى مئات بل آلاف الصفحات لتوثيق وتدوين كل ما يتعلق بشأن الحقوق العامة والخاصة والأصول والممتلكات الثابتة والمنقولة لكل دولة والحقوق المستقبلية للطرفين وقبل ذلك إلى خبراء متمكنين كل في مجال اختصاصه ، الأمر الذي تم تجاهله يومئذ.فإذن هكذا تم إدخال الجنوب في وحدة غير مدروسة نتج عنها ما حصل من أول يوم فيها إلى يومنا هذا من قضاء على هوية وتأريخ وثقافة واستباحة أرض وممتلكات من قبل الطغاة الجدد لأملاك الوطن والشعب الجنوبي بالكامل حتى الأملاك الخاصة لم تسلم من ذلك.اليوم وبعد نضال مرير خاضه شعب الجنوب من أول يوم بعد الاحتلال اليمني الشمالي للجنوب في 94م واتخذ أشكالاً سياسية وجماهيرية متعددة مثل تشكيل جبهات ومنظمات تدافع عن حقوق الجنوبيين ومقاطعة الانتخابات والمظاهرات السلمية التي بدأت عام 97م ( ربيع المكلا ) وسقوط الشهداء بن هامل وبا رجاش في مظاهرات ابريل 1997، والمطالبة بإصلاح مسار الوحدة ورفض شرعنة نتائج حرب 94م وصولا إلى ظهور الحراك السلمي بشكله الحالي بداية من 2007م حتى اللحظة هذا النضال فرض واقعا جديدا على مستوى الأرض وفي الأفق السياسي حتى أصبحنا اليوم أمام مشهد آخر للقضية الجنوبية يضعها في مقام القضية الأولى التي تشعل الرأي العام في هذا البلد حتى أصبح النقاش جنوبيا بين خيارين لا ثالث لهما ، وهما خيار الدولة الفيدرالية بين جنوب وشمال أو فك ارتباط الدولتين. هاذان الخياران اليوم هما المهيمنان على الشارع في الجنوب وتدور حولهما نقاشات كثيرة وبالتأكيد جاءت في ضوء المحاولات لعقد مؤتمر وطني جنوبي ليفصل في هذا الأمر حتى لا يصبح النقاش تحت تأثير الواقع المعاش الذي عانى ويعاني منه الجنوب وشعبه من الممارسات الاقصائية وحتى العنصرية من قبل من زحف عليه من الشمال اقتصاديا وماديا مدعيا (عودة الفرع للأصل) أو حتى الجنوب ارض بلا شعب (عبارة عن بقايا صومال أو هنود) على الطريقة الإسرائيلية (فلسطين ارض بلا شعب)،لا بد من إنضاج الحوار والنقاش حول هذا الأمر معترفين إنها لم تنضج بعد حقيقة وأصبح النقاش حول الطريقة لا حول طريقة النتيجة التي يجمع الجنوبيون على حق تقرير مستقبلهم سواء بدولة اتحادية أو فك ارتباط.اعرف إن كثيرا ممن اعرفهم قد لا يستسيغ وجهة النظر هذه و التي ترى أن الجنوب قد تعرض إلى تحطيم وهدم بنية الدولة ومؤسساتها وصيغة الدولة المدنية التي عرفها ( وتحتاج إعادة بناء ) والتي للأسف لم يعرفها إخواننا في الشمال حتى اليوم هذا الهدم لهذه الدولة يتطلب إعادة بنائها من جديد ولن يتم ذلك مهما كان في ظل أجواء التشابك والتوترات الجارية مع دخول الجماعات المتطرفة على الخط في الجنوب التي تم تصديرها إليه وبالتالي فان خيار الاتحاد( جنوب - شمال) المشروط باستفتاء شعب الجنوب عليه قد يكون هو الأكثر عمليا والأقوى أمناً وسلامة للجميع حيث سيسهل عملية إعادة بناء نواة الدولة المدنية ويعطي فرصة للجنوب وأهله ويمكنهم من تكوين مؤسسات دولتهم في جو من السلام بعيدا عن التوترات وبعدها سيكون للجنوبيين خيار البقاء في هذا الاتحاد أو الخروج منه بشكل سلمي بعد الاستفتاء المقترح ويكونون بذلك قد قرروا مصيرهم بأنفسهم.أما الهرولة غير المحسوبة وغير المصحوبة بإجماع وتوافق جنوبي - جنوبي واتفاق عام وببرنامج محدد الأهداف وخطوات واضحة تقود إلى فك الارتباط بشكل آمن وسلس فأن النتائج لن تكون اقل سوءاً من الهرولة للوحدة وستكون الكارثة فقدان كل شيء على الجميع.
|
آراء
الهرولة لفك الارتباط كالهرولة للوحدة
أخبار متعلقة