كم يشوب المرء من سعادة وحبور وهو يتجول في أزقة سوق مدينة لودر وشوارعها الضيقة ذهابا وإيابا من (سوق القديم) شمال المدينة إلى سوق العيسي الذي بني على أنقاض (بئر العيسي) في جنوب غرب المدينة وهو «يسلم» على هذا ويتحدث مع ذاك؟!! فهنا تشعر في هذه المدينة أنك تعرف كل الناس وكلهم يعرفونك، هكذا كنا نسعد في كل يوم أحد من كل أسبوع في (سوق الأحد) نعم هكذا كنا صغارا وطلابا في ثانوية راجح سيف و(مساوقة) شباب في سوق لودر الشهير، كان العالم لدينا هو حدود هذه المدينة الرائعة التي تبهرنا بجمالها وبتلاقي الأصدقاء فيها، فلن ننسى كيف كنا نتأمل عمارة (5 أغسطس) بكبر حجمها وعلو بنيانها، هكذا هي ذكرياتنا عن لودر مدينة الحياة وسوق المنطقة وحاضرة الباديةعاشت المدينة بسلام طوال عقود من الزمان رغم أن أبناءها كانوا يمروا بنكبات كبيرة وهم في مدن الجنوب الأخرى في عدن وفي زنجبار وكانت الصراعات تحصد منها ومن القرى من حولها العشرات كغيرها من مدن الجنوب إلا أن لودر (حاضرة البادية) لم تصب بأذى مباشر طوال سنين خلت ولم تعرف أي اعتداءات كبيرة عليها وعلى مبانيها وسكانها وسوقها وان حدثت فأنها محدودة.عاشت المدينة لعشرات السنين وهي آمنة مطمئنة حتى في أحلك الظروف التي شهدها الجنوب ولذا شهدت تطورا تجاريا وتطورا معماريا ملفتا جدا فقد وصل امتداد المدينة أفقيا إلى سفوح الجبال في شمال المدينة وتجاوز ثانوية لودر التي كانت خارج المدينة في بداية ثمانينات القرن الماضي بل والتحمت لودر ببعض القرى المجاورة لها وكذا التحمت بمدينة زارة في شمال غربها خصوصا بعد أن عبد طريق (عقبة ثرى) وأصبحت شرياناً مهماً لارتباطها بمكيراس ومحافظة البيضاء اليمنية (الجنوبية) وبعدة محافظات في (الشمال.)كانت ولا تزال مدينة لودر (حاضرة البادية ) مركزاً مهماً للتجارة المتبادلة ( المقايضة بطرق حديثة) ولا أبالغ أن قلت أنها امتازت بشكل كبير بقناعة تجارها وعدم جشعهم ولا غرابة في أن تجد أرخص السلع في هذه المدينة أرخص من أي منطقة أخرى وقد وصل صيت سوقها خصوصاً سوق المواشي فيها إلى عدة مدن في ( الشمال) والى ما وراء مدينة عتق في الشرق ولا غرابة كذلك أن وجدت فيها متسوقين من شبوة ومن حضرموت ومن الشمال من (ذمار ورداع ومن البيضاء) في يوم الأحد وكذا في يوم الخميس (لاحقا) وهكذا عاش أبناؤها في سلام آمنين طيلة فترة طويلة من الزمن واكتسبوا الحياة المدينة والحضارية على الرغم من وجودهم في محيط البادية من حولهم في سهول المنطقة الوسطى والمرتفعات الجبلية من ناحية الشمال ولذا صارت تعرف بـ (حاضرة البادية) وهذا ما اكسبها وأكسب محيطها بعداً استراتيجياً كبيراً، كما يمتاز أبناء لودر المدينة بدماثة الأخلاق ونبل المشاعر وخفة الدم وحلاوة اللهجة وحسن الخلق حتى قال الشاعر فيهم قصيدته الشهيرة التي مطلعها حسب اعتقادي (يا أهل لودر.. يامزيد سلامكم ليتني عيش واحيا معاكم)[c1]الهجوم على عش الدبابير[/c]في السنوات الأخيرة شهدت مدينة لودر أحداثا مؤلمة قضت مضاجع أهلها الآمنين، فقد تفاجأ أهلها في النصف الثاني من عام 2010م ، وتحديدا في بداية شهر أغسطس بعدة تفجيرات عكرت صفو المدينة من قبل جماعات إرهابية بدأت بضرب المباني الحكومية بتفجيرات نسبت إلى تنظيم القاعدة الإرهابي العالمي. وفي 20 / أغسطس شهدت المدينة هجوما عنيفا ومواجهة كبيرة بين هذه الجماعات الإرهابية والجيش وكان مواطنو المدينة يعيشون حينها بين فكي وحش، وأدت هذه المواجهات التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل إلى سقوط الشهيدين أدهم الشيابي ورياض الناصروه من أبناء المدينة ،وسقوط عدد من قوى الإرهاب (قوى الشر والظلام) قتلى وجرحى بيد قوات الجيش وكانت المدينة قد شهدت مذبحة بشعة لعدد من جنود الأمن المركزي اليمني تم اغتيالهم بطريقة وحشية حينها، ومنذ ذلك التاريخ ومدينة لودر لم تهنأ بسلامها المعهود، فقد شهدت نزوحاً جماعياً كبيراً في نهاية شهر أغسطس 2010م لم تشهد له مثيل في تاريخها ومن هول النزوح والتشرد ذاق أهالي لودر الأمرين ولعلهم استفادوا درسا لم ينسوه جعلهم يفضلون الصمود داخل مدينتهم والدفاع عنها والموت فيها على أن يهجروها وهو سر من أسرار صمودهم البطولي اليوم وخصوصا بعد أن شاهدوا ما حصل في مدينتي زنجبار وجعار من تدمير شامل ومن خراب وتشريد للأهالي من أبناء مدن دلتا أبين (زنجبار وجعار ).إن ما سطره اليوم أبناء مدينة لودر من ملاحم بطولية بتصديهم للهجوم الوحشي من قبل أنصار الشريعة «أنصار الشيطان» -كما يحب أبناء لودر أن يطلقوا عليهم- يسجل في صفحات التاريخ بأحرف من نور خصوصا وان حجم التآمر على الجنوب بدءا بمحافظة أبين وشبوة ولحج يعد كبيرا جدا نستشف ذلك من خلال ما حدث ويحدث من تسليم للمعسكرات المنهارة لهذا القوى بكل سهولة ويسر ودون مقاومة تذكر كما حصل في زنجبار وجعار وفي مدخل مدينة لودر قبل عدة أيام.كما أن ما أحدثته المآسي التي وقعت في مدن دلتا أبين (زنجبار وجعار )لا شك أنه أحدث غورا كبيرا في أعماق نفوس الجنوبيين عامة وأبناء أبين خاصة تجاه هذه الجماعات الإرهابية وما يشعرون به من عقدة الذنب حين تركوا زنجبار وجعار كفريسة سهل تنهشها وتتصارع فيها القوى الإرهابية والقوى الدولية كمسرح لتصفية الحسابات بعضها مع بعض والضحية هم أبناء الجنوب وهذا ما جعل أبناء الجنوب في كل محافظات الجنوب يتعاطفون ويتفاعلون مع صمود أبناء مدينة لودر الباسلة وما جعلهم كذلك يتداعون من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ليدافعوا عن مدينة الصمود لودر الباسلة العصية ومن هنا نقول ونجزم بأن هذه الجماعات ستندم ذات يوم ان هي فكرت بمهاجمة «عش الدبابير» .
|
آراء
لودر(حاضرة البادية) و(عش الدبابير) !
أخبار متعلقة