فضلت واشنطن طيلة السنوات الماضية الصمت إزاء القضية الجنوبية رغم ما جرى ويجري بالجنوب ورغم حجم القضية ومشروعيتها ، ولأنها تدرك أن الوقت قد حان لكسر ذلك الصمت فقد صرحت قبل أيام على لسان سفيرها بصنعاء الذي أشار إلى وجود “ علاقة اتصال بين الحراك الجنوبي وإيران وحزب الله “، محذرة دول الخليج من هذا الاتصال ، فما قاله السفير الأمريكي أثار بعنف سخط وحفيظة الشارع الجنوبي ، وهذا السخط ليس لأنها لا توجد للحراك أي صلة بإيران فحسب ، بل لما تضمنه واحتواه هذا التصريح وتوقيته .وإذا ما أمعنا النظر في هذا التصريح فأننا سنجد واشنطن تنظر للقضية الجنوبية ليس على أنها قضية تحمل مشروع دولة كما ينظر لها أبناء الجنوب، بل أنها مجرد قضية مذهبية دينية ليس إلا .. وذلك على غرار اتهامها لإيران بدعم وتسليح حزب الله اللبناني وكذا الحوثيين باليمن.. وتصريحا كهذا ويصدر من قوة عظمى كالولايات المتحدة يجعلنا نتوجس خيفة من أن تكون نظرة بقية الدول مماثلة .ولأن أمريكا مع بقاء الوحدة قائمة لضمان بقاء مصالحها آمنة فمضمون تصريح السفير فايرستاين يحمل مخاطر عديدة على مستقبل القضية الجنوبية للالتفاف حولها أو إجهاضها، خاصة وان السفير حذر دول الخليج من هذا الاتصال ، وكأني بأمريكا اسمعها وهي تتحدث للخليجيين بالقول إن دعمكم لأي مشروع جنوبي قادم قد يساعد على فتح جبهة جديدة للمد الشيعي في جنوب الجزيرة لاسيما وان إيران على وشك فقدان حليفها الأسد وهذا من شأنه أن يساعد إيران على تعويض خسارتها في حال سقط نظام الأسد .التحذير الأمريكي للخليجيين لم يكن اعتباطيا بل هو مخطط ومدروس مسبقا ، ربما إرادة واشنطن من ورائه الإيحاء للخليجين بأنه يجب عليكم الإسراع في انضمام اليمن لمجلس التعاون إذا ما أردتم إفشال أي تسلل إيراني شيعي قادم للجنوب، “ لان الولايات المتحدة سبق لها في ثمانينيات القرن الماضي أن فضلت على الخليجيين استيعاب اليمن بشطريه ، لأنها ترى في ذلك إمكانية أن يساعد في إيقاف أي تسلل للنفوذ السوفييتي الشيوعي بمنطقة الخليج وخصوصا عبر اليمن الجنوبي، وكاد أن يتم هذا الأمر لولا سقوط السوفييت وتحقيق الوحدة ، فالولايات المتحدة ربما تعيد اليوم استخدامها لهذا البعبع “ لكن باسم التمدد الشيعي “ لإخافة الخليجيين وربما نشاهد في قادم الأيام حديثا كهذا عن دعوة اليمن لعضوية مجلس التعاون تتبناه الولايات المتحدة .الملاحظة هنا هي أن الاتهام الأمريكي يأتي في الوقت الذي نجحت فيه واشنطن بإفشال وشرخ ثورة الشباب في الشمال، وكذلك في الوقت الذي بدأت فيه القضية الجنوبية تتصدر اهتمامات بعض القوى الدولية ولو من وراء الكواليس ، فواشنطن من خلال كلام سفيرها أرادت إرسال رسالة للقوى الدولية الأخرى أن القضية الجنوبية يجب أن تنحصر في إطار محيطها الوطني ولا ننسى أن اليمن خاضعة للسيادة الأمريكية لذلك فأمريكا ترى أنها هي المعنية بحل القضية الجنوبية لوحدها ،، ورغم أن واشنطن لديها حق الفيتو إلا أنها لا تود أن تدول القضية الجنوبية أي أن لا ترفع للمحافل الدولية لان ذلك يمنح القوى الأخرى أحقية التدخل في القضية الجنوبية وهذا ما لا تريده واشنطن أن يتم ، خاصة بعد خطئها الاستراتيجي الأخير عند ما أحالت الملف السوري لمجلس الأمن وهو الأمر الذي ساعد روسيا على إعادة نفوذها في المنطقة من خلال اعتراضها على العديد من قرارات مجلس الأمن ضد نظام الأسد .الولايات المتحدة اليوم تتهم الحراك بالاتصال بإيران وحزب الله لإخافة الخليجيين وربما غدا نسمعها تتهم الحراك بالاتصال بالقاعدة وذلك لإخافة العالم ، بعدها ستدخل القضية الجنوبية قائمة الإرهاب الدولي ولا يستبعد أن نرى قوات أمريكية على الأراضي الجنوبية بحجة محاربة القاعدة خاصة أنها سحبت قواتها المقاتلة مؤخرا من العراق ، لتدخل بعدها القضية في معمعة وجرجرة العديد من الحوارات واللقاءات الدولية التي نعرفها بعالم السياسة والتي قد تطيل من عمر القضية الجنوبية وتؤخر من حق تقرير المصير الذي ينشده أبناء الجنوب ولا ترغبه واشنطن .الولايات المتحدة لها ماض طويل مع الصراعات ولديها خبرة في إدارة الصراعات في أي منطقة جغرافية من العالم ، لهذا فهي تدرك أكثر من غيرها أن عودة دولة الجنوب يعني فقدانها السيطرة على ميناء عدن وبالتالي دخولها في دوامة صراع مع القوى الدولية الأخرى حول الميناء وربما عودة الجنوب إلى روسيا أي عودة التاريخ.وختاما نعرف جيدا أن مصائر الشعوب لا تتقرر إلا من داخلها من ذاتها ، وليس برغبة تلك القوة أو تلك ، لكن علينا أن نقر أيضاً أن العامل الخارجي يلعب دورا كبيرا على الداخل ، لهذا اعتقد أن التصريح الأمريكي سيجعل أمامنا المهمة القادمة مليئة بالمخاطر والمعوقات ، فما قدمه شعب الجنوب طيلة الخمس السنوات الماضية ربما يعتبر انجازاً للمرحلة الأولى ، وربما تكون المرحلة الثانية أكثر عبئا وخطورة لأنها مرحلة الحسم النهائي لقضيتنا، المرحلة التي بلا شك سندخل معها في صراع ربما مع القوى العظمى العالمية مرحلة كسر العظم ، ومع إننا نتمنى من الله أن لا يدخل القضية الجنوبية بدوامة الصراعات الدولية إلا أن هناك من يحاول الدفع بها نحو هذا الاتجاه.. والتصريح الأمريكي الأخير هو احد تلك الأدوات .لكن ما يؤسفني حقيقة أن كل هذه التطورات المتسارعة والخطيرة إزاء القضية الجنوبية تحدث بشكل متتال.. والداخل الجنوبي لا يزال كما هو فالانشقاقات لا تزال تلقي بظلالها على الشارع الجنوبي الذي لا يزال يفتقد للقيادة الموحدة ، فلدينا أكثر من قيادة وهذا ما يشكل خطورة بحد ذاته على القضية الجنوبية الذي ربما تستغله قوى أجنبية تصنع لها قيادات تدين لها بالولاء لها ولو على حساب القضية الجنوبية وبالتالي سيصبح لدى الشارع الجنوبي أكثر من فئة وأكثر من قيادة .
|
آراء
كيف تنظر الولايات المتحدة للقضية الجنوبية ؟
أخبار متعلقة