أشرت في مقال سابق عنونته “صنوف وعناصر الشطط في الخطاب المتبادل حول ماهية عدن” انني اساحاول في خطاب لا حق سرد - ما استعطت الى ذلك سبيلا- أسباب الشدة والقسوة على الاخر الذي نشهده في طروح الناس حول ماهية عدن.وقد قرأت بعد يوم واحد من كتابة مقالي الاول خبرا معنوناً “ بـ قيادي بالحراك الجنوبي يصف “أنيس حسن يحيى” بالمستوطن المسيء للجنوب” وهذا مثل صريح لما اشرت اليه من صنوف الشطط في الخطاب عنوانه الاقصاء والفرز المجتمعي المبني على جهوية الأسلاف في المجتمع العدني والهجوم على المخاطٌب لا على الخطاب (مع يقيني بفساد الاتهام بالاستيطان في هذه الحالة).وحسب الخبر فالذي أغاظ صاحبنا ان من أسماه بالمستوطن” طالب في حواره القيادي الجنوبي محمد علي أحمد “بأن لا يستعجل القول إنه عاد ليتابع النضال من أجل التحرير والاستقلال للجنوب”.وعلى افتراض أن السيد يحيى قال ذلك وعلى أنه يحبذ بقاء الجنوب في وحدة مع الشمال (وأنا لا أعرف صحة ذلك من عدمه) فلا ينبغي أن يخرجه ذلك من جنوبيته والا فإن أسقطنا نفس المعيار علي هادي ومجور وباسندوة وبن زقر لشككنا في جنوبيتهم.وما أهالني أكثر من شطط أشد قسوة وخطورة ما قرات في رسالة الكترونية وصلتني أمس ( وهي رسالة جماعية-موجهة للكثير و في صورة بيان) من قيادي عدني يقول فيها ان أحد الكتاب العدنيين هدد بالعنف من قبل أفراد من قبيلة جنوبية (وهي- لعمري - قبيلة أصيلة في تكوينها عريقة في تاريخها متسعة في مضاربها) وبمقدار مايؤسفني هذا التهديد-إن صح- فينبغي القول إن هذا التصرف الخاطئ كان نتاج مقال كتبه الكاتب العدني مليء بالاهانات والهجوم غير اللائق ابدا وغير المبرراطلاقا ضد هذه القبيلة الكريمة. ثم بعد- دعوني أبدأ بثلاث ملاحظات عامة أرى فائدة في اللفت اليها في سياق التحليل حول ماهية عدن و قد تصلح كخلفية للولوج في النقاش: أولا: الاختلاف بين أهل الريف وأهل المدينة- وعدن سبقت مدن الجزيرة العربية الأخرى تحضرا ومدنية- أو بين الحضر والبادية ظاهرة أزلية تشكل في كثير من الاحيان مادة للفكاهة ويغلبها إلصاق صفة الهمجية والسذاجة بابن البادية من قبل ابن المدينة ونعت ابن البادية لابن المدينة بالميوعة والتخلي عن الجذور ولكن هذه الاختلافات تبقى في حدودها الادنى وتنحصر في إطار الفكاهة والتندر حتى يصيبها حالة من ديماغوية أو يحل بها اختلال في الأخلاق فيصيبها الشطط الذي أشير اليه وساعود الى ذلك لاحقا والمثير للدهشة ان أول من اشار الى حتمية الاختلاف بين المدنية والبادية في مقدمته هو ابن خلدون وهو سليل عائله حضرمية .ثانيا: النزوح من الريف الى المدن-خاصة العواصم منها- ظاهرة اجتماعية عالمية قاهرة ومرد ذلك في الاساس اقتصادي معيشي ولذا نجد ان الزخم الاكبر في هذا التحول يعتري الدول النامية فلا يستغربن احد-اذاً- حدوث هذا لعدن ولا يتوقعن احد ان يقف هذا الزحف او يضمحل اذا استقرينا الحال بما حصل في بقية الدول وفشل كل الدول في ايقافه- وتتكهن المؤسسات التي تعنى بحركة السكان ان تهبط نسبه سكان الريف في العالم من 50% في 2010 الى 30% في 2050.وقد تنبه البعض ممن ينتمون الى فئة “عدن للعدنيين” من استقراء حتمية النزوح هذا واستحالة صده فطرحوا فكرة “استقلال” عدن من محيطها او ايجاد صيغة مشابهة لعلاقة هونغ كونغ بالصين الام ومنهم من تمنى ان تستبدل عدن بمدينة اخرى كعاصمة للجنوب (وذكر احدهم ردفان كمثل) الا ان احتمال حصول أي من هذين غاية في الضآلة لاسباب كثيرة ليس هذا مجال سردها.ثالثا: ان الاختلاف في الرأي والرؤى حول هذه الموضوع متوقع و لا تثريب عليه طالما احترم الواحد منا الاخر وان خالف رأيه بحيث لا نخلط بين انتقاد الخطاب وشتم حامل الخطاب او راعيه فذاك اسلوب المفلس فكريا الذي يخال له انه باسلوبه هذا يثبت وجهة نظر او يخيف من حمل وجهة نظر مخالفه وما هو بفاعل ذلك بل هو بذلك محفز مناقضيه ومخالفيه الرأي بارداد قول ( او فعل) اكثر ضغينة واكبر حردا وهكذا تزداد الشحناء والكراهية وقد تبين لي في ما اقرأ او اسمع من طروحات وتعليقات ان الحال وصل او كاد مرتبة الخطورة ولوكان الامر “يخص” ( الكاتب الارعن) لهان ولكنه “يعم” فتشمل ردة الفعل (او القول) كل من صنفوا ضمن “هم” وليس “نحن” . وهناك ادوات اثبتت جدواها المقيتة ممن استعملها دعاة الديماغوية عبر المكان والزمان وقد استعمل نفس هذه الادوات المجربة- في اكثر من موضع - اصحاب الشطط في الخطاب المتبادل حول ماهية عدن ومن هذه الادوات:الاستقطاب الذي لا أساس له ولا طائل منه سوى استفحال الانشقاق وجوهر هذه الاداة هو تجزئة الناس الى فئتين- “ نحن” و”هم” ومن ثم الصاق ما طاب من الصفات “بنا” و ما خسئ “بهم” كأن يقال “ العدنيون ماهم الا مستوطنون لا أصل لهم بيننا في عدن” او ان يقال “ الريفيون همج استوطنت همجيتهم عدنا فعاثت فيها خرابا ونشرت فيها خوفا بعد امن).التنميط المضل الفاحش كان يقال إن “ الريفين غزو عدن غزوا” ( وهنا يعنون غزوا حرفيا) او ان يوصف العدني الجنوبي من أصل شمالي بـ” “الدحباشي” في ما بات وصمة للتخلف الميؤوس من اصحابه واشارة للفرز ولعل هذا التعبير اكثر التعابير الديماغوغية نكاية وبغضاً اذ يراد من استعمالها الحط من قدر أهلنا الجنوبيين العدنيين من أصل شمالي وفي انٍ واحد الايحاء بانهم من أرض غير أرضنا وحتى استعماله كصفة أو نعت لاخواننا من الشمال فيه تجن وظلم واستخفاف لا يليق بالعامه استعماله-فما بالك بالخاصة. إسقاط اللوم بالاخر ورفع اللوم عن الذات الا في حدود القبول بانه “ خدع او في انه لم يكن يقظاً فطناً لما يحاك” كان يقول احدهم “لولا حبكة العدنيين من اصول شمالية لما أصبح الجنوب “يمنيا” ولما مر علينا- في الجنوب- حقبه مظلمة ظالمة طغى عليها حكم شيوعي قتل فيه من قتل وسجن فيه من سجن ويتم فيه الكثيرون واختفى دون اثر خيرة الشباب وهاجرت فيه خيرة العقول” وينسى قائلو هذا القول ان من الجنوبيين من زحفوا للوحدة زحفا ومنهم من أذاقوا ذوينا في كل أرجاء الجنوب ريفا ومدنا اصنافا من العذاب تقشعر لها الأبدان ثم ان من يدينهم بفعل ذلك-وهم معروفون باسمائهم وصفاتهم- ما هم في الحقيقة من اهل عدن من اصل شمالي بل هم من اهل الشمال من اصل شمالي.الا ان رواسب هذا الماضي المظلم تبقى عالقة في القلوب تلقي بظلالها على شتى المسارات وهنا لا أعني شرائح الشعب بكل أطيافه ومناطقه الذين تصالحوا وتسامحوا دون رجعة وبأريحية يضرب بها المثل بل اعني كيفية التعامل مع من شاركوا بطريقة مباشرة في تلك المآسي وهل يمكن الاستفادة من نموذج “لجان الحقيقة والتصالح” التي تبناها نلسون مانديللا في جنوب افريقيا والتي افضت الى ولادة جنوب افريقيا الحديثة (واحيلكم الى مقال مفيد حول هذا الموضوع بعنوان “النظر إلى الماضي والعدالة الانتقالية: بناء السلام من خلال كشف المسؤوليات“).وقد أعود في مقال لاحق لعل عنوانه يكون “امكانية الصفح واستحالة النسيان” اتكئ فيه على رؤية شخصية عن حوادث طالت بضع ممن يعزون علي و”الصفح” والنسيان” هنا يعودان لمن كانوا سببا مباشرا في مآسيهم.وعودة الى جوهر الموضوع الذي يتناول “صنوف وعناصر الشطط في الخطاب المتبادل حول ماهيه عدن” أرى ان يكون هناك سعي حثيث عازم حازم عبر ميثاق شرف بين كل الجنوبيين وخاصة القادة والساسة والكتاب بينهم بان لا يشطوا في كتاباتهم ويكفوا عن استعمال ادوات الديماغوغية الغوغائية التي اشرت اليها او اخريات في نفس المضمار ولا يكفي ان يكفٌوا عن ذلك بل -وهذا الاهم-ان يتصدوا ويستنكروا ما يصدر ويكتب ممن يحسبون عليهم او ممن يصنفون منهم.وكأساس ومدخل لذلك كم اتمنى ان يبدي محمد علي احمد عتابا ( ان لم يكن غضبا وتنصلا) عن ما قال هذا القيادي بالحراك الجنوبي-كما اسلفت اعلاه- من ان أنيس حسن يحيى مستوطن ثم لاباس عليه-بعد ذلك- ان يناقش ويفند بكل ما أوتي من قوة (اعني محمد علي احمد) ما قاله أنيس حسن يحيى ( على اعتبار انه قال ذلك بالفعل) واجزم ان قام محمد علي احمد بذلك لاسفر ذلك عن صدى مثمر حسن إيجابي. وان صح ما قيل من التهديد الذي لحق بالكاتب العدني -الذي اشرت اليه آنفاً- فاني اتمنى على رجال تلك القبيلة الشجعان ان يقولوا قولا قويا منيعا مفاده انهم يقفون ضد ظاهرة التهديد والوعيد ويستبدلون ذلك بالطرح المقنع والرد الرصين ولا ينقصهما وجود هكذا طرح وهكذا رد. ثم ينبغي على العدنيين الجنوبيين من أصل شمالي ان يتبراوا مما كتبه ذلك الكاتب العدني عن اهلي من يافع. ان الديماغوغية التي تروج للكراهية والعنصرية المنتنة لا ينبغي ان يكون لها مكان بيننا ويجب ان نرفضها و نحاربها بكل اشكالها ومعروفا تاريخا واجتماعيا ان السياسيين-خاصة القادة منهم- والمثقفين لهم اليد الطولى في اذكاء او اطفاء هذه النزعة العنصرية البغيضة وليعلم هؤلاء علم اليقين ان إذكاءهم لهذه العواطف الهدامة هي تحد واضح لما وجهنا وامرنا به رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ثم ليعلموا انه عبر التاريخ السياسي -الحديث والقديم- ان الساسة الذين لجؤاو الى هذا الاسلوب الديماغوغي باءت محاولاتهم بالفشل الذريع.
|
آراء
عناصر الشطط حول ماهية عدن (2-2)
أخبار متعلقة