فلسفة الثعبان المقدس أو فلسفة القوة المستبدة كما سماها الشاعر العربي أبو القاسم الشابي في وإحدى قصائده هي بالضبط السياسية التي تقوم بها اليوم قوى الظلم والاستبداد الداخلي وهي فلسفة القوى العظمى بالعالم والمنطقة العربية تحديدا متمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية ، فمثلما تحدثت قصيدة أبي القاسم الشابي عن عجرفة ذلك الثعبان الذي استطاع بقوته المتغطرسة أن يوقع بذلك (الشحرور) المغرد لروعة وسكون الغاب ولجمال الطبيعة التي خلبت لبه وفتنت عقله ،وظل يتنقل بين افنان اشجارها وبين غدران مياهها وجداولها النميرة منشداً للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ شعر السعادة والسلامِ، ونفسهُ سكرى بسِحر العالَم. فقبل أن يجد نفسه بين أنياب ذلك العدو المتربص له الذي غمه فرط سعادته وعذب صوته، يدور بينهما حوار غريب من طرف واحد، حيث يحاول الثعبان عبثا أن يقنع ذلك العصفور بان حياته التي يقضيها بين اغصان الغاب ومياه الغدران ما هي إلا حياة قصيرة فانية سرعان ما تندثر خلال أشهر أن لم يكن أسابيع وأنه يريد له الخلود والبقاء على مر الأحقاب حين يلتهمه ويصير جزءاً من جسده المخلد بخلود الزمن ويصير توهجا في ناظره ،وحدة في نابه وجزءاً من ألوهيته لأنه مخلد وباق ،لا يأتي عليه الدهر والفناء ولا يعتريه الشيب والهرم ،ويظل دوما بشبابه المتوقد ، وانه أي الثعبان ينطلق من فكرة التهامه لهذا الشحرور التعيس من الحرص على مصلحة هذا المسكين ومستقبله بدلاً من عيشه القصير النابي. ومن الطريف أن يطلب هذا الثعبان رأي الضحية بمصيرها المحتوم قبل أن يلتهمها، فيكون رد الضحية :(لا رأي للحق الضعيف ولا صدى [c1] *** [/c] الرأيُ رأي القاهرالغلاّبِ أن السلام حقيقة مكذوبة [c1] *** [/c] والعدل فلسفةُ اللّهيبِ الخابي لا عدل إلا إن تعادلت القوى [c1] *** [/c] وتصادمَ الإرهابُ بالإرهابِفافعل مشيئتك التي قد شئتها [c1] *** [/c] وارحم جلالك من سماع خطابي).هكذا بالضبط تتخذ القوى المستبدة منطقا لظلمها وتعسفها سواء أكانت داخلية أو خارجية وفلسفة لغطرستها وهي تحاول أن تقنع ضحاياها بانها حين تبتلعهم وتبتلع دولهم مع ثرواتهم وتأريخهم فإنها تنطلق من حرصها عليهم وعلى مستقبلهم لأنهم حين يصيرون في كرش هذه القوى الغشومة الظلومة فهم سيصيرون مخلدين بالتالي فصيرورة البقاء و(التوحد) ستكون لهم إلى الأبد بدلا من عيشهم القصير ممزق الأوصال كما تزعم. مثلما حاولت ولاتزال قوى الهيمنة التي عصفت بالجنوب منذ عام 94م أن تقنع الضحية الجنوبية أن ما جرى ويجرى منذ ذلك التاريخ هو لمصلحة الجنوب ويضمن له البقاء والاستمرار حتى وان ابتلع كل سكانه وكل ثرواته وصارت بكروش لصوص فلسفة النهب والتفيد فهذا المصير وفق هذه الفلسفة الفاسدة يصب بمصلحة هذا الجنوب الذي قاده حظه العاثر إلى مصير شحرور الغاب في قصيدة الشابي.! هؤلاء اللصوص المتسلحون بنفس سلاح الثعبان المقدس وبثقافته الاستعباطية الساذجة هم نسخة مصغرة من الفلسفة المستبدة التي تعمد إليها القوى العظمى بالمسرح الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي تشفط وتلتهم دولا بقضها وقضيضها وقعت هي أيضاً بنفس شرك ذلك العصفور( الشحرور) التعيس الذي ساقه حظه العاثر إلى ذلك المصير المحتوم وتكون فلسفتها - أي الولايات المتحدة الأمريكية - هي فسلفة ذلك الثعبان المتغطرس الزاعم بقدسيته وبخلوده الابدي وبقدسية ألوهيته المزعومة.! (فخامة) السفير الأمريكي لدى صنعاء(جيرالد فايرستاين) أصبح بالفعل يستحق لقب صاحب الفخامة فهو قد أصبح الحاكم الفعلي لهذا البلد وليس فقط المندوب السامي كما كان يسمى قبل أعوام ، فهو لا يتحرج وهو يأمر وينهى الجميع وما على هذا الجميع إلا السمع والطاعة.فقبل أيام وفي مقابلة له مع صحيفة الحياة اللندنية قال فخامته كلاما كثيرا يصعق كل من يقرؤه تيار الدهشة وخصوصا بالنقطة التي يتحدث فيها عن الجنوب، ففي حين يتحدث فيه صاحب الفخامة عن الجنوب انه يغرق بأيدي ما يسميه (تنظيم القاعدة) يتحدث قائلا:( إننا نرى أدلة على أن الإيرانيين يوفرون مساعدات عسكرية وتدريباً لبعض هذه العناصر اليمنية)، ويقصد بالعناصر اليمنية عناصر جنوبية ، حين يقول نصا:(نلاحظ وجوداً يمنياً جنوبياً في بيروت تم استخدامه كصلة وصل (كوندويت) للدعم الإيراني المقدم لقوى تقوم بالتعطيل في جنوب اليمن..).! هذا السفير يعتقد انه يخاطب أناساً جميعهم أغبياء ، فهو في الوقت الذي يتحدث عن هذا الدور الايراني المزعوم بالجنوب لا يقدم دليلا واحدا على الأرض بل يقدم ادلة تفند تلك المزاعم حين يتحدث عن حجم القاعدة بالجنوب وكيف تعبث بالمناطق الواحدة تلو الأخرى وغياب واضح للدور الايراني المفترض، فأين هو الدور الايراني ؟ فان كان ثمة صحة لما يقوله وبالحجم الذي يصور به الدور الايراني في الجنوب فمن المنطقي أن تكون هناك شواهد على الأرض لهذا الدور المزعوم لكن الذي هو حاصل أن لا وجود البتة لهذا الدور على الأقل على الأرض إن افترضنا أن ثمة دعما ماليا وسياسياً يتلقاه الجنوب بالخفاء كما يزعم؟!. فهذا السفير يعرف قبل غيره أن أي تواصل جنوبي ايراني فهو لا يعدو أن يكون أكثر من تواصل سياسي مشروع لا علاقة له بالمذهب ولا بالتشيع كما يحاول السفير أن يروع به الجيران وهم بكل بلاهة يبتلعون الطعم بصنارته. فلا جامع مذهبياً ولا طائفياً يجمع الجنوب وايران. فهل فترة قرن وثلث القرن من الاحتلال البريطاني للجنوب جعلت الجنوبيين (يتنصرنوا) حتى يتحدثوا اليوم عن مساع إيرانية لتشييع الجنوب؟. فلا الدين ــ ولا حتى المذهب ــ يمكن أن يباع ويشترى في سوق نخاسة الساسة، فمن يفكر بعكس هذا فقد أصابه الخبل والهبل.فأمريكا حتى وهي تتحدث عن السلام فهي لا تستغني عن لغة الحرب والتسلط ، وأنا أتابع مقابلة فخامة السفير تلك وكأني بي أقرأ مذكرات رئيس بلده السابق نيكسون الذي اختار له عنوان :( شن السلام) بما حمله من لغة متسلطة متعالية وكأن العالم ضيعة من ضيع ولاية(تكساس)، ثم وهو يتحدث عن دور ايران بما اسماه الدور الايراني في تعطيل الحلول السياسية لقضايا الجنوب!، فعن أي حلول سياسية يتحدث أن كان أصحاب الشأن -أي حكام صنعاء- انفسهم لا يتحدثون عن اية حلول سياسية بالجنوب على الأقل حتى الآن؟ إلا أن كان هذا السفير يقصد أن ثمة حلولا سياسية بشأن الجنوب يجري الإعداد لها بسفارته وحكام صنعاء آخر من يعلم فهذا أمر آخر ومتوقع جدا .اليس هو صاحب الفخامة كما قلنا؟! من سذاجة حكام بلاد العُـــرب أن أمريكا استطاعت منذ عقود أن تخلق لهم أعداء وهميين بدءاً بالعدو الشيوعي وانتهاءً بالعدو الشيعي وبينهما عدو الإرهاب (القاعدة) ذات الماركة الأميركية الخليجية المشتركة. واليوم الولايات المتحدة تكرس السياسة ذاتها، فتارة تروع ركائزها من الحكام العرب بالعدو الايراني ومرة تهزهم بالعدو الداخلي الخرافي لتخلق لهم في صميم أنفسهم قناعة الخنوع والاستكانة بان ابتلاعهم إلى وسط الكرش الأمريكي هو طريق الخلاص من الأعداء المتربصين بكراسي حكمهم المرتعشة وهو الطريقة الوحيدة لديمومة وخلود حكمهم إلى الأبد بعد أن يصيروا جزءاً من جسد أمريكا وفي لحمها المخلد ،وتصير لهم الازلية بعد أن يكونوا قد ذابوا بخلايا الثعبان الأمريكي الذي طالما عبد ظله أصحاب العروش متهدلي الأوداج والكروش، من خليجها شرقا حتى محيطها غربا.! في سبعينات القرن الماضي كان قد عقد مؤتمر للكتاب العرب بدولة الكويت وكان ممن تحدث في هذا المؤتمر شاعر يمني اعتقد أن اسمه (الشماحي) من خلال قصيدة مثيرة اختار لها عنوانا باسم:( من المحيط الأطلسي إلى المحيط الفارسي)! ،فضجت القاعة مستنكرة كيف يجرؤ هذا الشاعر أن يسمي الخليج العربي بالخليج الفارسي ؟ وكيف يغير صفته من خليج إلى محيط؟، فما كان من الشاعر إلا أن رد ببرودة اعصاب قائلا:( لقد صيــره كرمكم فارسيا وجعله كرمكم محيطا).! . فبالمجمل نقول ان غياب الدور العربي الفاعل وانشغال حكامه بالاستماتة بكراسي الحكم ونهب ثروات الجياع واستباحة اراضي أصحاب الحق ومبالغتهم بالخنوع أمام الهيمنة الغربية وتفريطهم بالكرامة الإسلامية ومقدساتها هو من جعل اليد الطولى بالمنطقة لإيران وصيــر خليجهم العربي فارسياً !.فعلام النواح اذن؟.
|
آراء
فلسفة الثعبان المقدس.. والخليج الفارسي..!
أخبار متعلقة