غضون
*قبل أربعة أعوام كانت كلمة «الجنوبية» مسبوقة بكلمة «المسألة»، وكثر الكلام عن «المسألة الجنوبية»، ودون أن تتضح «المسألة» انتقلت بعد ذلك إلى «القضية»، ومنذ عام 2008م وحتى الآن و«القضية الجنوبية» تجري على ألسن عالمين وجاهلين دون تحديد ماهيتها.. ويقربها بعضهم إلى الأذهان بقولهم إنها «قضية سياسية بامتياز»! بعد أن كانت قضية حقوقية بامتياز.. وبالنسبة لي أفهم القضية الحقوقية وأنحاز إلى المنادين بها، لكن «القضية السياسية» عسيرة الهضم.. فك ارتباط واستعادة دولة الجنوب العربي قضية يصعب هضمها، وكذلك الأمر بالنسبة للفيدرالية والكونفيدرالية.. إذ لا توجد دواع لذلك، فما يحتاجه واقعنا هو إعادة تقسيم الجمهورية إلى مجموعة أقاليم يراعى فيه العامل الجغرافي وكذلك الاقتصادي والسكاني، ويترك لسكان كل إقليم إدارة شؤونهم فيه في ظل حكم محلي لا ينفصل كلياً عن المركز.* أما طرح «القضية الجنوبية» بمعانيها السياسية على ذلك النحو الذي يتعارض مع وحدة البلاد فلا مبرر له ولا توجد دواع لذلك أصلاً.. خاصة الدواعي التي تردد حول احتلال الشمال للجنوب، وحول استئثار الشمال بالسلطة والثروة.وسنكون صرحاء مع الذين يرددون هذه العبارات دون مراعاة أن الواقع يدحضها.. كيف يمكن أن تسوغ حكاية «احتلال الجنوب» أو استئثار «الشمال بالسلطة والثروة» بينما رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي هو الحاكم الفعلي للبلاد، وهو من الجنوب، ورئيس الوزراء من الجنوب، ونصف عدد الوزراء من الجنوب وأربعة منهم يديرون وزارات سيادية، وكذلك الحال بالنسبة لمحافظي المحافظات والقيادات العسكرية والأمنية.. في الماضي كان يقال إن المسؤولين الجنوبيين لا يمثلون الجنوب بدعوى أنهم «زمرة» أطيح بهم في 13 يناير 1986م.. لكن هذا الادعاء رغم عدم وجاهته لا يصمد اليوم لأن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء الجنوبيين الذين يمثلون أكثر من نصف نخبة الحكم يمثلون طرفي قوى 13 يناير وفيهم من قوى ما قبل يناير وما بعده والشركاء في الوحدة وما بعدها إلى اليوم.. وكذلك هو الثقل الجنوبي في النخب السياسية المشاركة في السلطة والأخرى التي ظلت خارجها، فالمجلس الوطني لقوى الثورة السلمية الذي يترأسه باسندوة ويضم أحزاب المشترك وشركاءه فيه 58 شخصية جنوبية، والتحالف الوطني الديمقراطي الذي يضم المؤتمر الشعبي وحلفاءه يتبوأ فيه جنوبيون مراكز اتخاذ القرار.*على أية حال.. لسنا هنا بصدد جرد وإحصاء وعقد مقارنات، لكننا بصدد تذكير المنومين تنويماً سياسياً واجتماعياً أن شطحات «ِالقضية الجنوبية» لا تصمد أمام حقائق مدركة.القضية الجنوبية الحقيقية هي القضية الحقوقية، فقد ارتكبت أخطاء بعد حرب 1994م وأخطاء «الخصخصة» وغيرها، ونتج عنها فقد وظائف وحرمان من الترقية و«خليك في البيت»، ولاتزال بعض هذه الأخطاء باقية بآثارها، والقضية الأخرى المهمة هي قضية الأرض.. فما حدث في هذا الجانب أمر محرق.. لذلك من الضروري اتخاذ قرار سياسي بإلغاء كل التصرفات السابقة غير المشروعة وإعادة التوزيع من جديد.. المواطن الجنوبي لا يغيظه أن يحصل مستثمر على مساحة كبيرة من الأرض لبناء مصنع أو إنشاء مزرعة مثلاً، ففي ذلك مصلحة جماعية مشروعة، لكن ما يثير الغيظ أن تملك مباني الدولة لأفراد وأن تصرف أراض لمن لا يحتاجون لها إلا ليصبحوا فجأة من الأغنياء، بينما المواطن العادي يحرم من قطعة أرض تحت سماء وطنه.