إعداد/ إدارة الثقافة الفن القصصي باب لم يفتح على مصراعيه في الأدب العربي إلا في العصر الحديث، وذلك بعد hطلاع الأدباء العرب على الآداب الغربية.القصة بمفهومها البسيط سرد حكاية في أسلوب مشوق عرفها العرب منذ القديم إذ كان يرويها الآباء للأبناء في الحل والترحال وتحت قباب الخيام كسيرة عنترة وألف ليلة وليلة. كما عرف العصر العباسي بعض الفنون الأدبية القريبة من القصة كمقامات بديع الزمان وبخلاء الجاحظ وكليلة ودمنة لابن المقفع وحي بن يقظان لابن طفـيل. لكن النقاد في العصر الحديث يعتقدون أن القصص الفني بشروطه الحديثة لم يعرفه العرب إلا في مطلع العصر الحديث.بعد احتكاكهم بالغرب.فهم يعتبرون القصص العربية القديمة لا تصور الواقع ولا تعالج مشاكل الإنسان في واقعه اليومي. بالإضافة إلى اهتمامها المبالغ فيه بالخيال والتنميق اللفظي. فهي ناقصة من حيث الشروط الفنية التي تميز القصة عن باقي الفنون الأدبية الأخرى.لذا تأخر ظهور القصة الفنية في أدبنا العربي إلى مطلع العصر الحديث.وقد لقي هذا الفن إقبالا كبيرا من القراء والأدباء على السواء لعدة أسـباب:1 - تأثر الأدباء بهذا الفن بعد اطلاعهم على القصص الغربي بمواضيعه المتنوعة. 2 - اهتمام الصحافة بالقصة خاصة في طور الترجمة.3 - مجال القصة أوسع وأرحب للتعبير عن حياة الشعب وتطلعاته.4 - القصة اقدر على معالجة المظاهر التاريخية والسياسية والاجتماعية التي تعج بها الحياة العربية في مطلع العصر الحديث. 5 - كذلك الدور التثقيفي المهم الذي لعبته القصة في توعية الشعوب وتوجيهها. ولم تصل القصة العربية إلى مرحلة النضج والكمال وتتوج بجائزة نوبل للآداب إلا بعد أن مرت بالأطوار التالية: 1 - مرحلة الترجمة: حيث استطاع بعض الأدباء العرب ممن تثقفوا باللغة الأجنبية ترجمة بعض القصص الغربية ونشرها في المجلات والصحف اليومية، والرائد في هذا المجال هو رفاعة رافع الطهطاوي الذي ترجم مغامرات تلماك للكاتب الفرنسي فنلون، وكان هدفه من ذلك الإصلاح التربوي والسياسي من خلال القصة.2 - مرحلة الاقتباس والمحاكاة: أو مرحلة التهيؤ والاستعداد. وذلك في المحاولات التي قام بها الأدباء في مصر والشام وسائر البلاد العربية منها حديث عيسى بن هشام ( للمويلحي )،وليالي سطيح، والبؤساء ( لحافظ إبراهيم ) في هذه المرحلة أباح الأدباء لأنفسهم التغيير في القصص الغربي مما شوه النصوص الأصلية. كما انصب اهتمامهم على جودة التعبير والصياغة اللغوية الذي لا يصور الفكرة بدقة ويظهر هذا في ترجمة حافظ إبراهيم للبؤساء والمنفلوطي في العبرات، ومجدولين. 3 - مرحلة الإبداع والتأليف: تبدأ بقصة زينب لمحمد حسين هيكل التي نشرت في 1914م ثم تلتها محاولات جادة مثل دعاء الكروان لطه حسين. بداية ونهاية لنجيب محفوظ، وسارة للعقاد، الأرض الشرقاوي غادة أم القرى لرضا حوحو وبحيرة الزيتون لأبي العيد دودو. والأجنحة المتكسرة لجبران خليل جبران والمصير لزهور ونيسي ويوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم. وقد تعددت اتجاهات القصة العربية الحديثة فمنها ما يعالج القضايا الاجتماعية ومنها ما يتناول القضايا النفسية ومنها ما يعالج المشاكل الوطنية والقومية وقد تجمع القصة الواحدة بين لونين أو أكثر من هذه الاتجاهات.كقصص نجيب محفوظ، اللص والكلاب، السكرية، قصر الشوق، وبين القصرين.وقد توفر لها البناء الفني الذي يميز القصة كجنس أدبي متميز.أهم هذه الخصائص ما يلي:1 - الحادثة: هي مجموعة من الوقائع الجزئية تأتي مرتبطة على نحو معين يشترط فيها أن تكون منطقية ومرتبطة بالشخصيات.2 - السرد: الأحداث التي تقوم بها شخصيات القصة أو تخضع لها يعرضها الكاتب بلغته وأسلوبه ورغم انه لكل أديب زاده اللغوي وأسلوبه الخاص، فهناك مميزات عامة للغة السرد تتمثل في السهولة والوضوح والخفة وملاءمة المعاني.3 - الحبكة: يقوم الأديب باختيار الأحداث وتنسيقها حيث يهيئ مقدمة تبتدئ منها القصة ثم يحرك الأحداث ويطورها ليجعلها تشتبك وتتأزم ثم يتدرج بها نحو الحل وهذا ما يسمى الحبكة أو التصميم العام لأحداث القصة ويستخدم الكاتب أربع طرق لعرض القصة.أ - طريقة السرد المباشر وفيها يتحدث الكاتب على لسان شخصياته فهو أشبه بالمؤرخ يظهر هذا في قصة الأرض الشرقاوي وهي الطريقة الأكثر شيوعاً. ب- الترجمة الذاتية وفيها يتقمص الكاتب شخصية البطل كما في رواية من اجل ولدي لعبد الحليم عبد الله. ج - وهناك طريقة حديثة تصور البطل من داخله من خلال أحلامه وذكرياته وهنا يتكسر الزمان والمكان ويجري العمل القصصي بلا منطق عقلي حيث يسود اللاشعور الذي يغرق الأحداث في الغموض مثل رواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ.د - أما الطريقة الرابعة فتتعدد فيها طرائق العرض من سرد وحوار مباشر وغير مباشر مثل قصة ذهاب وإياب لصبري موسى.4 - الشخصية: يتعرف القارئ على شخصيات جديدة يشترط فيها أن تكون حية وواقعية حتى تجد من القارئ التعاطف والتأثير، والشخصيات نوعان: جاهزة ونامية ، الجاهزة: تتميز بتصرفات ثابتة ومواقف واضحة. أما النامية: فهي التي يتم تكوينها مع تمام القصة.5 - الزمان والمكان:كل حادثة لابد أن تقع في مكان محدد وزمان معين لذا فهي مرتبطة بعادات ومبادئ ذلك الزمان والمكان.6 - الفكرة:القصة تكتب لتقرر فكرة لتنقل خلاصة تأمل أو تجربة شعورية فيصوغ الكاتب الفكرة في إطار فني جديد ويجسدها في أشخاص وأحداث.الفن القصصي فن لذيذ يحبه الكبار قبل الصغار فالكاتب عن طريق القصص يستطيع نشر الأفكار والمبادئ والاتجاهات وفي غمرة اللذة الفنية يتقبل هذه التوجيهات ومن هذا المنطلق ساهمت القصص في نشر الوعي بين الجماهير وتوسيع مدارك القراء، فبواسطة القصص نعيش حياة لم نعهدها من قبل قد لا تتوفر لنا في الحياة العادية أبداً، وهذا ما يفسر جلوسنا لساعات طويلة أمام الشاشة لمشاهدة مسلسلات وأفلام تروي قصصاً مختلفة،أما بعض القصص فلها تأثير سلبي هدام على القراء لأنها تعالج مواضيع لا أخلاقية تفسد الشباب بدلا من توجيهه نحو الخير والبناء فعلينا اختيار ما نقرأ.تطور الفن القصصي القصة لون من ألوان التعبير الأدبي تمتاز بالطابع الإنساني والحلة الجمالية الأنيقة تعتمد على الوصف والسرد والحوار. يعرفها محمود تيمور بقوله: ( هي عرض لفكرة مرت بخاطر الكاتب أو تسجيل لصورة تأثرت بها مخيلته أو بسط لعاطفة اختلجت في صدره. فأراد أن يعبر عنها بالكلام ليصل بها إلى أذهان القراء محاولا أن يكون أثرها في نفوسهم مثل أثرها في نفسه). ويقسم الفن القصصي من حيث القالب أو المظهر إلى أربعة أقسام: الأقصوصة القصة الرواية والحكاية. هل عرف أجدادنا الأوائل القصة ؟وهل توفرت لها الشروط الفنية ؟ لم يخل أدبنا القديم من القصة بمفهومها البسيط ففي الأدب الجاهلي قصص تدور حول أيام العرب وحروبهم يروونها في الحل والترحال وتحت الخيام في ليالي السمر. وفي القرآن الكريم قصص الأنبياء وأقوامهم. وفي العصر العباسي نقل إلى العربية بعض القصص من الأمم الأجنبية مثل كليلة ودمنة لابن المقفع وألف الجاحظ كتاب البخلاء، وظهر فن المقامات. وكتب المعري (رسالة الغفران) وابن طفيل (حي بن يقظان). إلا أن ما كتب في هذه الفترة لم تتوفر فيه الشروط الفنية، بسبب الإغراق في الطول والاستطراد. الاهتمام بغريب الألفاظ، والاحتفاء بالصناعة اللفظية، وعدم التعمق في تحليل نفسيات الشخصيات. وفي العصر الحديث، اتصل الأدباء العرب بالغرب فاطلعوا على إنتاجهم القصصي الرفيع فأعجبوا به وانكبوا ينهلون منه انكباب يتيم جائع على مائدة غني كريم. وراحوا يترجمون بعضاً ويقلدون بعضا ويقتبسون من بعضها الآخر. حاول بعض الكتاب العرب إحياء فن المقامة من جديد أمثال اليازجي والمويلحي والشدياق وكتبوا محاولات قصصية جادة عالجت الواقع بنظرات لماحة نافذة، إلا أنها لم تلب حاجات العصر ولم تستوف التعبير عن وجدان الأمة، وهذا يعني أننا أمام نمطين من الفنون القصصية العربية: نمط ابتدعه الأدباء العرب بعيداً عن أي تأثر بغيرهم، ونمط آخر أنتجوه بعد تأثرهم بالفنون القصصية التي ازدهرت في أوروبا. وقد مرت القصة في العصر الحديث بالأطوار التالية:[c1]1 - مرحلة الترجمة:[/c]نتيجة اتصال العرب بالغرب وإطلاعهم على تراثهم الأدبي المتنوع اتجه بعض الكتاب إلى القصة لأنها الأكثر استيعابا لتطلعات واهتمامات الجماهير. وقدرتها على متابعة وتسجيل التغيرات الاجتماعية والسياسية التي كانت تزدحم بها البلاد العربية آنئذ، وكان رائد هؤلاء هو رفاعة رافع الطهطاوي الذي ترجم مغامرات تلماك للكاتب الفرنسي فنلون. [c1]2 - مرحلة المحاكاة والاقتباس:[/c]تتجلى أول محاولة في هذا الطور في قصة عيسى بن هشام للمويلحي الذي حاول إدخال مقومات القصة الغربية والمحافظة على أسلوب المقامات وهو نفس النهج الذي انتهجه حافظ إبراهيم في ليالي سطيح، أما المنفلوطي فقد ترجم بتصرف وتغيير حتى يرضي القراء كما في الشاعر مجدولين.[c1] 3 - مرحلة الإبداع:[/c]وفيها أنتج الأدباء قصصاًُ فنياً اعتماداً على إبداعهم وتبدأ بقصة زينب للدكتور محمد حسين هيكل. برغم غلو هذه القصة في الرومانسية وحلولها المفتعلة إلا أنها تعد البداية الفنية الحقيقية للرواية الاجتماعية. ثم ظهر لفيف من الأدباء بقصص جديدة توفر فيها البناء الفني فكتب طه حسين (الأيام) و(دعاء الكروان) - وتوفيق الحكيم (عصفور من الشرق) (ويوميات نائب في الأرياف).ونجيب محفوظ (الثلاثية) وجرجي زيدان بقصصه التاريخي في سلسلة روايات (تاريخ الإسلام). أما في الجزائر فقد كتب رضا حوحو (غادة أم القرى) وكتب محمد ديب ثلاثيته (البيت الكبير)، (الحريق، النول)، وكتب مولود معمري (العصا والأفيون). وهكذا تطورت القصة العربية ونضجت واكتملت فنياً وما نيل نجيب محفوظ لجائزة نوبل للآداب إلا دليل على ذلك. وقد تنوعت موضوعات القصة العربية الحديثة وتعددت اتجاهاتها فمنها ما هو اجتماعي أو نفسي وآخر تحليلي ومنها ماهو وطني وقومي وقد تجمع القصة الواحدة عدة ألوان وطنية اجتماعية نفسية. [c1] خصائص الفن القصصي[/c]1 - التمهيد: ( الزمان والمكان ) الزمن قد يمتد لأجيال وأجيال أو يقصر ليشمل فترة وجيزة ففي قصة قرية ظالمة لمحمد كامل حسين الزمن يوم وليلة وهو نفس الزمن في ذهاب وإياب لصبري موسى. 2 - الأحداث: الكاتب الناجح يصنع من الحدث البسيط فنا عميقاً راقياً حيث يتعمق في دراسة الأحداث فيرتبها وينسقها في شكل منطقي. 3 - العقدة: وتنجم عن ترتيب الحوادث وهي النقطة التي تتجمع عندها الخيوط فيتعقد الموقف ويتلهف القارئ لمعرفة الحل. 4 - الحل: ويشترط فيه أن يكون منسقا مع الأحداث وقد يكون سعيداً أو حزيناً. 5 - الشخصيات: جاهزة ونامية، نجاح القصة يعتمد على نجاح الكاتب في تصوير الشخصيات فلابد أن تتطابق مع الأحداث ومع الواقع. 6 - الأسلوب: هو التعبير ووسائله اللغوية فلكل كاتب زاده اللغوي وأسلوبه الذي يميزه عن غيره فأسلوب العقاد يختلف عن أسلوب طه حسين أو احمد أمين. الفن القصصي محبب إلى القلوب يتلذذ به الكبير قبل الصغير يجعلنا نحس بالراحة والتغيير حيث ندخل المعامع والمغامرات مع القصص البوليسي ونتجول في حدائق غناء مع القصص الرومانسي نتألم مع البؤساء ونبتسم مع السعداء مع القصص الواقعي وقد ساهمت القصة في نشر الوعي ومعالجة بعض المشاكل الاجتماعية وبعث الثقافة والأخلاق. لقد تأثر الفن القصصي العربي بالآداب الغربية فعلا ولا ضير في ذلك فالآداب التي تريد لنفسها الاستمرار ينبغي أن لا تضيع فرصة الازدهار والانبعاث.
|
ثقافة
تطور الفن القصصي
أخبار متعلقة