نبض القلم
المجتمع الإسلامي يقوم على ركيزتين أساسيتين هما الدعوة إلى الفضيلة والستر، وكذلك فتح باب التوبة للعصاة والمجرمين ولم يجعل لليأس طريقاً إلى قلوبهم ونفوسهم، قال تعالى: “قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم” (الزمر، 53).أتى أحدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لقد رأيت فلاناً يزني، فقال عليه الصلاة والسلام “لو سترته بثوبك لكان خيراً لك” رواه أبو داود.وكان بعض الناس قد أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل هرب عندما أرادوا إقامة الحد عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: “هلا تركتموه يهرب ويتوب ويتوب الله عليه” رواه أحمد.وعندما لا يفلح الجانب الوقائي في إصلاح الأفراد وتهذيب النفوس، يصبح من المؤكد وجوب الأخذ بالجانب العلاجي في الإسلام الذي يرتب لكل جناية عقوبة.قال الله تعالى: “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب” (البقرة، 179).ويحدثنا التاريخ عن أشخاص كانوا من عتاة المجرمين، ثم هداهم الله فتابوا واستقاموا وحسن دينهم وسلوكهم، ورسخت عقيدتهم، وأصبحوا من كبار الزهاد والعباد، فها هو الفضيل بن عياض رحمه الله كان قاطعاً للطريق خرج ذات ليلة يقطع الطريق فسمع أحدهم يقرأ قوله تعالى: “ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق” (الحديد، 16). فقال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته وصلاحه.ثم إن الإسلام قد حذر المجتمع والدولة من تبعات الجريمة التي ربما يشارك المجتمع في تفشيها، ويساهم في وقوعها، وهاهو العلامة ابن القيم رضي الله عنه، قد ذكر في كتبه أنه إذا مات إنسان في محله من الجوع الزم الإمام أهل ذلك المكان بدفع الدية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ ما آمن بي من مات شبعان وجاره جائع وهو يعلم بذلك” رواه البزاز والطبراني.ومعروف لدينا قصة تلك المرأة التي كانت تأمر ابنتها بأن تخلط اللبن بالماء فتأبى، وتقول: “إذا كان أمير المؤمنين لا يرانا فإن رب أمير المؤمنين يرانا” فهذه القصة خير شاهد على أنه حيثما وجدت العقيدة السليمة والخوف من الله أمن المسلمون على أقواتهم وأرزاقهم.إنه من خلال هذه الملامح العامة والمشرقة للمنهج الإسلامي في مكافحة الجريمة، واستقراء التاريخ الإسلامي يتبين لنا أثر تطبيق هذا المنهج، ويتبين لنا تميز هذا المنهج وبالتالي تميز هذا الدين الذي جاء ليحكم الحياة ويكون واقعاً ملموساً ومطبقاً.نقول هذا ونحن نرى التخبط الذي تترنح فيه التشريعات المعاصرة البعيدة عن هدي السماء، ونرى الإخفاقات المتكررة في الحد من الجريمة والقصور في تطبيق الأحكام.إن الإسلام قد شرع عقوبات زاجرة للمجرمين الذين يعيثون في الأرض فسادا، ولكنه في الوقت نفسه قد احتاط في وسائل الإثبات وتحقق عناصر الجريمة وأركانها، أما حيث تختل هذه الأركان والشروط فلا عقوبة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة” سنن البيهقي، ج8 ص238.ولذلك نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينبه ولاته إلى هذا الأمر، فقد روي عنه أنه جمع ولاته وقال للمغيرة: يا هذا ما أنت بصانع لو أتيت بسارق؟ فقال له: أقطع يده، فقال عمر: لو فعلت قطعت يدك، يا هذا إن الله جعلنا على الناس لنسد جوعتهم ونوفر حرفتهم ونستر عورتهم، يا هذا إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً.إننا بهذا نرد على أولئكم المغرضين الذين يتصورون أن الإسلام دين قطع اليد والرجم والجلد دون تحقيق أو تدقيق.إن التربية الإسلامية المستمرة بالحكمة والموعظة الحسنة ومن خلال المساجد، والتوعية المستمرة بالجريمة وأخطارها من كافة الجهات المعنية، وأهم من ذلك سد الأبواب والمنافذ التي تؤدي إلى اقتراف الجريمة، ثم إقامة العقوبة الشرعية الرادعة، كل هذه الخطوات تؤدي إلى مكافحة الجريمة وتنقية المجتمع من أخطارها.والجريمة قد تحصل في أي مجتمع لسبب أو لآخر، وهي غير الإرهاب الذي هو مجمل الأنشطة التي تهدف إلى إشاعة جو من عدم الاستقرار في المجتمع باتباع جملة من وسائل العنف المنظم والمتصل بقصد خلق حالة من التهديد العام الموجه إلى دولة أو جماعة، وترتكبه جماعة منظمة لغرض تحقيق أهداف سياسية أو غيرها، فتلجأ إلى الاختطافات والاغتيالات والتفجيرات في الأماكن العامة، والهجوم المسلح على المنشآت والأفراد والممتلكات واختطاف السياح، وأعمال القرصنة الجوية أو البحرية،واحتجاز الرهائن أو قتلهم، وإشعال الحرائق، وغير ذلك من الأعمال التي تتضمن المساس بمصالح الدول الأجنبية، مما يترتب عليه إثارة المنازعات الدولية وتبرير التدخل العسكري، وهو ما يجعل الإرهاب أضر بالمجتمع من الجريمة التي قد تحصل هنا أو هناك لأسباب متفاوتة، والجريمة يمكن معالجة أسبابها والحيلولة دون وقوعها وفي الوقت نفسه يمكن تبرير الدوافع إليها والعفو عن مرتكبيها، أما الإرهاب فليس له من مبرر وليس له من دافع سوى العمالة للقوى الأجنبية وتنفيذ مخططاتها الرامية إلى تعطيل عملية التنمية والإساءة إلى الوطن والإضرار بالاقتصاد الوطني.[c1]خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]