يقول أ. د. عمار علي حسن، في أن الثورة تجربة إنسانية، إنه لا تقوم ثورة في أي مكان وأي زمان إلا وقامت ضدها حركات وتدابير تهدف الى إفشالها عبر احتوائها تدريجيا وتفريغها من مضمونها على مهل أو حتى من خلال ممارسة العنف المفرط ضد الثوار ، وتعرف هذه التدابير جوازاً باسم الثورة المضادة وهي تعني محاولة إرجاع اوضاع المجتمع الى سابق عهدها والإبقاء على مصالح القلة التي كانت تتمتع بها والعمل المستمر من أجل القضاء على الثورة وعلى مبادئها بكل السبل ومختلف الوسائل خفية ومستترة أم علنية وظاهرة وهؤلاء، ليسوا رجعيين عاديين ولا يحدوهم إعجاب بالقديم لمجرد انه قديم بل على العكس إنهم على استعداد لاستعمال آخر الأساليب الفنية للعمل الحديث وكل الإمكانيات التجريبية في أنظمتنا لتحقيق غرضهم.ويضيف أن هناك ثورات معرضة للسرقة أو الاختطاف وقد يتم هذا على يد قوة لم تشارك في الثورة أصلاً تأتي متأخرة وتستغل الطريق الذي شقته الطليعة الثورية ثم تمر منه بأنانية مفرطة وانتهازية واضحة لتقتنص الثمرة بمفردها وقد حدث هذا مع الثورة الإيرانية التي أطلقتها القوة اليسارية والليبرالية ثم اختطفها الملالي، وقد تتم السرقة على يد قوة كانت شريكة في الثورة لكنها تتنكر لرفاقها ، وتبدأ في تنفيذ خطة لإقصائهم تدريجياً عن المشهد السياسي حتى يتواروا في الظل. وهنا نتساءل عن شباب الثورة الأوائل وكيف حاول الحزبيون تهميشهم وتجاوزهم حتى من الظهور على شاشات القنوات والسفر الى الدوحة والقاهرة، فجل من سافر وظهر على شاشات قنوات الأخبار لا صلة لهم بأيام الثورة الاولى بل جاؤوا بأوامر حزبية ليتقمصوا دور الشباب المستقل ويتحدثوا باسمهم بما تملي عليهم قياداتهم، وهذا احد الادلة على أن الثورة اليمنية تعرضت للسرقة والاختطاف منذ الأيام الأولى لها، وعلى كل المتابعين أن يزوروا ساحة التغيير ويشاهدوا حال المستقلين أو من تبقى منهم في الساحة رغم حالة التطفيش والتضييق والتنفير لهم من قبل مغاوير اللجنة الأمنية والمسماة لجنة تنظيمية والكلام في هذا يطول والحقائق كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها، فالمستقلون صوتهم غير مسموع وكلما حاولوا حشد أنفسهم وجمع شتاتهم يتم إفشالهم إما بإحداث الفوضى ونشر تهم العمالة للأمن القومي أو لشخصية ما وكان آخر تلك المحاولات للشباب المستقل هي الدعوة للتظاهر صباح السبت أمام رئاسة الوزراء فما كان من تنظيمية الثورة إلا الإعلان عن مظاهرة في التوقيت نفسه ولكن في اتجاه آخر.وتقوم سياسة الأحزاب حالياً على عدم الخروج من الساحات وذلك كي لا يبقى معتصمون مستقلون وبالتالي تبقى احتمالات انضمام الفئة الصامتة إليهم ممكنة ويصبح الشعب في مواجهة النظام الجديد، وهناك هدف آخر يقوم على إيصال شباب الثورة المستقل الى حالة من اليأس وهذا يتم بأسلوب ممنهج يبدأ بالتهم وينتهي بالاعتقال حتى يتم ترحيل كافة الشباب المستقل من الساحات.الأحزاب لا تريد صوتاً في الساحة يخرج عن النص ويحيد عن الهدف والخط المرسوم فكل من يتعمد ذلك فمصيره معروف وخير مثال على ذلك هو ما حدث ويحدث في تعز لأن أبناء المدينة بمشروعهم الثوري وحداثة ومدنية حياتهم لا تسيرهم أحزاب ولا مراكز نفوذ ولهذا ستظل المدينة ساحة للصراع حتى يتوقف الشباب عن احتجاجاتهم.وللعودة قليلاً إلى الوراء نتذكر جيداً الوقت الذي انضمت فيه أحزاب المشترك للثورة وكيف سيطرت على الساحات وعملت على تقييد الفعل الثوري وتوجيه المسيرة الثورية بما يخدم اجندتها السياسية وكيف استقبلهم الثوار رغم ان الكثير من تلك القيادات كانوا فاسدين وساهموا الى حد بعيد في إيصال البلاد الى ما وصلت اليه اليوم ولكن الحقيقة تقول إنه لم ولن يكون الثوار على درجة واحدة من الولاء للثورة ولا يقفون منها عاطفياً وعقلياً على قدم سواء، فمن بينهم المخلص المستعد للاستشهاد في سبيل نجاحها ومنهم من يريد أن يعطيها بقدر لا يفقده حياته وهناك من يراها فرصة تاريخية لبناء وطن حر مكتف عادل ومهاب ويوجد من يعتقد أنها ستخلق مساراً اجتماعياً يحقق له المكانة اللائقة وهناك من يعول على الثورة في أن تعوضه عن منصب أو مال او جاه افتقده أيام النظام الذي هدمته الثورة.إن الأحزاب شعرت بأن النظام لو سقط على يد الشباب فإنها بالتأكيد ستصبح هدفاً للشباب الذين سيعتبرونها وقياداتها الهرمة جزءاً من الماضي ويبدأ المجتمع اليمني في تشكيل مكونات سياسية جديدة تضطلع بدورها في قيادة دفة التغيير نحو المستقبل وكذلك هناك الكثير من قوى النفوذ ذهبت نحو استغلال المد الثوري بهدف الهروب إلى الأمام والاحتماء بالثورة والثوار خوفاً من أن تطالهم يد العدالة والقانون فساهمت الى حد بعيد في إخماد شعلة الثورة وإيقاف مدها الهائج وعرقلة مسيرتها المتقدة ولهذا كان لسان تلك القوى يقول علينا أن نقود الثورة حتى نحدد طريقها نحن بحيث لا تحدث تغييراً جذرياً وهو الذي لن يكون إلا بإزالة كل مراكز القوى.وللمستقبل القريب يقول د . عمار علي حسن إنه وحين تفشل الثورة تدفع قيادتها وطليعتها ثمناً باهظا، فالقوى المنتصرة على الثورة أو التي طوقتها وفرغتها من مضمونها وأجهزت على فعلها الإيجابي ستعمل على تقييم الثورة باعتبارها عملاً تخريبياً أو تصرفاً موقعاً للبلاد وتمهد الرأي العام لتقبل كراهية الثوار تدريجياً وتغذي الحنق عليهم عبر وسائل عديدة.والواقع اليوم يقول: إنه بعد توقيع المبادرة يواجه أي فعل في الساحة أو أي تحرك لقوى الثورة بتهم مسبقة كتهمة إفشال حكومة التوافق، وليس بغريب أن يصرح أحد قيادييهم بأن الرافضين للمبادرة الخليجية ليس لهم أي وزن سياسي أو شعبي وبالتالي فإن الأبواق الإعلامية للأحزاب تذهب نحو التهدئة والترويج لمبدأ التقاسم والإيحاء للناس بأن المبادرة كانت من نتائج الثورة، ويبدع بعض المتحدثين الحزبيين في الحديث عن واحدية المسار السياسي والثوري وعن وحدة الشباب والأحزاب، فمنهم من قال إن شباب الثورة والأحزاب تتنفس من رئة واحدة وعندما تكون البداية هكذا فبالتأكيد انهم جاهزون للتعامل مع أحلك الظروف، فلو بقي الشباب المستقل الرافض للتسوية في الساحات وانسحبت كوادر الأحزاب فإن الإعلام الرسمي والحزبي سيتضامن من أجل إنهاء الحالة الثورية وسيعمل تحت عناوين عدة وليس بمستبعد أن يعود الى سياسة التضليل والترهيب والترغيب من جديد وستعمل الأطراف الحاكمة على تقويض المد الثوري معتمدة على عدة وسائل ليست بغريبة على شباب الثورة الذين باتوا أكثر الأطراف دراية وخبرة في كيفية تعامل الأحزاب مع من يخالفهم الرأي ويشكل خطراً عليهم وهنا سيدفع شباب الطليعة الثورية الذين ينتمون لليمن قبل الأحزاب والمناطق والمذاهب الثمن وقد يصل الأمر الى حد التصفية وسيطالهم العقاب إذا ظلوا على موقفهم من التسوية السياسية القائمة، فهؤلاء الشباب لم تخرجهم الأحزاب ولا المشايخ ولا القادة العسكريون بل أخرجهم الوضع ودفعهم الى إشعال الثورة .إن الأحزاب لم تسرق الثورة بالمعنى الحرفي للكلمة لكنها في حقيقة الأمر أرادت نصف ثورة حتى تصعد إلى الحكم، لأن الثورة الكاملة إذا نجحت ستجرف الجميع وستنقلب الأمور رأساً على عقب وستتغير مراكز النفوذ وستطال يد الثوار كل من ساهم في ما وصلت إليه البلاد اليوم والأحزاب جعلت نفسها بديلاً ولأنها تثق ان حجم تواجدها في الشارع ضئيل ذهبت نحو إدارة الفعل الثوري كي تحرك الثورة كيفما تشاء وهاهي تصل بنا اليوم إلى تسوية سياسية مشوهة ووعود بإصلاحات عقيمة وتغييرات شكلية. ولكن عمار حسن يقول في نهاية حديثه: إن الثورات موجات، فلا يحكم على الثورة نجاحاً أو فشلاً بمجرد تقييم موجة واحدة لها، وفي الغالب الأعم تكون الموجة الأولى للثورة هي الأسهل، لا سيما في الثورة الشعبية التي تشهد حضوراً جماهيريا طاغياً وزخماً ظاهراً ، بما يجعلها تمتلك قوة دفع هائلة تجرف أمامها أي عقبات أو عثرات ترمي إلى إعاقة التقدم الثوري وتعطيل الثورة عن بلوغ هدفها الأساسي الأولي وهو إسقاط النظام الحاكم.
|
آراء
الثورة الشبابية والثورة المضادة
أخبار متعلقة