رؤية تحليلية لقضية (الحراك الجنوبي)
اعتبر يوم الحادي والعشرين من فبراير 2012 يوماً مهماً في حياة اليمنيين، وهو يوم فصل بين مرحلة مهمة كان على رأسها علي عبد الله صالح الذي ظل في الحكم 33 عاما، بلغت ذروتها بأحداث مأساوية في عام 2011 دفع الشعب اليمني بأكمله ثمنا غاليا لها، من معيشته واستقراره وأمنه، وجاء هذا اليوم الفاصل ليعلن عن بدء مرحلة جديدة من حياة اليمن واليمنيين.ربما هكذا يقرأ الشعب اليمني رؤيته للمستقبل، ولكن هناك من يقول إن الرئيس الجديد لليمن لا يقرأ المستقبل بعيون غيره، فهو الذي حذر كثيرا من أن هناك عقبات كثيرة ما زالت تعيق طريق الأمن والاستقرار، وعليه أن يقابلها بإرادة قوية وعزيمة ثابتة، كما عليه أيضا الاستعداد لحل اكبر عقبتين تقفان أمامه، استتباب الأمن وهيكلة الجيش، وحل مشكلتي (الحوثيين) في محافظة صعدة و(الحراك الجنوبي) في المحافظات الجنوبية، وقد وضع لهاتين القضيتين، عنوان عريض ضمن المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن رقم 2014 والخاص بقضية الأزمة في اليمن، ويتضمن هذا العنوان إطلاق نقاش مفتوح حول مستقبل البلاد من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل لكافة الأطراف التي تطالب بإصلاحات جادة، أو أطراف ترى ان لها رؤى تختلف عن غيرها مثل قضية (الحراك الجنوبي)، التي لها أكثر من رؤية طرحت من قبل أكثر من طرف، وهو ما سنتناوله في هذا التحليل لواقع اليمن وقضية (الحراك الجنوبي)، خاصة في ظل واقع أكدته المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن، وتصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين والاتحاد الأوروبي، وجميعهم أدلوا بتصريحات أكدوا من خلالها على وحدة الأرض اليمنية والشعب اليمني، وفي قرار مجلس الأمن رقم 2014 لعام 2011، جاء بالنص (التزامه القوي بوحدة وسيادة واستقلال اليمن)، وهذه الفقرة تحديدا تتعارض مع أحد أطراف (الحراك الجنوبي) القوية، الذي يتزعمه علي سالم البيض الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني (1986 - 1990) ونائب الرئيس في دولة الوحدة (1990 - 1994)، وقبل أن ندخل في التفاصيل الدقيقة لكل المواقف الجنوبية، لا بد أولا من قراءة دقيقة لما ورد في المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة، وقرار مجلس الأمن رقم 2014 لعام 2011، حول قضية (الحراك الجنوبي) والمؤتمر الوطني الذي ستشارك فيه أطراف خليجية وعربية ودولية، للإشراف على الحوار وتقريب وجهات النظر.[c1]المبادرة ومجلس الأمن[/c]جاءت المبادرة الخليجية لنزع فتيل الأزمة المتفجرة بين أطراف عدة، وظلت المباحثات وقتا طويلا حتى استقر الأمر على توقيعها بين كافة الأطراف المتنازعة، وخاصة قطبي الصراع المؤتمر الشعبي العام وحلفاءه واللقاء المشترك وشركاءه، في العاصمة السعودية الرياض يوم 23 نوفمبر 2011 وتضمنت هذه الاتفاقية الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، أما ما يخص القضية الجنوبية فلم تأت المبادرة بعناوين واضحة تلبي تطلعات (الجنوبيين) في حل قضيتهم حلا جذريا، وإنما ما جاء هو إشارات عامة للحوار الوطني، لم يذكر فيها (الحراك الجنوبي) سوى مرتين فقط، المرة الأولى جاءت بهذا النص «مع بداية المرحلة الانتقالية الثانية يدعو الرئيس المنتخب وحكومة الوفاق الوطني، إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل، لكل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي، والحوثيون وسائر الأحزاب، وممثلون عن المجتمع المدني والقطاع النسائي»، والمرة الثانية جاءت بعبارة أدق « يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه»، أما بقية الإشارات فهي وكما قلنا إشارات عامة، مثل إطلاق «مؤتمر الحوار الوطني»، و«عند تشكيل حكومة الوفاق الوطني تتولى وبشكل فعال التواصل مع حركات الشباب في الساحات من مختلف الأطراف»، هذا ما جاء في المبادرة الخليجية، ولذلك نرى أن القادة الجنوبيين والحراك الجنوبي اعتبروا أنفسهم غير معنيين بالمبادرة ولهم في ذلك مبرراتهم، أما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 لعام 2011 حول اليمن، فلم يتضمن بنوداً واضحة تخص القضية الجنوبية، وإنما ما جاء في القرار هو تأييده للوحدة بنص واضح جاء فيه، «وإذ يعيد تأكيد التزامه القوي بوحدة وسيادة واستقلال ووحدة أراضي اليمن»، لكن في الفقرة (5) من قرار مجلس الأمن أيد وبشكل قاطع التجمعات السلمية بنص أوضح «يطالب السلطات اليمنية ضمان تطابق أعمالها مباشرة بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، والسماح للشعب اليمني ممارسة حقوقهم الإنسانية والحريات الأساسية، بما في ذلك حقهم في التجمع السلمي للمطالبة بانصاف مظالمهم وحرية التعبير، بما في ذلك وسائل الإعلام، واتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع حد للهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية من جانب قوات الأمن».هذا ما جاء في المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن، نصوص تخلو من ذكر «القضية الجنوبية» مباشرة، ولو تمعنا في صياغة الكلمات التي تناولت القضية الجنوبية، فسوف نجدها كلمات لا تعطي لهذه القضية حقها من التوضيح والتفصيل، ولا تشير إلى أن هناك حقوقاً لهذا الطرف، وإنما تدعو فقط إلى حوار وطني شامل، يناقش كافة القضايا ومنها قضية (الحراك الجنوبي)، والسؤال هنا، هل هناك تجاوب من قبل بعض القيادات الجنوبية سواء الذين هم في الخارج أو الذين يقودون الحراك الجنوبي في الداخل، للقبول بالمشاركة وطرح القضية الجنوبية تحت مظلة المجتمع الدولي، في اعتقادي ان هناك قيادات سوف تشارك، وهي تعد العدة من الآن لحشد جماهيري في الداخل وبين أوساط المغتربين في الخارج، وهناك لقاءات تمت بين قادة جنوبيين و بعض رجال الأعمال والمغتربين في الدول الخليجية، يقودها حاليا المحافظ السابق محمد علي احمد، كما خرج بعض القادة بتصريحات تؤيد مثل هذا الحوار، إذا كان سوف يعيد الاعتبار للقضية الجنوبية، وأمام ذلك نجد ان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني السابق علي سالم البيض يرفض وبشكل قاطع الحوار أو المشاركة في المؤتمر القادم، ويطالب فقط بتحقيق فك الارتباط والاستقلال، وهذا ما سوف نتناوله في المشاريع المطروحة لقضية الجنوب.[c1]المشاريع والأطروحات الجنوبية[/c]هناك مشاريع كثيرة طرحت من قبل قادة جنوبيين سابقيين، أو من قبل رؤساء أحزاب، أو من قبل سلاطين وأمراء سابقين في المحميات والسلطنات السابقة، وابرز هذه المشاريع التي تطرح اليوم بشكل قوي في الساحة الجنوبية، مشروع علي سالم البيض الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي اليمني والشريك الموقع مع علي عبدالله صالح الرئيس السابق للجمهورية اليمنية، على اتفاقية الوحدة التي تم التوقيع عليها في 22 مايو 1990، وللبيض تصريحات كثيرة في هذا الشأن، أكان عبر الصحف اليمنية والعربية، أم من خلال الفضائيات الإخبارية، ولأجل هذا الهدف قام مؤخرا بافتتاح المركز الإقليمي لفضائية (عدن لايف) في بيروت، لدعم مشروع «الانفصال» إعلاميا، ولم يتسن لي مقابلة علي سالم البيض لكي أسأله حول الآلية التي من خلالها يمكن ان يحقق له (فك الارتباط)، وعودة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كدولة قائمة ومعترف بها، في ظل رفض عربي ودولي لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 22 مايو 1990، والمرة الوحيدة التي التقيته فيها كان في عام 1994 ضمن لقائه بالقيادات وكوادر الشباب والرياضة، وكنت حينها مديرا لإدارة الإعلام بوزارة الشباب والرياضة بعدن، ويقول البيض في أكثر من لقاء (أن فك الارتباط واستقلال الجنوب العربي، قرار لا رجعة فيه)، رافضاً أي حوار مع «الشمال» لا يقوم على أساس «استقلال الجنوب»، سواء كان في عهد الرئيس صالح أو من يليه، ويعتبر ان قضية الجنوب قضية تحرر واستقلال، قائلا بهذا الصدد (نحن بصدد وضع خارطة طريق لكل الفئات في الجنوب، ونواصل نضالنا من أجل استقلالنا على أساس مطالب شعبنا في حق تقرير مصيره)،إذن علي سالم البيض يطرح مشروعه في (فك الارتباط) دون توضيح الآلية أو الخطوات التي سوف ينفذ بها هذا المشروع، وفي الوقت نفسه يعتقد كثير من المتابعين والمراقبين لهذا الطرح أن فيه لبساً وعدم وضوح، فالبيض يريد الانفصال بين ما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويعني ذلك الانفصال والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 وهو يوم إقامة الوحدة بين البلدين تحت اسم (الجمهورية اليمنية)، يقابله طرح يطالب فيه بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل استقلال المحافظات الجنوبية من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967، وما كان يسمى (بالجنوب العربي) أو (الاتحاد الفيدرالي) ويقول البيض (نحن قبل الاستقلال عام 1967م كنا نناضل تحت اسم الجنوب العربي، والآن نحن نريد أن نستعيد دولتنا على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي، وبعد ذلك سوف نستفتي شعبنا على تسميته ومستقبله)، إذن من جانب هو يطالب بفك الارتباط وبالاستقلال (تحت نظرية أن ارض الجنوب محتل)، وفي الجانب الآخر يطالب بعودة (الجنوب العربي) وهو الوضع الذي كان عليه الجنوب قبل الاستقلال من بريطانيا في 30 نوفمبر 1967، عندما كان الجنوب مقسما حينها إلى حوالي 23 مشيخة وسلطنة، كل منها له نظامه الخاص، وكان الجنوب مقسماً إلى محميتين شرقية وغربية، وفي عام 1959م عملت بريطانيا على تشكيل «إتحاد إمارات الجنوب العربي» كاتحاد فيدرالي لهذه السلطنات والمشيخات، يرأسها حكام محليون يطلق عليهم السلاطين أو الأمراء أو المشايخ، وفي عام 1962 تم ضم عدن إلى هذا الاتحاد وتحويل اسمه إلى «اتحاد الجنوب العربي»، غير أن عدن انسحبت منه بعد ذلك نظرا لكونها كانت تتمتع بحكم ذاتي، وكان لها رئيس وزراء ووزراء ومجلس تشريعي منتخب من أبناء المدينة، لذلك فأن «فك الارتباط» يعني عودة الوضع إلى ما قبل 22 مايو 1990 ، والمطالبة بعودة «الجنوب العربي» يعني عودة الوضع إلى ما قبل 30 نوفمبر 1967، أي عودة اتحاد الجنوب العربي وعودة السلاطين والمشايخ إلى محمياتهم ومناطقهم القديمة، وما يؤكد هذا الطرح هو ما جاء في مشروع السلطان السابق غالب بن عوض القعيطي آخر سلطان لسلطنة القعيطي التي تمثل جزءاً من حضرموت الكبرى.[c1]دولة حضرموت الجديدة[/c]من ابرز النقاط التي طرحها السلطان القعيطي في مشروعه واعتبرها مخلصة لأبناء الجنوب من ارتباطهم بالوحدة، إقامة دولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة، مؤسسة على المفاهيم الراسخة بأن العدل أساس الملك، وان تكون عاصمتها عدن أو غيرها من المدن الجنوبية المناسبة، (يلاحظ ان مشروع القعيطي يريد عاصمة أخرى لدولته، وربما يسعى إلى تكوين دولة أخرى تقوم على كافة أراضي محافظة حضرموت، أو من السلطنتين السابقتين الكثيري والقعيطي وتضم لها محافظة المهرة وربما شبوة أو أجزاء منها)، وان يكون هناك مجلس أعلى للأعيان من المراجع والرموز الوطنية التاريخية والعلمية من سلاطين وشيوخ واعيان ووزراء وشخصيات دولية سابقة، وتأسيس مجلس خاص مكون من شخصيات قبلية وخبراء لرعاية شئون القبائل ومصالحهم، وتمثيلها أمام السلطات والقطاعات المعنية الأعلى، وتأسيس مجلس من كبار فقهاء البلاد يرأسه مفتي الديار، لمراجعة تشريعات وسياسات الدولة لمطابقتها مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وان يكون لقب رأس الدولة منبثقا من أعماق التاريخ والعرف والتقاليد الإسلامية، أسوة بأنظمة الحكم في الدول المجاورة، ويجب أن يكون هذا «الرأس» الدستوري من أسرة تاريخية عريقة، وعليه أيضا أن يكون ممثلا لأكبر واهم المناطق أو المحافظات في الجنوب العربي من جميع النواحي، مثل حضرموت التي تمثل ثلثي المنطقة، وأكثرها تعدادا من حيث السكان، وأكبرها بكثير كمساهم من حيث موارد الدولة،(واضح من المواصفات المطروحة لرأس الدولة أن يكون واحداً من هؤلاء السلاطين)، وإذا ما قرأنا أبرز ما ورد في هذه النقاط التي جاءت في شكل مشروع السلطان القعيطي، فسوف نجد أن القعيطي يريد دولة مفصلة ومبنية على طريقة ونظام السلطنات السابقة (الكثيري والقعيطي) وهما تشكلان وحدة حضرموت الكبرى، وبرر ذلك بكونها الأكثر مساحة والأكبر عددا وصاحبة النفوذ المالي والتجاري (نسبة كبيرة من رجال الأعمال في السعودية من أصول حضرمية)، إذن هو مشروع حضرموت الكبرى، في دولة الجنوب العربي، وإذا ما عدنا إلى الأمس البعيد فسوف ندرك جيدا أن هذا المشروع هو إحياء لمشروع قديم، لا مجال لتناوله الآن ولكن لا يعني انه مستبعد من قبل بعض الأطراف.[c1]مشروع الفيدرالية والاستفتاء[/c]في المؤتمر الجنوبي الذي عقد في القاهرة بجمهورية مصر العربية في الفترة من 20 - 22 نوفمبر 2011 وهو المؤتمر الذي ضم عددا كبيرا من أبناء المحافظات الجنوبية، جاء في بيانه السياسي انه يؤكد حق شعب الجنوب في تحقيق مصيره، كحق شرعي تكفله كافة المواثيق الدولية وبنود القانون الدولي، ورأى أن خيار صياغة الوحدة في دولة فيدرالية اتحادية بإقليمين جنوبي وشمالي على خط الدولتين الموقعتين على إعلان وحدة 22 مايو 1990، هو المخرج الآمن لحل القضية الجنوبية والمشروط بحق شعب الجنوب في تقرير مصيره بعد فترة انتقالية لا تزيد عن خمس سنوات، وان عدم الاستجابة لهذا الحل يعطي الجنوبيين الحق في اللجوء إلى كافة الخيارات، كما جاء في بيان المؤتمر، على أن جميع أبناء الشعب الجنوبي شركاء في صنع مستقبل وطنهم وأن وحدتهم شرط أساس للانتصار والتقدم والنماء وللأمن وللاستقرار، مهما اختلفت أو مهما تباينت أفكارهم ورؤاهم السياسية، وأكد المؤتمر الالتزام قولاً وفعلاً بمبدأ التصالح والتسامح الذي أقره أبناء الجنوب في لقاءاتهم التاريخية التي شكلت الأساس المتين لانطلاق الحراك الجنوبي الشعبي السلمي، وقبل التعليق على المشروع الخاص بالفيدرالية والذي كما ذكرنا سابقا انه يجري حاليا حشد جماهيري كبير بين أوساط المغتربين في الخارج وأيضا في الداخل، أحب أن أنوه إلى إنني التقيت بالرئيس السابق علي ناصر محمد مرتين في العاصمة المصرية القاهرة، وبداية أشكره خالص الشكر على استقباله لي بحفاوة كبيرة في منزله بالقاهرة، كذلك التقيت حيدر ابوبكر العطاس أول رئيس وزراء في دولة الوحدة ، في لقاء خاص أيضا بمنزله في القاهرة.وحقيقة سعدت جدا لهذين اللقاءين حيث دار نقاش حول قضايا عدة كان أبرزها (مشروع الفيدرالية)، وكانت حصيلة هذه اللقاءات هي الرؤية المتفق عليها من بعض الأطراف الجنوبية، والتي تعتبر حاليا هي الأقوى والأكثر نضوجا وتقبلا من قبل المجتمع الدولي، إذا ما أراد فعلا وجود حل للقضية الجنوبية، بما يصون وشائج الإخاء والتعاون والتكامل، ويضمن انسياب مصالح الشعب شمالا وجنوبا ويعزز أمنه واستقراره، بعيدا عن المصالح الذاتية والسلطوية والنخب السياسية والفئوية والحزبية ، (كما جاء بلسانهما) وتتضمن هذه الرؤية إعادة صياغة الوحدة في دولة اتحادية فيدرالية تحمل اسم الدولة الجديدة من إقليمين شمالي وجنوبي بحدود 21مايو 1990، بدستور جديد يحتوى الضمانات الدستورية اللازمة لمنع إعادة إنتاج الدولة الراهنة، ويكفل تأمين سلامة مستقبل الشعب شمالا وجنوبا وإرساء الأسس الراسخة لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، بما يضمن السيادة للدستور ولقوة القانون في عموم البلاد شمالاً وجنوبا على حد سواء، وبناء مقومات النجاح والشراكة والثقة لفترة لا تزيد عن خمس سنوات، بعدها يتم إجراء استفتاء لشعب الجنوب لتقرير مصيره وتحديد مستقبله بنفسه، لكن الراصد لهذا المشروع والمتعمق في أدبياته يجد ان مبدأ القبول بالفيدرالية على الأسس التي طرحت، تعني أولا الحوار ونيل ما يمكن الحصول عليه، في ظل موقف عربي ودولي تم قراءته بشكل دقيق من قبل بعض الأطراف، والخطوة الثانية في مشروع الفيدرالية بحسب قراءتنا ومتابعتنا له، يعني أولا الاعتراف بالفيدرالية بحسب ما طرح لها من بنود وآليات تنفيذية، والخطوة الثانية بناء واستعادة مقومات الدولة، وإرساء نظام جديد يكون أكثر قربا من دول الجوار، ومتعايشا مع بقية دول العالم، وهذا لن يتأتى بالطريقة التي يطرح فيها مشروع (فك الارتباط والاستقلال) الذي يتبناه علي سالم البيض، بينما ما يطرح من قبل علي ناصر محمد وابوبكر العطاس ومعهم عدد من القادة الجنوبيين أبرزهم المحافظ السابق محمد علي احمد، هو تجميع وتوحيد كافة القوى الجنوبية، وحشد عدد كبير من أبناء المحافظات الجنوبية لتأييد هذا المشروع، وهو ما أكده الرئيس السابق علي ناصر محمد عندما قال ( إن العالم اليوم على معرفة تامة بالقضية الجنوبية إقليميا ودوليا وقد عملنا وعمل غيرنا في سبيل توضيحها وإبرازها كقضية سياسية بامتياز، وحقوقية وإنسانية في المقام التالي، وقضية شرعية أيضاً وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحرب 94م، وأي تجاهل لهذه القضية يندرج في إطار الرغبة في حل عام لليمن.ولكن هذه الرغبة ستصطدم مع إرادة شعب الجنوب في تقرير مصيره إن لم يتحول أي جهد سياسي لحل المشكلة اليمنية إلى جهد عادل ينظر للقضية الجنوبية كما ينبغي لها)، أما رؤيته فقد لخصها بالاتي، ( رؤيتي في حل القضية الجنوبية تأتي من خلال إقرار المؤتمر الجنوبي الأول في القاهرة ، بقيام نظام اتحادي فيدرالي بين إقليمي الشمال والجنوب، ولمدة خمس سنوات على أن يكون بعد ذلك القرار للشعب من خلال استفتاء، وهذه الفترة كافية لو أراد أصحاب القرار تصحيح المسار والعودة إلى كلمة سواء من خلال مؤتمر وطني جامع يتسم بالندية والجدية والمسؤولية)، إذن نحن أمام نظام فيدرالي لخمس سنوات، ثم بعد ذلك يجري استفتاء بحق تقرير المصير، كيف سيكون الوضع بعد ذلك، حقيقة الأمر لا يحتاج إلى اجتهاد فالنموذج السوداني حاضر أمامنا، مع فارق أن دولة الجنوب سوف تبنى على أسس دولة مدنية، وعلى أرضية اقتصادية قوية أركان دعمها رجال الأعمال الجنوبيون.[c1]الحزب الاشتراكي أين؟![/c]في 1978م تأسس الحزب الاشتراكي اليمني، كحزب طليعي وضم تحت لوائه بعض الفصائل اليسارية في جنوب وشمال الوطن، وظل يحكم المحافظات الجنوبية حتى عام 1990، بعدها أصبح حزبا لكل اليمنيين واحد أعضاء اللقاء المشترك مع بعض الأحزاب أبرزها التجمع اليمني للإصلاح، وقد يسأل سائل أين رأي الحزب الاشتراكي اليمني، مع ما يطرح من مشاريع تخص (القضية الجنوبية) وهو الذي دخل شريكا مع المؤتمر الشعبي العام في اقتسام السلطة في 1990، والحقيقة إنني كنت أود سماع رأي محمد غالب احمد رئيس دائرة الاتصال الخارجي بالحزب الاشتراكي اليمني، ولظروف تعذر علي ذلك رغم الاتصال به، ولكني وجدت في كلمة الدكتور عيدروس النقيب وهو قيادي في الحزب الاشتراكي وعضو مجلس النواب ما يعبر عن ذلك، فقد كتب النقيب مقالا في القضية الجنوبية قال فيه (إن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني سيمثل وقفة جادة للتناول المسؤول لمخلفات النظام السابق، ونحن نقول وقفة جادة ليس لأننا نثق ببقايا النظام المشاركة في الحكم والتي ستشارك في المؤتمر، لكن لأن المؤتمر سيكون بإشراف دولي وإقليمي جاد هذه المرة.لقد سمعت الكثير من قادة الحراك يقولون إنهم لن يدخلوا أي حوار إلا حوار الند للند، وإن لم يحددوا بعد موقفهم من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده قريبا، وأقول لهؤلاء الزملاء إن الجميع مدعو إلى إبداء قدر من التواضع، والمسؤولية السياسية، والموقف الرافض للحوار يخدم أو لا يخدم القضية الجنوبية، لكن علينا أن نطرح السؤال التالي: إذا كنا سنقاطع مؤتمرا يشرف عليه المجتمع الدولي والإقليمي من خلال مشاركة ممثلي منظمة الأمم المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فأي مستوى من الفعاليات الدولية تنتظرون؟ وما هي الخدمة التي تقدمها المقاطعة للمواطن الجنوبي وللقضية الجنوبية برمتها؟ ثم ماذا تبقى من الخيارات أمام الحراك لتقديم قضيته للعالم إذا ما استنكف عن المشاركة في هذه الفعالية الدولية)، والنقيب هنا هو لا يخاطب أبناء المحافظات الجنوبية وهي التي تسير المسيرات وتنشئ المعتصمات، وإنما يخاطب بعض القادة الجنوبيين الذين يرفضون مبدأ الحوار والمؤتمر الوطني بشكل عام، وبعض الأطراف في الداخل التي تسير على نهج علي سالم البيض نفسه، أما أبناء المحافظات الجنوبية فهم لا يستشارون فيما يطرح من مشاريع، وفي اعتقادي أنهم لم يقولوا بعد كلمتهم الفاصلة، فالانقسامات موجودة بينهم، مثل ما هي موجودة في قادة الحراك الجنوبي في الداخل، ولكن الكلمة الحاسمة هي التي سوف تنطلق من «عدن» التاريخ والحضارة والعنوان الأكبر للحركة الثورية في اليمن وليس من أماكن أخرى.