لم أر أو أسمع عن تجلي الديمقراطية الحقة في بلادنا وظهورها بصورة جلية وواضحة وملموسة ومعاشة إلا في فترة الأزمة التي مرت بها البلاد خلال العام المنصرم وخلال الفترة الانتقالية الحالية أو الراهنة، لكن أحدهم سيفاجئك ويخالفك الرأي حين يرجع تجلي هذه الديمقراطية إلى حالة الانفلات الأمني والفوضى العارمة هنا وهناك والحرية الزائدة الناتجة عن غياب هيبة الدولة وعدم إعمال النظام والقانون والضوابط التي تحد من حرية هذه الفوضى الخلاقة التي جاءت متزامنة مع ما يسمى بتسونامي الربيع العربي ويمكن الرد على تساؤل ذلك المعترض بالقول إنه إذا لم تتبن الجمهورية اليمنية النهج الديمقراطي والتعددية الحزبية وحرية الرأي والرأي الآخر والتبادل السلمي للسلطة لما تجرأ أحدهم على التعبير عن رأيه في صحيفة أوفي قناة فضائية أو موقع الكتروني دون تشويش من نظام شمولي أو حجر على تعبير رجل دين أو خطيب مسجد أو ساحة اعتصام عن كل ما يجيش في صدره متحدثاً باسم الإسلام أو نيابة عن الله وعن الرسول في أمور السياسة والدنيا وشؤون الناس الاجتماعية والمدنية أو منع أحدهم من الخروج في مظاهرة أو مسيرة سلمية.فقد لاحظنا كيف عبرت الأحزاب والمنظمات الجماهيرية عن رأيها المخالف للنظام بحرية في وقت الأزمة وأثناء الفترة الانتقالية الحالية ولاحظنا كيف عبرت فصائل الحراك وأصحاب القضية الجنوبية عن آرائهم حين خرجوا جميعاً في مظاهرات ومسيرات سلمية رافعين شعاراتهم ورموزهم ومنشوراتهم وإعلامهم والصحف الداعمة لهم دون أن يعترض عليهم النظام أو يستخدم معهم ما تستخدمه الأنظمة القمـعية الديكتاتورية من بطش وتنكيل واضطهاد وتصفية وسجون ومعتقلات وهذا لا يعني أن النظام لم يرتكب أخطاء أو سلبيات أو لم يستخدم العنف والقوة والبطش بل والقتل فقد حدث ما لا تحمد عقباه من سقوط العديد من الشهداء وآلاف الجرحى والنازحين والسجناء، وأنا هنا لا أدافع عن أي نظام ولا يعنيني هذا الأمر أو ذاك بل أقارن بين أنظمة شمولية قمعية وديكتاتورية ومستبدة وبين نظام عندنا يمارس ديمقراطية ناشئة بل يمكن وصفها بالهشة. القوى السياسية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المختلفة حتى هذه اللحظة تتدرب أو تتمرن على هذه الديمقراطية التمهيدية في مدرسة الديمقراطية الابتدائية ولم تنجح بعد أو تتخرج من هذه المدرسة ومع ذلك نشكر الله على هذه التجربة ونتمنى أن يقوى عودها وتشب عن الطوق حتى تصبح ديمقراطية حقيقة فقد رأى العالم كيف أن اليمنيين استعملوا الحكمة اليمانية التي وصفهم بها سيد الأنبياء والمرسلين حين نزلوا إلى ساحات الاعتصامات والاحتجاجات السلمية وتركوا في منازلهم ستين مليون قطعة سلاح وهذا يدل دلالة جلية على إيمانهم العميق بثورة التغيير السلمي الحضاري بالإضافة إلى ذلك أن ما شاهدناه خلال احتفالية التبادل السلمي للسلطة يشير ضمنياً إلى هذه السلمية وتجسيداً لتجلي وتمظهر هذه العملية الديمقراطية التي لمسناها في الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال الفترة الانتقالية الراهنة، نتمنى أن يستمر هذا التدريب وهذا التمرين على الدرس التمهيدي للديمقراطية في بلدنا وأن يستمر زخمه وأن نتخلص من الضغائن والأحقاد وعقد الماضي وأن ننظر إلى المستقبل بعقلية التغيير السلمي إلى الأفضل وعدم التخندق وراء أفكارنا القديمة والمعتقة والحنين إلى تجريب المجرب لأننا جيل الألفية الثالثة وأن نعطي فرصة للنظام الجديد القابض بزمام الأمور في المرحلة الانتقالية الراهنة وندعه يعمل ونراقب ما سيحققه في الأيام القادمة قبل أن نحكم عليه مسبقاً بمعايير أحكامنا القديمة والجاهزة ولنعلم بأن لكل عصر رجاله وظروفه ومشاكله وقضاياه ومعايير تقويمه وتقييمه الخاصة به لا بغيرها. ولنجعل الحوار السلمي الحضاري والإنساني هو الأسلوب الأمثل لانتزاع الحقوق والمطالب المشروعة والحرية والعدالة لا عن طريق الإرهاب والعنف وعدم الاعتراف بالآخر وأن نتجنب لغة الممانعة والتحجر ووضع العراقيل والمطالب المثالية المستحيلة التي تعقد الأمور ولا تحلها ولا تقدم أو تؤخر وأن نبتعد عن لغة التعالي والتغاضي عن الآخر الذي نريد انتزاع الحقوق منه فهذا لا يخدم قضية أو يكسب تعاطف المجتمع الإقليمي والدولي تجاه أصحاب قضية يرفضون الحوار ومراوحين في أماكنهم داخل قوقعة أفكارهم القديمة ومصالحهم الضيقة وهم يعلمون بأن عجلة التطور لا ترجع إلى الوراء فها هو جنوب السودان يتحارب مع شماله بعد استقلاله من أجل الصراع على النفط والثروة والحليم من اتعظ بغيره واستفاد من سلبيات وأخطاء الآخرين.
|
آراء
متى تجلت الديمقراطية في بلادنا..؟!
أخبار متعلقة