الفترة الانتقالية للحكومة والخلف الرئيس المنتخب، فترة زمنية قصيرة تاريخية فارقة صعبة المراس.غاصة بالمهام والتحديات العاجلة والآجلة ، مفعمة بالرهانات والتوقعات المتضاربة. يواجه الاثنان منظومة معضلات وتحديات مزمنة عصيبة موروثة يرقى بعضها حد الأزمة .ولتجاوز تلك التحديات وقهرها يستوجب التزود بدليل معالم رؤية إستراتيجية نفاذة البصيرة تجمع وتحيط وتصنف محاورها وأهدافها تصنيفا مرحليا مزمنا . مدعومة بإرادة وطنية صلبة ، وتصميم وجلد وصبرجميل. وان يقوم تنفيذ برنامج الفترة الانتقالية على أصول ومبادئ وآليات علم الإدارة والتنظيم .وبناء على تلك التحديات العويصة نؤكد أن المرحلة لا تقبل سلوك وفكر وعمل الرتابة والتقليد والخفة، والاسترخاء والتواكل والمماحكات العقيمة ، وحرب طواحين الهواء . بل هي مرحلة تاريخية ذهبية استثنائية فارقة في حياة اليمن ، ترسم وتحدد له ملامح وانساق اتجاهات المستقبل ، وتعيد إليه بعضا من روحه الوطنية الحرة الهائمة. وذلك أمر يتطلب توفير استعداد واستنفار قيادة تعمل وفق غرفة عمليات ميدانية حقيقية على كافة أصعدة أجهزة ( الدولة الهجين ) تكفل درجة عالية من كفاءة القيادة القادرة على الحسم والقطع والصرامة ، علاوة على الابتكار والإبداع والإبهار والخلق. والعمل على استعادة وترقية روح المسؤولية والانضباط المفقودين المهملين زمنا وان تتمتع القيادة والإدارة بضوامن منظومة انساق وخيارات تكفل حالة الاتساق والتنسيق والتوافق التنظيمية ، محكومة بنظم معلوماتية مؤسسية، تسيطرعلى مجرى خيارات ومسارات انساق العمل والتنفيذ ، وتتحكم في مسار نشاطه وحركته ونتائجه المرسومة وتضبط رتم إيقاعه العام . يقتضي ذلك بالطبع وبالضرورة ومن منطلق وجهة نظر مؤسسية قانونية ناظمة ، توافر كفاءة نوعية متخصصة في جهازي الرئاسة والحكومة، بحيث تضطلع دوائرهما المتخصصة النوعية بعمليات الإشراف والتوجيه والمتابعة والرقابة على مؤسسات التنفيذ، وضبط مسار نشاطها ومساعدتها على تجاوز الصعوبات.. وان يجري ذلك التناظر والحوار تحت بصر ورقابة الرئيسين وفقا لآلية مكتوبة محددة مشهودة مسبقا.تمثل تلك التحديات المتصلة المتشابكة المعقدة في منظومة جملة المعضلات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي يأخذ بعضها برقاب بعض. وهنا ننحاز إلى اختيار مؤشرات من المشهد الاقتصادي المنهار ، الذي يشير إلى اقتصاد متراجع منكمش بنسبة 30-28 % عن عهده عام 2010.. وعجز للخزينة الفارغة بلغ نحو 10 % من حجمها ، ونحو 3 % من الناتج المحلي الإجمالي.. والى احتياطي نقدي يتآكل وينقبض إذ هبط إلى نحو 4.3 مليار دولار . فضلا عن اضطراب معظم الموازين الاقتصادية الكلية الداخلية منها والخارجية . وكذا تهاوي حجم الضرائب المحصلة بنسبة 60 % . فضلا عن ارتفاع حجم دين الدولة الخارجي إلى 6 مليارات دولار مقابل دين محلي يفيض عن تريليونين و400 مليار ريال. وسقوط الريال مذلا مرذولا يتسكع بين هامات العملات الأجنبية الفذة العملاقة . وبات التضخم عاصفة عاتية تجلد الاقتصاد وتنهك قواه وتذيق المواطن من أمره عسرا ورهقا . تضخم يبدد كل فرص التنمية ويغذي رصيد البطالة ويعمق الفقر والبؤس ويطرد الاستثمار. ويعني ذلك الوضع العام المزري المؤلم أن الاقتصاد الذي يفترض أن يعبر عن قوة الدولة ويمثل رمزها وهيبتها ، ويعد مصدر حياة أبنائها ، الذي يقرر تقدمها أو تأخرها ، غناها أو فقرها ، قد فقد حيويته وطاقته الهشة أصلا ، وسقط سقوطا مدويا . والشاهد بلوغ معدل الفقر نسبة 80 % من السكان . و50 % منهم يتضورون جوعا ، يتوسلون ويتسولون إحسانا وصدقة وفضلا وذلا من خزينة ( الدولة الفارغة ؟ ) ومن الخارج والهجرة . وصعد معدلا البطالة والتضخم إلى 60 % وإلى 40 % على التوالي . انهارت الصناعة بنسبة 70 % وفقد نحو 40 % من العاملين وظائفهم ، هذا إلى جانب تدمير البنية التحتية ، وفقدان مناخ الاستثمار لمقوماته وحوافزه ومنطقاته. ولن يتم التغلب على جملة تلك التحديات العصيبة إلا بصياغة تنظيم وهندسة تلك المعضلات ضمن إطار مؤسسي قانوني، يقوم على برنامجين زمنيين متفاضلين متوازين مشتقين أصلا من برنامجي مهمات المبادرة الخليجية، وبرنامج الحكومة العام ، فضلا عن برنامج الرئيس الانتخابي وما يتولد من إضافات وإبداعات ملحة . وذلك بشرط تفريغهما في مصفوفة هندسية اقتصادية مالية إدارية ، تستوعب مهمات وأهداف ومشروعات المرحلة الانتقالية على نحو مصنف مقسم موزع ومحدد فيه جهات التنفيذ والتمويل في إطار زمني محسوب . وهذا يعني أن يستقر احد البرنامجين ( الرقابي ) لدى الرئيس الفاضل ، ومن خلال دوائر الرئاسة المختصة يراقب سير عمل الحكومة الانتقالية، ومدى تنفيذها لبرنامج عملها ويجعله قادرا على الإشراف والتوجيه والتدخل والحكم ، ومن ثم تصويب مسار التنفيذ في الوقت المناسب . والثاني ( التنفيذي) يستقر لدى قيادة الحكومة ، ويعمل بنفس الإلية آنفة الذكر. اما تفصيل البرنامج العام للحكومة فيتصل بجهات التنفيذ المباشرة من وزارات ومؤسسات وأجهزة .غير أني أرى أن فقه التخطيط ، وحساب الأوليات ، إلى جانب فقه قهر الضرورة يقتضي البدء عاجلا بضبط دواعي حاجة الأمن والاستقرار أولا ، ثم ثانيا تنتصب معضلة تحسين حياة الناس المعيشية العاجلة . هاتان قضيتان لا تقبلان المساومة أو التأجيل والتسويف ولا المماحكة السياسية العقيمة .
أخبار متعلقة