في بلادنا لا يوجد مسرح أصلا، وان وجدت بعض الأعمال المسرحية فهي جهود لأفراد يحاربون لإبقاء المسرح حيا وخصوصا في الجنوب، لكننا نعيش حالة الـ (ون مان شو) في الواقع بصورة تضاهي أي عمل مسرحي وتتفوق عليه.قد لا يفقه احدهم شيئا في مجال من المجالات لكن بمجرد صدور قرار تعيينه رئيسا لهذا المجال يصبح، بين عشية وضحاها، فقيها مفتيا في ذلكم المجال ويتحول المتخصصون العاملون في المجال إلى مجرد ظل لسعادته يتغنون بعبقريته، وما يؤكد قولي هذا هو أننا لا نلمس إبداعا بتغير الوجوه.لا يقتصر الأمر على إصدار فتاوى للعاملين في المرفق بل يتجاوز ذلك إلى التنظير على صفحات الجرائد وشاشات التلفزة التي تطبل لهذا الجهبذ الذي أصبح عبقري زمانه لدرجة أن هؤلاء الجهابذة (يهرفون) في الصحف والتلفزة ويتواجدون فيها أكثر مما يتواجدون في مرافقهم ويبدعون في اختيار المفردات أكثر مما يبدعون في أعمالهم.كانت جدتي، رحمة الله عليها، تردد مثلا شائعا عندما ترى أن مقدمات الأشياء لا توحي بتفاؤل فتقول (ليلة النور تبدأ من عشية) ولو كانت بيننا حتى اليوم لقالت هذا المثل على حكومة الوفاق.اجزم أن المكان الحكومي الوحيد الذي يعمل فيه الناس أكثر مما (يهرفون) هو مجال النظافة، فهؤلاء يعملون ليل نهار على تنظيف الوساخات الناتجة عن ولائم ومقايل التنظير لدرجة أنهم الفئة الحكومية الوحيدة التي تقدم عملا يلمسه الناس دون أن تطلب رشا أو أتاوات ومع ذلك ينظر البعض لهم بتعال أجوف في الوقت الذي يستحقون منا تعظيم سلام ولا يستحق ذلك المتعالي حتى كلمة احترام. معالي وزير المالية (المعارض سابقا) رفض مقابلة ممثلي محافظة ونقابات عدن الذين شدوا الرحال إلى صنعاء لمعالجة مشكلة تثبيت عمال النظافة، وبعد ملاحقات تمكنوا من مقابلته، وقوفا، بعد ساعات انتظار أمام منزله وعادوا بخفي حنين فقد أفتاهم (واقفا) بأن عليهم أن يوردوا رسوم نظافة عدن، التي تحصل من مواطني عدن لتنظيف وتجميل شوارعهم، إلى صنعاء!، نترحم على أيام الوزير علوي السلامي الذي لا تحتاج إلى ملاحقته كأنك متسول فيكفي أن تترك معاملتك لتجد الرد عليها في اليوم التالي. اجزم أننا لو سألنا مواطنا عن الأهم بالنسبة له، الوزير (أي وزير) أو عامل النظافة لأجابنا بدون تردد أن عامل النظافة أهم، ولو سألناه عن رضاه في دفع الضرائب والرسوم لقال انه راضٍ عن دفع رسوم النظافة فقط لأنه يلمس مردودها في شارعه ومدينته، نظافة وتجميلاً، ولا يلمس مردودا لباقي الرسوم والضرائب فلا حماية لأمنه إلا نفسه، ولا تعليم مناسب لأولاده ولا خدمات مجانية تقدم له.كنا نأمل خيرا في حكومة نصفها من المعارضة، التي دخلت بيت الطاعة، وكانت قبل ذلك تملأ الدنيا جعجعة دفاعا عن حقوق الناس وانتقادا للفساد والمركزية الشديدة، كنا ننتظر أن تبتكر أساليب إدارة مختلفة تيسر مصالح الناس وتقلب روتين (اطلع صنعاء)، لكننا لم نلمس شيئا ويبدو أننا لن نلمس شيئا في المدى المنظور فأسلوب الإدارة بنظام العارض الواحد (ون مان شو) يبدو أن له مذاقاً ساحراً يصعب التحرر منه.واقع الحال أننا بحاجة إلى ثورات تغير الأذهان والمفاهيم لا ثورة تغير الوجوه فقط.
أخبار متعلقة