نجلاء فتحي
كتب /عاد نعمانفي مشهد دموي، صرخت، بكت بمرارة، أفرغت غضبها، انتقمت، قتلت فوزية زوجها إبراهيم، كانت تضرب رأسه بمأسورة حديدية، فاجأته عند خروجه مستلقياً على ظهره من تحت السيارة، التي كان يتفقدها في ورشة ميكانيكا يملكها عمه لزوجته الثانية، بعدما شده منظر ساقي امرأة مرت بجوار السيارة. هجر إبراهيم زوجته فوزية ورحل من البلد (القرية)، متجهاً إلى مدينة القاهرة، هناك حيث تزوج مرة أخرى، قلقت فوزية بسبب عدم وصول رسالة من إبراهيم تطمئنها أنه بخير، فسافرت حاملة بين ذراعيها ابنتهما التي لم تكمل العامين للبحث عنه، توصلت إليه بعد بحث طويل تخلله الوقوع بالمشاكل، انتهى بها في قسم الشرطة، أنكر إبراهيم معرفته بها، وادعى لضابط المباحث أنها مجنونة، مستغلا عدم ملكيتها لما يثبت شخصيتها بسبب أميتها وجهلها بالأوراق الرسمية، فقد أخفى بطريقة وبأخرى عقد زواجهما وشهادة ميلاد طفلتهما، انهارت فوزية وأصيبت بالاكتئاب، أدخلوها مستشفى الأمراض العقلية، وخصوصاً بعد علمها باستئجاره لزوجين يدعيان بأوراق مزيفة أبوتهما لطفلتهما. استطاعت الممثلة المصرية/ نجلاء فتحي بتقديمها دور المرأة الريفية البسيطة في فيلم (لعدم كفاية الأدلة) إثارة عطف وشفقة المشاهد تجاه الزوجة المظلومة، كان أداء نجلاء التمثيلي عنصراً فعالاً في نجاح الفيلم وفي المشهد الأخير من فيلم(غداً سأنتقم)، الذي خاضت فيه نجلاء تجربة الكتابة لأول مرة، أشاد بها النقاد السينمائيون، تزور حنان زوجها مدحت في السجن، فقد سعت جاهدة لتراه مسجوناً كما كانت، لتقول له في آخر لقاء يجمعهما - متذكرة حياتهما الزوجية البسيطة وكل ما عاشته وقاسته في فترة سجنها ظلما بسببه، وكل ما فعلته من أجله لبناء مستقبله - حين طلب منها أن تنسى الذي مضى وأن تنتظر خروجه:- أنسى اللي فات؟!، ياااااه.. دا أنته ما قدرتش تستناني سنتين!، عايزني أستناك 15 سنة؟، أنا جيت هنا عشان أشوفك في مكانك الطبيعي، في مكان يستهلو إنسان زيك، طبعا عرفت دي الوقت مين اللي جابك هنا؟، ومين اللي كان بيبعتلك الورد؟ قدمت نجلاء المرأة بكافة طبقاتها وحالاتها الاجتماعية الحبيبة، الزوجة، العشيقة، الأم، الأخت والابنة من خلال أدوارها في أفلامها التي ناقشت قضايا المرأة الخاصة والجانب الآخر من مشاكلها، ودافعت عن حقوقها الاجتماعية والمدنية، بعد أن تناولت غالبية الأفلام حياة المرأة بسطحية تصل إلى حد التفاهة والسذاجة. مثل فيلم (عفواً أيها القانون) صرخة قوية في وجه قانون الأحوال الشخصية والمدنية الذي يمتهن المرأة وينتقص من قيمتها، والذي يفرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بقضايا الشرف، يعاني الزوج من عقدة نفسية بسبب عجزه الجنسي، فتساعده زوجته الدكتورة هدى على اجتيازها، وعلاجه على يد طبيب مختص حتى الشفاء، فيخوض الزوج علاقات نسائية متعددة خارج إطار زواجهما، وتفاجأ به في غرفة نومهما مع إحدى صديقات العائلة، عاريين على سريرهما، فتطلق الرصاص عليهما، ويحكم عليها بالسجن 25 عاما، ويبقى قتل الزوج لزوجته في وضع مخل مع غيره قضية شرف، بينما العكس تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.جاء فيلم (امرأة مطلقة) ليحاكي فيلم (أريد حلاً) الذي ساهم كثيراً في ظهور قانون (الشقة من حق الزوجة) - عنوان فيلم آخر - إذا كانت حاضنة، ليدافع عن المرأة وحقها في حالة الطلاق، ناقش الفيلم حيثيات القانون وكشف عن سلبياته، تلعب نجلاء في الفيلم دور سلوى الزوجة الثانية، لرجل يكتشف بعد 18 عاما من الزواج بأن زوجته الأولى التي تعمل بكفاح إلى جانبه في بناء عشهما الزوجي حتى يصل إلى مركز مرموق في المجتمع، لم تعد تناسبه في موقعه الجديد، فيفاجئها بالطلاق، يصادف ظهور سلوى في حياته، تتعرض الزوجة الأولى للطرد من الشقة، إلا أن هناك أملاً يظهر ليعطيها الحق في أن تعيش في نصفها، عندما تكتشف أنها حامل، فتعود لتعيش في نصف الشقة والنصف الآخر للرجل الذي كان في يوم زوجها مع زوجته الثانية، لتعاني الغيرة والعذاب وهي تشاهدهما يقيمان سعادتهما على أنقاض حياتها. اعتمدت نجلاء على تنوع الأفكار التي قدمتها من خلال أدوارها في الأفلام، فالمسألة نسبية وتكمن في كيفية تناول ومعالجة الفكرة المطروحة في الفيلم بموضوعية مطلقة ومناقشة جميع جوانبها، كانت تقيس النجاح عن طريق إلى أي درجة عبرت عن هموم الشارع ومشاكل وقضايا المجتمع؟!، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالمرأة على مستوى جميع الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فقد حرصت منذ بداياتها في عالم الفن على إقحام مشاكل المرأة في الأفلام، فلم يكن هناك فيلم من بطولتها إلا وتحدث عن قضية محورية تعني المرأة. قدمت نجلاء في فيلم (المرايا) شخصية كريمة لتغير الصورة النمطية والمعروفة عن العانس، الشابة التي اغترت بنفسها بعد أن ظلت والدتها تمتدح جمالها، حتى تولدت لديها قناعة مطلقة بجمالها، لتقع في حيرة الاختيار بين الغني والبسيط، وفي الأخير تفشل بالارتباط بأحدهما، لتجد شبح العنوسة يهددها في المرآة وهي تنظر لنفسها، كما قدمت الشابة التي تدفعها ظروف حياتها القاسية للانحراف في فيلمي(سونيا والمجنون) و(أختي) والأخير لعبت فيه دور سوسن، يدعي الشاب المهندس بأن سوسن أخته أمام المجتمع حفاظاً على العادات والتقاليد وعلى خصوصية العلاقة، وفي الحقيقة وقع في غرامها واستأثر بها لنفسه، يكتشف أهل البلد العلاقة بينهما، فيطلقون الشائعات، وتصير حياتهما جحيماً، فيقرر الانتقال إلى مكان آخر، ويطلب منها مرافقته، إلا أنها ترفض وتقرر التوبة عن طريق الخطيئة، يقف ماضيها غير المشرف دون زواجه بها.لعبت نجلاء في بداية ظهورها أدوار البنت الشقية والفتاة الرومانسية والمرأة العاشقة، فكانت منى في فيلم (اذكريني) المرأة المتزوجة التي يقع في حبها الكاتب الكبير، ولكنه متزوج، يتعرض الكاتب لحادث، وتتردد عليه في المستشفى، فيكتشف ذلك زوجها فيطلقها، ويموت الكاتب الكبير، ونجوى في فيلم (لا يا من كنت حبيبي) حين تلجأ لمحام زير نساء من أجل إثبات براءة خطيبها من عمليات بناء مشبوهة لتخرجه من السجن، فتوهم المحامي بأنها أخته، وتبرئ العدالة خطيبها، الذي يكتشف أن المحامي قد وقع في حبها، يبدأ الشك بحقيقة مشاعرها تجاهه، فيتركها تذهب إليه، وأحلام في فيلم (حب لا يرى الشمس) الشابة الفقيرة التي تعول أمها المريضة، يختارها أحد الأثرياء للزواج من ابنه المتزوج من امرأة عاقر، لتنجب له ولداً يرثه على أن يتم الطلاق بعد الإنجاب، لتقوم الزوجة العاقر بتربية المولود، ومع مرور الوقت ينمو الحب بينهما، تلد مولودها ويتمسك بها الابن، فيثور عليه والده، تصر أحلام على الطلاق والاحتفاظ بابنها، وتفاجأ بموته بأحضان الزوجة العاقر، وكاميليا المرأة الحسناء المطلقة في فيلم (أحلام هند وكاميليا) التي تعمل خادمة، تعول شقيقها العاطل وزوجته وأطفاله، تتمرد دائماً على وضعها المشين، وتتمنى أن تقفز إلى حياة أفضل من واقعها. راهنت نجلاء على غرابة الفكرة وجراءة الطرح وجمال الأداء، لتنفرد وتتميز عن بقية الممثلات، ففي فيلم(دمي ودموعي وابتسامتي) لعبت دور ناهد الفتاة باهرة الجمال، التي يتم تزويجها لشاب كستار لعلاقة آثمة مع رجل أعمال كبير، لتضحي بالشاب الذي تبادلت معه الحب بكل صدق وإخلاص، من اجل إنقاذ أسرتها من ضنك العيش، وفي فيلم (الظلال على الجانب الآخر) كانت روز التي عاشت لحظات إنسانية وعلاقة حب مع أحدهم، لتتحول إلى علاقة كاملة فيما بينهما وتظهر علامات الحمل عليها، ينقطع عنها، ويصدها بعيداً عنه، فتواجهه وتقارعه، ويقف الأصدقاء معها ضده، تلد طفلة سرعان ما تموت، وتحاول الانتحار، ودور الأم المسيحية التي تفقد ابنها في انفجار وسط السوق، فيتصور لها أنه توفي بينما كان يتربى في كنف عائلة مسلمة ليعود ويلتقي بها شابا ليستشهد أمامها في فيلم(بطل من الجنوب)، ودور سارة الفتاة اليهودية في فيلم (إسكندرية ليه؟!) التي تعيش قصة حب مع شاب مصري، ودور الفتاة الثرية المدللة في فيلم (أجمل أيام حياتي) التي تتنكر على هيئة شاب، لتهرب من والدها، الذي رفض أن يزوجها من الشاب الذي تحبه، وفي فيلم (اشتباه) كانت نادية في صراع مع القانون أمام المجتمع، لتثبت براءتها في ذلك الفيلم الإباحي الذي ظهرت فيه بأوضاع مخلة، بسببه تطلقت، ودور نجوى في فيلم (أنف وثلاث عيون) التي تعاني من صعوبة بالسير بسبب حالتها النفسية، يقع في غرامها ويتعلق بها طبيبها، وفي فيلم (عاشقة نفسها) كانت دلال الشابة ذات الجمال الأخاذ، تشعر بأطماع الرجل فيها، فتصاب بعقدة نفسية، تتعالج على يد أستاذ علم النفس لتتزوجه.سعت نجلاء لتصعيد دور المرأة ومشاركتها الفعالة بالعطاء والإنتاج في الحياة، مثلها مثل الرجل وفي حالات كثيرة تتجاوزه فتسبقه، لتظهر أكثر تميزا منه في عدة مجالات، ففي فيلم (الشريدة) تتضارب ثقافتي كل من ليلى المحامية الناجحة، وزوجها المقاول الثري، حيث أنها متعلمة وهو أمي، على الرغم أنها من أسرة فقيرة، فهي تشعر أن وضعها الثقافي يجعلها تتعالى عليه، تضيق عليها حياتها معه، فتنصرف عنه، بعد أن فشلت في أن ترفع من قيمته في المجتمع، وفي فيلم(احذروا هذه المرأة) تتحدى الدكتورة نادرة زملاءها الأطباء، الذين يدعون كذبا اكتشافهم مصلاً لعلاج السرطان، فيسعون لإطباق الحلقة عليها لتدميرها، فتتهم بالقتل الملفق وتشوه سمعتها بعلاقات غير شرعية، تنهار الدكتورة بتشخيصها أنها مصابة بالانفصام، فتدخل مستشفى الأمراض العقلية، ولكنها لا تستسلم، وتسعى لإثبات براءتها، وفي فيلم (المرأة الحديدية) تقوم ماجدة مدربة الكاراتيه بتنفيذ خطتها للانتقام من شخصيات كبيرة في عالم الأعمال والاستثمار كانت وراء قتل زوجها في أول يوم لهما في شهر العسل، وفي آخر عملية قتل تسقط المرأة الحديدية في أيدي الشرطة، لاعتراف الأخير للشرطة باشتراكه في عملية قتل زوجها، الذي كان شريكًا لهم في تزوير الدولارات وعمليات الانحراف.تجذرت نجلاء في المجتمع أكثر في فيلم (الجراج)، لتدخل عالم المهمشين وتنقل للمشاهد حياتهم ومعاناتهم وتعاطي المجتمع معهم، قدمت دور المرأة المصابة بمرض خبيث يهدد حياتها بالموت القريب، لها سبعة أطفال ومسئولة عن جراج عمارة شاهقة، تعيش فيه مع عائلتها وتقوم بمعاونة أبنائها وذلك الرجل الأخرس الذي يحبها بإدارته من غسل للسيارات وحراستها، تزداد معاناتها بهروب زوجها العاطل عن العمل والمنحرف خلقيا والمتنكر لمسئوليته العائلية أمام زوجته وأطفاله، لتموت في نهاية الفيلم.على الرغم من كل تلك الحالات التي مرت بها نجلاء في حياتها الاجتماعية الحقيقية، من انفصال والديها، وهي ما تزال صغيرة وانتقالها للعيش مع أمها وأخوتها، وزواجها الأول سراً في سن مبكرة، دون علم أهلها، وطلاقها الذي جاء سريعا بعد عام من الارتباط، وزواجها الثاني، الذي أنجبت منه ابنتها الوحيدة، وطلاقها نتيجة خلافات زوجية عادية تحصل بين أي زوجين، وصولًا إلى زواجها الأخير المستمر وإدارتها لجمعية ترعى الأيتام ومجهولي النسب، لم تثن نجلاء عن أن تصير قيمة فنية وإنسانية عظيمة، ربما كل تلك الظروف كانت حافزاً لها لتكون النجمة الجميلة والإنسانة الرقيقة وسيدة المجتمع المثقفة، لتضع علامة في عالم السينما لا يمكن تجاهلها ومن الصعب نسيانها، تأثر بها جيل عاش على الرومانسية، فكر في الحب، أعطى وضحى للمجتمع، تحدى الصعاب وتغلب عليها، لتبقى راسخة في فكر وقلوب أجيال تلقى منها قيماً فنية ورسائل مجتمعية عديدة، وسوف تظل في عيون كل من أعجب بها وبما قدمته تلك المرأة الحديدية التي لا تقهر.بالتمثيل.. واجهت نجلاء جمود وقسوة القانون وتحامل الواقع الاجتماعي المتخلف، تبنت أفكاراً جريئة لمناصرة المرأة، والدفاع عن حقوقها وحرياتها، كثيرة هي الحالات الإنسانية والقصص الجديدة والغريبة التي تتعلق بالمرأة، تناولتها نجلاء في أدوارها بأدائها التمثيلي القوي والمتمكن، فيما يخدم ما جاء من أجله لإيصال الرسائل، وبلغة قوية وواضحة إلى جميع الجهات المعنية من صناع القرار أو المجتمع وحتى المرأة نفسها، سواء كانت مأخوذة من على صفحات الحوادث في الصحافة، أو قصص حقيقية حدثت في الواقع، فقد نجحت بالتعبير عن قضايا ومشاكل المرأة، وسلحتها بذرائع قانونية وحجج شرعية لتواجه كل من يحاول أن يمتهن أو ينتقص من كرامتها، لتحتفظ بحقوقها المكفولة وتتمتع بحرياتها الكاملة أمام نفسها والمجتمع والقانون.