سطور
د. أسمهان عقلان العلس سألت مذيعة برنامج( ربات البيوت) الذي كانت تقدمه إذاعة عدن في ستينيات القرن العشرين المؤرخ العدني حمزة علي لقمان في مقابلة إذاعية نشرتها صحيفة القلم العدني عن معنى عدن ، فقال لها :( هو الوطن ، السكن والاستقرار . وسميت كذلك لأن الأوائل وجدوا بها مسكنا موطنا لهم، لاحظوا أنه أسبق الوطن على غيره من المفردات ).وقال هذا المؤرخ الجليل إن في دلالات هذا الاسم الكثير، فلا يستقر الإنسان إلا حيث يوفر له الأمن والأمان وسبل التوطن والاستقرار. وبهذا المضمون تكون عدن مدينة عالمية متفردة في العلاقة بين الاسم والمعنى ، إلا إذا كنت ملاغية في ذلك ، أفيدوني بغيرها أو مثيلها من مدن العالم .كما واصل حديثه عبر إذاعة عدن قائلا: ( إن عدن مدينة قديمة قدم التاريخ على وجه الأرض ورد ذكرها في التوراة والإنجيل . ويرى بعض المفسرين إشارة لها في القرآن الكريم ( بئر معطلة وقصر مشيد) - مشيراً في معرض حديثه إلى بئر الرس الواقعة في جبل صيرة ).ولعل هذه المؤكدات تكون قاطعة لمن يروج لعدن مدينة حديثة لا تاريخ لها وأن البشر موفودون من خارجها ، على الرغم من أن أساس التوطن في أية بقعة وجود بشر سبقوا في العيش فيها لتصبح عامرة لغيرهم .أجد في هذه السطور ما يكفيني للقول الواثق أن قدم هذه المدينة مؤشر تاريخي الأقدمية الاستيطان والاستقرار اللذين يترجمان على شكل موروث تاريخي حضاري مازالت شواهده ماثلة إلى اليوم.إلاّ أنه من المؤسف ، ونحن على أعتاب مفترق تاريخي خطير، أن نجد أنفسنا أمام هذه المعطيات التي أصبحت بارزة بشكل عملي في خطابنا اليومي ، وذلك من خلال سلوك القلة الباحثة عن جذور وانتماءات تصلها بالداخل أو الخارج ، فيما تردد ألسنة أخرى مفردات عقيمة مجتهدة في البحث عن جذور سكان عدن ، وأصول كل مواطن فيها ، في محاولة لاهثة للوصول إلى أطروحات هزيلة منافية للحقيقة التاريخية ترجع عدن إلى أنها مدينة بلا هوية ، سكانها وافدون من خارجها ، سواء كان هذا الخارج عالميا أو من خارج حدودها ، حتى أن هذا الأمر أصبح حديث كل الأوساط الاجتماعية ، يتعاطى معها البعض بحسم فيما يتجاوب الآخرون معها.وهذه الاجتهادات تنافي تاريخ هذه المدينة وتجافي معطيات طبيعة هذه المدينة فلا يعقل أن تكون عدن، وهي بهذا العمق التاريخي ومعطياتها التاريخية ، ذات طابع عرقي وافد، إذ أن الوافد إليها لن يتخذها وطنا ما لم تتوفر فيها سبل التوطن والأمان، وهكذا تتشكل التجمعات الديموغرافية في كل أنحاء العالم ، ولا يعد عيبا في وجه عدن .وهل نسينا أن الفرس دخلوا مع بادان واستقروا في اليمن وتزاوجوا معه وقطعوا أسس التواصل مع منابعهم. وأن العثمانيين تركوا لنا في أوساطنا عروقا اندمجت في دولاب الحياة السياسية والاجتماعية وما زالوا يحملون أسماء تركية . أم أن القصد مع عدن شيء آخر؟ . ويزداد الأسف عندما يتعاطى البعض مع هذه الأطروحات بايجابية، باحثين عن جذور وأنساب ببلدان أخرى تقطعت بهم معها أواصر الاتصال والانتماء وجاء اليوم الذي يذكرون فيه هذه الجذور. الوطن يا هؤلاء هو حميمية الاتصال ووشائج الآمان وأسس القربى . فقد تقطعت سبل التواصل بمنابعكم، إن كان حقا لهم هذه الجذور ، يوم أفقدتكم هذه المنابع الأمن والأمان ومنحتكم عدن وشائج الاندماج وصلات التواصل والتزاوج ، وجعلت منكم أمناء على خيراتها وأصبح لكم مكان في دولاب الحياة فيها .الفرق في هذه القضية كبير كما هو الفرق بين الهوية والانتماء ، إذ تمنح الهوية وفقا لأسس محددة في كل بلدان العالم ،تقوم على السكن لمدة محددة والعمل وإتقان اللغة وربما التزوج من مواطن ، لكن الإنسان لا يمنح الانتماء من سلطة أعلى ، بل يستشعره ويعيشه ويتفاعل معه ، تماما كم هو الاختلاف في الحقوق بين المساواة والعدالة . فهل يشعر الباحثون عن الأعراق والجذور معنى الانتماء إلى عدن المستقر - الوطن - الحضن الآمن .عدن الانتماء يا هؤلاء هي من جعلت منا جميعا رموزا وأرقاما على وجه التاريخ ، فلا تجتهدوا في إعادة ديموغرافيتها ولا تسهموا مع أعدائها في اللغط بورقة خاسرة ، ولا تشقوا الصف الإنساني لعدن التي عرفها العالم مدينة كونية احتضنت العربي والأجنبي في تعايش فريد ، ولا تقدموا للتاريخ شاهدا يذكي النعرات ويؤسس للشقاق، ولا تغذوا الأجندة المعنية بتاريخ عدن بأوراق خاسرة ستستثمر لاحقا . ولا تحملوا التاريخ ما لا يحتمل.أذكروا عدن كما ظلت دائما على لسان ابنها المحب عبدالله فاضل فارع (يرحمه الله) الذي قال عنها :(مقرئ الغريب وعز من لا عز له )(من عاش فيها لا يريم سواها )[c1] الأمين العام للجمعية اليمنية للتاريخ والآثار - عدن[/c]