غضون
- قرأت في الاخبار أن الحكومة أرسلت وفداً إلى أبين للتفاوض مع تنظيم القاعدة ـ انصار الشريعة حول إخلاء مدن المحافظة وترك إدارتها للسلطات المحلية، وأن المفاوضات لاتزال مستمرة .. وإذا صح هذا فهو أمر عجب، لأن المفاوضات تكون عادة بين طرفين مختلفين ولكنهما يعترفان ببعضهما، فضلاً عن أن الحكومات تفاوض من لديه مطالب مشروعة ويتقبل الخضوع لحكم دستور الدولة وقوانينها ومؤسساتها، أو يتقبل إدارة الاقليم إدارة ذاتية مع الخضوع للدستور والقوانين والمؤسسات الأسمى إذا كان الأمر يتعلق بجماعة عرقية أو أثنية أو قومية متميزة عن قومية الدولة أو اغلبية سكانها.- فكيف وعلام تفاوض الحكومة جماعة ارهابية لا تعترف بحكومة ولا دولة ولا دستور ولا مؤسسة من مؤسساته، ولا هي جماعة عرقية تبحث عن تقرير مصير، ولا هي ممن يعتمد الحوار والتفاوض أسلوباً من اساليب حل الخلاف، ولا هي تؤمن بالتعايش والجنوح للسلم؟ .. هي تفاوض فقط حول فدية مقابل رهينة أو حول تمكينها من تطبيق شريعتها لتحل هي محل الدولة.- كيف ستفاوض الحكومة ولماذا أو علام تفاوض جماعة ارهابية تقوم فلسفتها على تكفير الدولة وقتالها للقضاء عليها، ومشروعها هو إقامة (إمارة) على غرار (إمارة افغانستان الإسلامية) التي اقامتها طالبان وتنظيم القاعدة هناك واصبحت لسنوات نموذجاً لابشع الانظمة وأشدها تخلفاً .. وهي بعد دفنها لا تذكر اليوم إلا ويقترن بذكرها القتل المجاني وتجارة المخدرات واغلاق مدارس التعليم وتحويل ملاعب كرة القدم إلى ميادين للجلد والاعدام، وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، وحظر الفنون والآداب ..وغيرها من القرارات والاحكام التي انزلت إلى الأرض باسم السماء وباسم تطبيق الشريعة الإسلامية التي لا تطبق كاملة في دنيا متقلبة ومتغيرة .. لا تستقر على أرض تهتز وتدور.والقاعدة العامة أن الجماعات الإرهابية لا تفاوض .. إذ لا جدوى من التفاوض معها مادام التفاوض بنظرها هو الذي يفضي إلى تمكينها في الأرض لإفسادها وإهلاك كل ما عليها .. ومن يتصفح صفحات التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر سوف يجد ان الجماعات الإرهابية زالت بالطرق والاساليب نفسها التي استخدمتها لفرض ارادتها، والتي حصلت على بعض التمكين لبعض الوقت قاتلت وتقاتلت ثم انتهى بها الحال إلى المراجعة وازاحة المتطرفين لصالح المعتدلين .. وتنظيم القاعدة لم يقدم تجربة مماثلة حتى الآن.- لا نعترض على الحكومة إذا هي فاوضت هؤلاء على أسس تنطلق منها .. ان يتخلوا عن مشروعهم الخاص بشأن (الإمارة الإسلامية) وتطبيق الشريعة .. ان يسلموا بمبدأ الخضوع للدستور والقانون وحكم مؤسسات الدولة ومبدأ سيادة القانون مثلهم مثل غيرهم .. أن يتخلوا عن العنف نهائياً .. وان يتخلوا عن الارهابيين الأجانب ..وبعد ذلك من حقهم أن يؤطروا انفسهم في جمعية مدنية أو حزب سياسي.وسيكون خيراً كثيراً لو فاوضت الحكومة على هذا الاساس .. وعلى الإرهابيين أن يتذكروا أن عرابيهم شيوخ السلفية هم في سبيلهم اليوم لمراجعة تصوراتهم القديمة مراجعة تفضي إلى الانخراط في الحياة السياسية والتخلي عن التصورات غير القابلة للتطبيق في هذه الدنيا.