يقال إن تشخيص المشكلة يعتبر الجزء الأكبر من الحل، ويمكن القول إن تضخيم جزء من المشكلة قد يؤدي إلى ضياع الحل بأكمله ..لقد حقق الحراك الجنوبي السلمي طوال مسيرته عدداً من الأهداف العظيمة من أهمها ايصال القضية الى مواقع لم تكن تصلها من قبل وفرض وجودها حاضرة لدى القوى المؤثرة في مجرى الأحداث في اليمن سواءً كانت داخلية أم خارجية . ولكنه بالمقابل أيضاً وقع في إخفاقات أبرزها سوء التقدير للمهمات والأولويات .. فعلى سبيل المثال فإن من أهم وأولى الأولويات لحمل قضية الجنوب وحلها هو توحيد الصف الجنوبي واشراك أكبر قدر ممكن من القوى الجنوبية المتنوعة والتوافق على رؤية واضحة ومشتركة يمكن من خلالها ايصال الجنوب وقضيته العادلة الى بر الأمان دون تعريضه لمشاكل ومصاعب قد مل من تكرارها طوال اربعين سنة مضت . مع الأسف رأينا تركيز القوى المسيرة والمؤثرة في الحراك يتركز على قضايا هامشية اذا ما قارناها بالأولويات ونشاهد تهويلاً وتضخيماً لهذه المسائل وكأنها ستكون هي الضربة القاضية لقضية الجنوب.اعذروني لهذا الوضوح الشديد ولكنني مستاء جداً من هذا الطرح الذي يشعرك وأنت تستمع له بالضعف وأنك لاتحمل قضية عميقة ومتجذرة في نفوس أصحابها . فالذي يستمع الى دعاوى مثل أن الثورة الشبابية خطر على قضية الجنوب أو أن انتخابات التوافق على عبدربه منصور رئيساً للبلاد ستضر وتضعف قضية الجنوب ليخيل اليه أن القضية الجنوبية مجرد صندوق يمكن أن يسرقه حفنة من الأشخاص ثم يدفنونه في صحراء ولا نستدل بعد ذلك على مكانه وتضيع قضيتنا وحقوقنا !ياسادة يا كرام .. ارفعوا من شأن الجنوب ولا تحطوا من قدره بمثل هذا الطرح الضعيف والهزيل واعلموا أن قضية شعب الجنوب قضية عظيمة يحملها المفكرون في عقولهم ويضعها السياسيون المخلصون نصب أعينهم ويتغنى بها الشباب كنشيد لطموحهم بل ويرضعها الصبيان مع حليب أمهاتهم، فأنى لمثل هكذا قضية عظيمة أن تطمسها ثورة شبابية ساعية للحق أو تؤثر فيها انتخابات غير ذات جدوى قدر ما هي انتخابات شكلية صورية توافقية ؟الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أيام يجب أن تكون نقطة نظام يعيد فيها الحراك الجنوبي السلمي تعريف نفسه مجدداً وإظهار الصورة السلمية المشرقة التي دشن بها ثورته في 2007 .. إن مشكلة الجنوب العظمى التي تجرع بسببها الغصص طوال الأربعين عاماً المنصرمة تكمن في الانفراد بالرأي وإقصاء المخالف الجنوبي وتخوينه . والحراك الجنوبي جدير بعدالة قضيته وصدق مطالبه أن يكون خير حامل لشعار التلاحم الجنوبي وقبول الرأي المخالف مهما كان غير مقبول ولا يناسب هذا الفصيل أو ذاك . لقد ولى زمن الوصاية والاستبداد ولا يمكن لأحد أن يفرض على أحد أي فكرة أو رأي لايقتنع به، كما أنه لايمكن حرمان شخص من شيء يرى أنه صواب وحق ..إذا توافقنا مثلاً على أن الأصلح في هذا الظرف هو مقاطعة الانتخابات فلتكن طريقتنا في رفضها طريقة حضارية راقية تعيد الاعتبار للحراك ولسلميته وتقدم وجهاً مشرقاً وراقياً لأبناء الجنوب يدل على أصالتهم وتحضرهم .. لتقم حملات إعلامية تدعو الناس للمقاطعة تنظم فيها الندوات والكلمات وتوزع فيها المنشورات ويوجه فيها أبناء الجنوب للتعبير عن رفضهم بالمقاطعة السلمية ..ان السلمية ونبذ العنف لهو خير وسيلة في زمننا هذا وأي وسيلة تخرج عن السلمية وتجنح للعنف وفرض الرأي بالقوة ستكون ذات مدلول سلبي على الحراك وفصائله وبالتالي ستؤثر على سير القضية الجنوبية ومسارها الداخلي والدولي ..لو كان في الانتخابات مصلحة وخير للجنوب فلن نحرمه ولن نعدمه لأنه ولا بد سيكون هناك مصوتون من أبناء الجنوب ولو لم يصوت في هذه الانتخابات الا عدد بسيط في الجنوب ففي النهاية ستنجح هذه الإنتخابات لأن اليمن فيها دائرة واحدة .. أما لو كان في هذه الانتخابات شر وسوء للجنوب فسيكون الحراك قد أدى ما عليه وقام بواجبه والقضية قائمة قائمة لن تمحوها انتخابات ولا غيرها ..أيضاً أود أن أنبه إخواني من اصلاحيي الجنوب بأنهم جزء لايتجزأ من الجنوب وأنه يجب عليهم أن يعيشوا أجواء جنوبهم كما هي يألمون لما يؤلم الناس ويفرحون لما يفرحهم ويعملون لما فيه مصلحة الجنوب وأبناء الجنوب. و أي سياسات قادمة من صنعاء يجب أن تخضع للمراجعة من قبلهم لينظروا ويقدروا ماهي المصلحة وما هي المفسدة وأين يمكن الجمع بين المصلحتين بطريقة توافقية. أرجو ألا يغتر إخوتنا بالحالة المثالية التي يعيشون فيها هذه الأيام من زخم وتواجد طيب ومبهج توجوه بزيارة سلمية للشارع الرئيسي في المعلا فهم قبل أي شيء اتجاه اسلامي اصلاحي يجب ألا يقف متخندقاً في جبهة ما ولا مستغلاً لضعف وتشتت خصم ما . أرجو منهم أيضاً أن يقدروا للأمور قدرها وألا يضخموا مسائل ليس الوضع ولا الحال مناسبين لتضخيمها . وأرجو أن يضعوا مسألة الانتخابات في مكانها وقدرها الصحيح فهذه انتخابات توافقية يراد منها الخروج باليمن من مأزق التشبث بالكرسي والوصول به الى أرضية آمنة. وإذا علمنا بأن الوصول الى هذا الأمر ممكن وسهل بدون تهيئة جماهيرية كبيرة ولا تحريض على المشاركة فالأمر محسوم محسوم بعدن أو بدون عدن فيمكن أن تنجح الانتخابات بطريقة هادئة تراعي مشاعر اخوتكم المقاطعين وتخمد الفتنة وتقطع الطريق على المزايدين الذين سيدفعون الغالي والنفيس لأجل أن يروا عدن بالصورة التي يريدونها هم لا ما نريده نحن أبناء عدن وسكانها وأبناء الجنوب عموماً ..نسأل الله أن يؤلف القلوب ويلطف بالبلاد والعباد ويجنبنا الفتن والشرور ما ظهر منها وما بطن .
|
فكر
رسالة للحراك والإصلاح الجنوبيين
أخبار متعلقة