ببروز رعيل جديد وتوافر مناخ لتعميق الممارسة
كتب / كامل الشيرازي اعتبرت كوكبة من الممثلات والمخرجات والنقاد أن المسرح النسوي في الجزائر، في طريقه لاكتساب عمر ثان مختلف عما انتاب حياته الأولى، تبعاً لمؤشرات عدة ترشح هذا اللون لتحقيق طفرة ستبعث الحركة الأنثوية في بلد شهد تاريخه الحديث عطاءات عشرات الفنانات الخالدات في لوحات حية تحتفظ بها ذاكرة أبي الفنون.ترى الفنانة الجزائرية المخضرمة (سكينة مكيو) المعروفة بـ(صونيا)، أن الحراك الحاصل حالياً في بلادها من شأنه منح جرعة نوعية لتشجيع المسرح النسوي، وتلح صاحبة أكثر من دور لافت في العشريات الثلاث المنقضية، على أن إذكاء حضور المرأة يمر عبر إيقاف هيمنة الرجل أداء وإنتاجاً وإخراجاً.واعتبرت صونيا من موقعها كمحافظة أول مهرجان متخصص في المسرح النسوي، أن فرص ابتعاث هذا المسرح كثيرة عبر تعميق الممارسة، وتنشيط حركة النقد وتصنيع مساحة للتأصيل، مؤكدة حرصها على توسيع رقعة تواجد المرأة داخل الحلقة المسرحية الجزائرية، عبر حث المسارح الجهوية الـ14، على تبني إسهامات نساء الخشبة، وإعطاء بنات حواء فرصتهن للارتفاع بالمنظومة المسرحية المحلية.فيما ترى الأكاديمية (فاطمة بلفوضيل) صوت المرأة في المسرح حافزاً، ليس لثورة تنتهي بتغيير الشعارات، ولكن لتمرد مستمر يغير الإنسان، وذهبت مواطنتها الممثلة (ليندة سلام) إلى حتمية تشريح ما شهدته الجزائر على مدار خمسينيتها الماضية، إذ لا بد من مدارسة رصيد الماضي وما رافق ولادة أولى وصفت بـ(المتعثرة).بمنظور الممثلة الشابة (ريم تكوشت) فإن إنعاش المسرح النسوي مهمة لا ينبغي أن تقتصر على مواطناتها، بل هي مرتبطة أيضاً بخوض مواطنيها في القضايا الموصولة بالجنس الناعم، لاسيما أن نكهة المسرح النسوي تستطيع كسر الرتابة المخيمة على الحركة المحلية.بدورها، ذهبت الأكاديمية (جميلة زقاي) إلى أن المسرح النسوي الحالي يستطيع توفير مقومات الفرجة، بعدما نجحت الجزائريات في حسم جدل قديم بين المثقفين والمتدينين، وتجاوز ظهورها المحتشم في فترات سابقة، وهو معنى يؤيده الناقد (كمال بن ديمراد)، إذ يؤكد نهوض المسرح النسوي فعلياً متجاوزاً إشكالية الموضوع وحواجز المنع.إلى ذلك، يتفق الناقد (عبد الناصر خلاف) مع المتخصص (نبيل حاجي) في كون الجزائر لا تمتلك مسرحاً نسوياً بالمعنى الحقيقي، لأنّ الفن الرابع ظل ولا يزال نسقا ثقافيا ذكورياً بامتياز، خاصة في مجال الصناعة المسرحية، وإمكانية الارتقاء به مقرونة بتأسيس متكامل الجوانب، يضمن نجاح وفاعلية هذا الضرب.حفل المهرجان الوطني الثقافي الأول للإنتاج المسرحي النسوي في مدينة عنابة (650 كلم شرق الجزائر)، اختتم بأسئلة السياسة والأنوثة والضياع الخائب بين أحلام مجتزئة وحقائق مؤلمة، في دورة مهداة إلى روح الفنانة الجزائرية الراحلة كلثوم (1916 - 2010)، وهي أول جزائرية مشت على البساط الأحمر لمهرجان كان.تميزت الأعمال الـ12 التي عرضت تباعاً في الفترة ما بين 25 و31 كانون الثاني/يناير، بإمعان المشاركات في استنطاق الواقع ومشاغبته، وتقاطعت موضوعات (السواد في الأمل )، و(أحلام زمان)، و(سوق الرجال)، و(قف حدود)، و(دموع القمر)، و(وردة) وغيرها في طرح هموم المرأة وهواجسها الحياتية، وما يتصل بها من طلاسم الحيرة والمرارة ومشاكسات العدم.وقدر متابعون أن الموعد أنتج مكاسب بالجملة، إذ سمح باكتشاف جيل جديد متفوق من الممثلات اشتغلن على قوالب درامية متعددة من الميلودراما إلى التراجي - كوميديا مروراً بالمونودراما، كما ساعد على ربط الجيلين القديم والحالي، في انتظار فتح زوايا أكثر عمقًا حول ماهية ومؤدى الفعل الدرامي النسوي، ومقاربة إشكاليات اجتماعية أسرية اقتصادية وسياسية، كالفقر والجوع والحرمان الثقافي والمعيشي، فضلاً عن تعقيدات سيكولوجية عاطفية متداخلة.من جانبه، ثمن عبد الناصر خلاف المتحدث باسم مهرجان عنابة، ما كشفته العروض من وثبة عبر ما بلورته المسرحيات من وعي سياسي، تجاوز هاجس الرجل ومعادلة الحب، بالتطرق إلى رهانات الأوطان ومصائرها المكبلة، وسط ما يشهده العرب منذ نصف قرن.على صعيد التتويجات، نالت ريم تاكوشت الجائزة الأولى لأحسن أداء نسائي، فيما فازت بالجائزة الثانية سعاد سبكي، في حين آلت الجائزة الثالثة إلى سامية سعدي.كما ظفرت فضيلة عسوس بجائزة أحسن إخراج، و(آسيا بولحراف) بجائزة أحسن سينوغرافيا، ونادية قادري بجائزة أحسن أداء نسوي واعد، في حين فاز عبد الرحمن جموعي بجائزة أحسن أداء رجالي، بينما حجبت جوائز أحسن نص وأحسن موسيقى وأحسن عرض متكامل.يشار إلى أن الأديبة د. زينب لعـوج ترأست لجنة التحكيم، التي ضمت الناقدة جميلة مصطفى الزقاي، والممثلين حميد قوري وفضيلة حشماوي، إضافة إلى المخرجين علي عبدون وجمال مرير، والشاعر (يوسف شقرة) رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين ونائب رئيس اتحاد الكتاب العرب.