ما حدث في مدينة «المعلا» بعدن مساء الجمعة، 3 /2 /2012، ينذر بمخافة أن يتحول الاختلاف السياسي إلى صراع مسلح بين أنصار الحراك الجنوبي وأنصار حزب التجمع اليمني للإصلاح، أكبر أحزاب المعارضة اليمنية والذي يشارك حاليا وشركاؤه في اللقاء المشترك بنصف مقاعد حكومة باسندوة التوافقية.العقلاء من الجانبين أجزم أنهم ضد ما حدث، وما حدث مدان ومن المفترض أن يدان بشكل واضح من قبل كافة القوى السياسية ومن قبل الحراك الجنوبي.لا أملك معلومات مستقاة من حقيقة الواقعة التي حصلت. لديّ ولدى كل منا معلومات حصلنا عليها من مصادر غير حيادية تتبادل الاتهامات كالعادة.يمكنني أن أقول: لا يملك أحد الحقَّ في أن يلغي الآخر. من يريد فك الارتباط ومن يريد الفيدرالية المشروطة ومن يريد الوحدة بحكم محلي كامل الصلاحيات ومن ومن، كل هؤلاء يجب أن يتعايشوا جنبا إلى جنب دون نازع إلى استخدام العنف واللجوء إلى الإلغاء والإقصاء والتخوين وما إلى ذلك.يعرف حزب الإصلاح وأنصاره جيدا مدى حساسية الشارع الجنوبي من الوحدة اليمنية، إذن فمن الحكمة (من الواجب) أن يتجنب إتاحة بؤر صراع قادمة خصوصا في الجنوب. الموقف السلبي من الوحدة اليمنية لم يأتِ إلا نتيجة طبيعية للانتهاكات (إلغاء، إقصاء، إبعاد، تهميش، مصادرة .. وإلخ) التي تعرض لها الجنوب والجنوبيون إثر الانقلاب على المشروع الوحدوي السلمي بقوة السلاح في صيف 1994. طالما كان الموقف نتاجاً طبيعياً لذلك، لذا فمن المنتظر أن يحترم حزب الإصلاح حق الجنوبيين في المطالبة بما يريدون. نعرف جيدا أن حزب الإصلاح كان مساهما معاونا حليفًا أساسيا للنظام في اجتياح الجنوب، صيف العام 1994، أكثر من ذلك جند المؤسسة الدينية لتساند النظام لتكفر ، لتقاتل الجنوبيين. اليوم ليس أمام هذا الحزب إلا أن يتخذ قرارات شجاعة ليساهم في الحل لا أن يزيد الطين بلة. الطريق المؤدي إلى تلك القرارات الشجاعة إلى الحل هو القناعة/ الإيمان بامتلاك الجنوبيين الحق في تقرير مصيرهم بأنفسهم، ولا وصاية لأحد عليهم.على عناصر الحراك الجنوبي وأنصاره تجنب الوقوع في شرك السماع لـ (البروباجاندا) التي تسعى لإيقاعهم في صدام مع حزب الإصلاح. عناصر الإصلاح هنا في عدن أو في حضرموت أو لحج أو أبين أو شبوة أو المهرة هم جنوبيون، ولهم الحق في أن يتخذوا الخيار الذي يريدونه. جميعهم أو جزء كبير منهم يرفضون «فك الارتباط» و«الفيدرالية» هذا شأنهم، وهذا حقهم. مصير الجنوب لن يتم تحديده بالقوة والعنف والسلاح. القناعة وحدها والخيار السلمي هما من سينتصران. هذا ليس اتهاما لـ (الحراك) باستخدام القوة (أعرف جيدا أن الطرفين مدججان بالسلاح). يجب أن يؤمن الجميع بالخيار السلمي وبالقناعات. أمامنا انتخابات رئاسية من المنتظر أن تجري في الـ21 من فبراير الجاري، وهي أشبه بالاستفتاء بـ (لا) أو (نعم)، ففيها مرشح واحد فقط هو المشير عبدربه منصور هادي. نتفق أو نختلف بشأن الانتخابات، نصوت فيها أو نقاطعها هذا من حق الجميع، لكن ليس من حق أحد أن يسعى لأن يمنع الناس بقوة السلاح أو بأي قوة أخرى من أن تدلي بأصواتها. إن حدث ذلك فسيمثل ضربة مؤلمة للمشروع السلمي الذي بدأه الحراك الجنوبي منذ العام 2006 أو 2007. كما أنه في المقابل ليس من حق أحد أن يكره الناس، باستخدام أي قوة وأي أسلوب، على المشاركة في الانتخابات المقبلة. مثّلت عدن محرابا لـ ( التعايش ) وقبلةً لـ( التعدد والتجانس والقبول بالآخر). اليوم من واجب الجميع حماية هذا الإرث التاريخي، هذا التميز. اليوم من واجبنا جميعا أن نرجع بعدن إلى ما كانت عليه في ماضيها المشرق. لقد تلقت عدن ضربات في الصميم إبان نظام صالح، الذي لا يزال، استهدفت مدنيتها ومشروعها الحضاري، وهي اليوم بأمس الحاجة إلى مساعدتها لاستعادة مجدها وإعادة إحيائها من جديد مهما تطلب الأمر أي قدر من الجهود أو أي مساحة من الزمن.ما حدث يوم الجمعة يجب أن يوأد تحت جناح التسامح ومعالجة الأخطاء بشكل عاجل وسريع، وعدم السماح لهذه البؤرة بأن تتسع أكثر فأكثر.لـشهدائنا المجد والعزة. ولـوطننا الرفعة والازدهار.السلام الكثير لكم ولكنّ.
|
فكر
قراءة في حادثة المعلا
أخبار متعلقة