لقد صدق العلامة والمفكر الاجتماعي العظيم عبدالرحمن بن خلدون عندما كتب في مقدمته الشهيرة حول سكان المدن المسالمة (الحضر) والأرياف وساكني الجبال من حملة السلاح (البدو) وغالبيتهم ينتمون إلى القبيلة، فهؤلاء يدخلون المدن بسلاحهم وقد يعيشون فيها سنوات طويلة إلا أن عقلية وثقافة القبيلة لا يمكن لها أن تغادر عقولهم أو الدورة الدموية التي تجري في عروقهم. وعندما تندلع الصراعات القبلية داخل المدن فسرعان ما يتداعى سكان الأرياف والزحف إليها وكل فريق يأتي لنجدة قبيلته، وفي حالة هزيمتها يأخذون أسلحتهم على أكتافهم ويعودون إلى جبالهم ومناطقهم. في الوقت الذي تبقى فيه القبيلة المنتصرة هي السائدة، ولكن إلى حين، فتعاد الكرة من جديد وهكذا دواليك. أضاف ابن خلدون إن من السهل أن يقتل القبيلي من يريد داخل المدينة ويعود من حيث أتى بينما العكس بالنسبة للحضري فهو داخل مدينته كالسمكة عندما تخرج من البحر تموت. لقد تمت استباحة مدينة عدن وأهلها على يد القبائل باسم الوطنية والشعارات الحزبية مرات ومرات لا داعي هنا للتطرق إليها أو الحديث عنها نظراً لما أفرزته من مآس وآلام على المدينة وسكانها، واليوم يتكالب الطامعون في عدن وتخريب ودمار عدن من كل حدب وصوب وتحت شعارات وادعاءات جديدة كاذبة لاتختلف عن سابقاتها، وهنا نقول لهؤلاء ارفعوا أيديكم عن عدن وعودوا إلى جبالكم، اتركوا عدن لأهلها فهم كفيلون بحمايتها والدفاع عنها وتطهيرها من كل مظاهر الفوضى والصراعات القبلية التي دائماً ما تجعل من الحروب والفيد والغنائم هدفاً من أهدافها الأساسية، ورغم صعوبة التعامل مع مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر لأسباب عديدة إلا أن كلمة الحق يجب أن تقال لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. إلى هنا تنتهي مقالة الأخ حسن بن حسينون في صحيفة (الأمناء) الصادرة في 2012/2/1م بعنوان ( ارفعوا أيديكم عن عدن).. جعلتها كمقدمة لمقالي هذا.. بل هي كل مقالي.. مع أن كاتب المقالة لم أسعد بلقائه سوى مرة واحدة منذ بضع سنين.. سبق أن قرأت له مقالات ظلت في الذاكرة وفي الوجدان.. كل ما عرفته عنه أنه كان في جيش البادية الحضرمي.. جندياً ومناضلاً .. في مقالته هذه الأخيرة استشهد فيها بواحد بلدياته.. عبدالرحمن بن خلدون الحضرمي الأصل.. مؤسس علم الاجتماع.. وصاحب أهم كتاب في التراث العربي كله (المقدمة).. عاش في القرن الرابع عشر والخامس عشر.. وصف المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي (المقدمة) بقوله: ( إن ابن خلدون وضع فيها فلسفة وقاعدة للتاريخ لانشك في أنها أعظم عمل من نوعه قام به عقل بشري في أي زمان ومكان) ! ذلك كان في وصف مقدمة ابن خلدون.. أما في وصف مقالة بن حسينون فأقول بأنها الصادقة والشجاعة.. ألم يقل في النهاية (ورغم صعوبة التعامل مع مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر لأسباب عديدة إلا أن كلمة الحق يجب أن تقال لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس).. وألم يقل سبحانه ( والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) صدق الله العظيم.[c1]E- m:[email protected] [/c]
حسن بن حسينون .. أحسنت !
أخبار متعلقة