قصة قصيرة
أشك في أن الأيام اليوم مازالت حبلى بمسارات، تنخر بدودها الناغل كل معنى ،تحمل في عطرها نقانق ملوثة ،تتحزم بشلالات الوأد ،ترفس الشهد بخفي النوق ..كم تتعب أنتَ، حين تصوغ ميلاطاً من دمك ،ترمم قِيَماً آيلة للانقراض، تعض في شاربك لتنهض، تحرق الدم والأعصاب، لتشعل نبراس ضوء في الغياهب الممتدة، فتندلع من بين الأقدام ريح صرصر، تحاول إطفاء الشموع دون سابق إنذار ،تدحرج صخرك ثانية لتصل الشط المرسوم .. ومسارات تحول اتجاهك نحو هاوية منبوذة ،تبجل الوعد المشؤوم، وقرارات نفي زخمة،هاجسها ،ركوب الشرفات المحروقة ،ورسم إشراقات بخطو هامد ..الواجهة مدمرة بالسّبق نحو زعامة، تنسج بالفعل الأجوف فَروها من قشور، ومكاييد مشتعلة ،لاعتلاء قمم تتخطى الرقاب نحو الانحدار ..مسارات تتلفع بكمشة حروف، تستهلك نفسها بين فكي آلة المضغ، ترصف معبرا نحو مدارات غامضة ،تفتق القلق عن سرداب في الأكوان مخمور...مسارات تمتح مادتها من خراب متعوس ،تقود نفسها المتعوبة نحو جداريات الترهل ..تجر خلفها سيئات الخيبة، ستبقى مدى الدهر على الجبين موشومة ...حين لاتسعف العثرات، تجد نفسها في الفلاة تتسكع، قابعة في ترعة الانزواء تتنفس الانتظار، أو تتربص لإشعال النار، أو تهمس لنفسها بفقاعات الانتصار، المراودة مكرورة تملي أوراقها على ضفاف الخاطر ..حين العودة إلى سربها ، تجد مكانها الشاغر، ملأته نحلة تنشد في سعفها للصباحات أغنياتِ خضراء، أو تطرز بحمرة الشفق ملاءة المساءات الذميمة... فتحاول الارتكان في المهب حيث تصير قبلة للأعاصير الماردة، أو لهجمة مشاغبة تتغلغل تحت الجلد ،تسرق من جرابها أمتع اللحظات ..والأفق الحزين يمطرها بانفلات نحو مأزق ملعون ، يهوي بها إلى عرش التسفيل.. لما تتعب وتحن للرحيل، تلفي الطريق المؤدي إلى معبد الأولياء، مثكلاً بالندوب والذنوب ،تقف آنذاك ،هشة كمصاص الدماء، بلمسة ضوء تتناثر بقايا قشات،أو رذاذَ غبار تذروه الريح حين تأتي.كم يحلو لهكذا المسارات ،أن تعرج على رداءة الإسفاف ،ممتطية خيول قمم الفراغ ..لتمسك خيوط الصبا علّها تتقن فن الحبو، إذا هي شمطاء شاخت بين عقم الأيام ..مجاريها الضاغطة على جنبك الأيسر حيث القلب، توقظك بصخبها ،لتشق دربك هاربا من مياهها الكدرة ،فيمسك بتلابيبك جرادها السخيف، لتبقى حيث أنت ،منبهرا بالنيل من مخدعك، هذا إن نال منك ،وإن لم ينل تشتعل غصته نارا موقدة.. تظل شوكةً تدمي في كل محاولة.. ... ....هكذا هي المسارات المتناسلة من ضلوع عوجاء، لاهي تسير نحو الأفق المضيء، حيث المطر والهواء والشمس، ولاهي تدعك تقومها أو ترمم صدع الأوقات المتعجرفة ؟........أحيانا تأتي فكرة القوقعة، وترتيب خلجات النفس، مع إحكام إغلاق المنافذ، لتفادي السهام المرشوقة بلا تعب، من يد مغطوسة في جمر القذارة ..أو منعرج يفضي إلى كوة نار ...وأحيانا ترى نفسك آثما في حق النفس إن فعلتَ ..فتفتح لها العوالم ..كل الشرفات وتقول :يالبيبتي هذا بحرك أدخليه ،إما أن يحرقك، أو تطفي على غلالته ثلجك ناجيةً منجوةً ..فتندفع لكَسر السواعد المتعقبة للحصار ...ترتق التمزقات، تلملم أشلاء ك..تطأ النتوءات ،تطفو فوق خليجك ، تمسك ناصية الطريق، ولن تعلن الوقوف ولن تعلن الانهزام .