الانتقال من حزب إلى حزب
على مقهى في الشارع الخلفي بالمعلا دار حوار وجدل ونقاش حاد بين كاتب هذه الأسطر وبين أحد الأصدقاء الأعزاء حول مسألة مهمة بل قضية نعيشها ونلمسها في واقع حياتنا، حيث تثور ثائرتنا عندما نسمع عن شخص مشهور أو مسؤول كبير ومثقف في الدولة قد تحول من الحزب الفلاني إلى الحزب العلاني ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وكأنه قد غير وبدل جلده وتنكر لحزبه الأول وأيديولوجيته وكأنه قد خان مبادئ حزبه القديم بتقديم مصلحته الشخصية على مبادئه وقيمه وثباته ووفائه وتحول إلى شخص متذبذب ليس له رأي أو شخصية أو مبادئ ثابتة وواضحة بل هو شخص وصولي أو انتهازي تتقاذفه أهواؤه وميوله وغرائزه النفسية وأنانيته المضطربة. كانت تلك هي وجهة نظر صديقي الذي دار بيني وبينه ذلك الجدل والنقاش المحتدم حول المسؤول المتحول والمتبدل وكان ردي عليه كالتالي: اعلم يا صديقي بأن تصرف ذلك المسؤول كان تصرفاً طبيعياً ومشروعاً لا غبار عليه ، والواقع المعاش يشهد بذلك فأغلب أمور الحياة والسياسة والأيديولوجيا أمور نسبية اجتهادية ومصالح الناس وأحوالهم تتغير وتتبدل وتتطور ومشاكل الحياة تتعقد والأصل والثابت في هذه الحياة هو للنسبي لا للمطلق أو الثابت أو المستقر ولولا ذلك لما جعلنا الله سبحانه وتعالى شعوباً وقبائل إلا من أجل أن نتبادل المعارف والعلوم والخبرات والأفكار والتجارب ونستفيد من بعضنا البعض ونخرج من قوقعتنا ودوراننا حول أنفسنا ولا نتقدم قيد أنملة ولأن أمور الدنيا والسياسة ليست ثابتة ثبات أصول الدين والعقيدة فإن خروج هذا السياسي أو ذاك المسؤول من هذا الحزب إلى آخر لا يستنكره أحد إلا من يؤمن بالعقل الشمولي المحيط بكل شيء الذي يفهم كل شيء ومحيط علمه بكل شيء من أجل ذلك فهو ثابت على مبادئه الظنية غير اليقينية ويعتقد بأن الحقيقة كامنة في جيبه وفي عقله فقط!! وفي نظره من خرج من حزب إلى حزب آخر مختلف فكأنما خرج من إيمان إلى كفر ونسي أن أمور الدنيا والسياسة نسبية ظنية تتأرجح بين الصواب والخطأ عبر الاجتهاد مرات عديدة يصيبها الإخفاق وقد تقع في بعض الأحيان على الصواب. ومسألة انتقال الناس من فكر إلى فكر ومن حزب إلى حزب شيء معاش وملموس في واقع الناس حتى على مستوى أنظمة الحكم فهناك بلدان كان نظامها اشتراكياً وتحولت إلى نظام رأسمالي وهناك أنظمة كانت ملكية وتحولت إلى جمهورية وهناك بلد عربي كان يحكمه حزب ناصري أو بعثي وتحول إلى حكم ديمقراطي تعددي وهكذا ، وقد رأينا كيف تحول عندنا الاشتراكي إلى المؤتمر والإصلاحي إلى المؤتمر وكيف تحالف الإصلاحي مع الاشتراكي وقد كان عدوه بالأمس القريب ومختلفاً معه فكرياً وأيديولوجيا ولا أحد يستنكر عليهم هذا التحول أو ذاك التصرف ولم نسمع أن شخصاً قد وقف وقال لهم : لقد خرجتم من الإيمان إلى الكفر أو غيرتم مبادئكم لأنهم يعلمون جيداً أن أمور السياسة ليست ثابتة كأمور العقيدة والدين التي لا تتزعزع أو تتبدل أو تتغير أو تتطور..وعلى الرغم من كل هذا الشرح والتفصيل والإيضاح لصديقي المجادل إلا أنه ما زال مصراً على رأيه واعتقاده أن أمور السياسة والإيديولوجيا كثوابت الدين التي لا تتبدل ولا تتغير وهكذا بعض الناس الذين لا تجد مرونة في تفكيرهم ولا يؤمنون بان الاختلاف في الآراء من سنن الله في خلقه وأن أمور السياسة والدنيا نسبية وليست مطلقة أو ثابتة.