عندما تجلس مع أحد كبار السن الذين عاصروا الانجليز في عدن يقول لك كانت هذه المدينة زهرة المدن العربية في نظافتها وتناسق شوارعها ومبانيها وطيبة أهلها لدرجة أنك تتحسر على هذه المدينة التي وصفوها بالثغر الباسم، وهي والله ثغر باسم بحق، ولكنها اليوم وبعد إضراب عمال النظافة قد تحولت إلى مقلب (كدافة) أو زبالة) نتيجة هذا الإضراب وأصبح هذا الثغر الباسم باكياً بل حزيناً وقد يصاب أهلها بالأوبئة والأمراض الخطيرة نتيجة هذه الجبال من (الكداديف) الملقاة في كل شارع وحارة وزقاق ناهيك عما هو أفدح وأخطر واضر وحدث عنه ولا حرج إنها المجاري الطافحة في كل سبيل وممر وميدان عام وتنبعث منها انتن الروائح التي تزكم الأنوف بل تجعل المرء يخر مغشياً عليه من هذه البيئة الملوثة وكان يمكن تلافي مثل هذه الأمور بالاستجابة لمطالب عمال النظافة في المحافظة نظراً لأهمية الدور الذي لا يمكن أن يقوم به غيرهم وهم بشر مثلنا يريدون أن يعيشوا كبقية خلق الله خاصة إذا علمنا أن أفضل أجر يتقاضاه العمال في اليابان هو من نصيب عمال النظافة بالإضافة إلى حصولهم على مساكن مناسبة من الدولة وسيارات شخصية خاصة بهم بل ويتلقون تعليماً وتأهيلاً دراسياً حول النظافة قبل قبولهم والتحاقهم بالعمل في البلديات.النظافة.. عنوان الحضارة.. عنوان المدنية.. عنوان الرقي.. عنوان الصحة والعافية النظافة من الدين.. والشعب الميال إلى المحافظة على بلده ومدنه و أحيائه وشوارعه وأزقته شعب راق ومتحضر لأن الذي يميل للعيش مع الروائح الكريهة والمناظر المزرية ويتعايش مع القطط الكلاب والفئران صباحاً ومساء في حيه وشارعه ولا يرى حرجاً في هذه المناظر القذرة المتسخة فإن نفسه غير سوية بل هي نفس عليلة غير جميلة قد تعودت على القبح والبشاعة. إننا إذا وقفنا نتفرج هكذا صامتين ولم نحرك ساكناً فإن مدينتنا استصاب بكارثة بيئية محملة بأمراض فتاكة ومعاناة وآلام وأسقام وأوجاع لا يعلمها إلا الله عندها سنشعر بالندم على غياب هذا العامل الذي يسمونه عامل النظافة ذلك الجندي المجهول الذي يجمل حياتنا ويتقاضى راتباً متواضعاً ويعمل ليلاً ونهاراً على إزالة وإزاحة أوساخنا وأدراننا ومخلفاتنا وقاذوراتنا إنه كالطبيب المعالج الذي يعمل على الحد من الأمراض والجنايني المزين للحدائق والبساتين والشوارع والميادين العامة فلماذا لا نجعله يعيش مثلنا أو نشعره إنه إنسان مثلنا وأنه ابن جلدتنا ومن فصيلتنا الآدمية وليس من الكائنات الأدنى؟! إن ديننا الحنيف دين السماحة يقول لنا إنه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فلماذا لا نعطي هذا الجندي المجهول المزيل للقمامة (والكدافة) بعض حقوقه الآدمية والإنسانية ويصبح مثلنا بشراً وإنساناً؟ إن عدن قد تحولت بفقدان عامل النظافة إلى مدينة تغرق في بحر من القمامة وصارت كالحبيب الذي افتقد البدر في الليلة الظلماء. إن عامل النظافة هذا يستحق أن نصنع له تمثال الجندي المجهول وأن نرفع له تحية سلام لأنه هو الذي يبقي عدن ثغراً باسماً ويمنع من أن تتحول إلى ثغر باك من كثرة القمامات والكداديف والزبالة ، والنفس الزكية والفطرة السليمة لا تقبل إلا الروائح الزكية العطرة وتأبي العيش بجوار الجيف المنتنة التي تزكم الأنوف، وتنفر النفوس وتفر من البشاعة والقبح والفوضى والعبثية والشناعة.
أخبار متعلقة