سطور
سامر إسماعيل يحضر موضوع الموت في شعر المتنبي حضوراً شاعرياً عميقاً يخترق حدود الزمن والنسبية مستبقاً حركات العصر الذي قدر له أن يعيشه موقداً جذوة شعرية شديدة الاضطرام لتصبح قصائد أبي الطيب بؤرة نصية متجددة وخصبة تمتلك الكثير من اللمحات الحداثية المنفتحة على أكثر من قراءة وتأويل حيث يقتضي البحث عن تجليات الموت في قصائد المتنبي دراسة الجانب الحيوي من وجود الشاعر لاستجلاء مظاهر العدمية في نصوصه. تذهب الباحثة التونسية بهاء بن نوار في كتابها (تجليات الموت في شعر المتنبي) إلى اعتماد منهج وصفي تحليلي يطمح إلى استقراء شفرات النص الداخلية عبر مقاربة إشاراته الجوهرية معولةً في ذلك على عوامل التناقض والافتراق داخل أشعار المتنبي إضافةً إلى تجليات الموت الإنسانية المتجذرة في أعماق وجوديته اللافتة في تناول شؤون الدهر وتصاريفه. ويتناول الفصل الأول من الكتاب المعنون بـ(الشاعر والموت) أبرز ما تعرض له المتنبي في حياته من مواقف وملامح عدمية توزعت على ثلاث حركات متتالية أولها حركة بدائية افتتاحية ذات حضور باهت لشعر المديح امتدت من طفولة الشاعر إلى حين إقامته في أنطاكية في حين تناقش الحركة الثانية حضور المديح الصارخ في نصوص المتنبي توزعت في مراحل عدة من إقامته في كل من حلب ومصر وبلاد فارس تبين فيه المؤلفة الحس العدمي شديد الاحتدام في شخصيته الإشكالية وصولاً إلى الحركة الثالثة التي خصصتها الكاتبة لمصرع المتنبي ونهايته الدراماتيكية.وتضمن الفصل الثاني مدخلاً آخر للبحث في شعر (مالئ الدنيا وشاغل الناس) كان تحت عنوان (الموت من خلال تصعيد القوة) مستجليةً حس الموت من خلال نصوص الشاعر بشكل تصاعدي متعال موزعةً هذا الجزء على ثلاثة أبواب تكلمت فيها عن تضخم الأنا وموت الآخر. وتتحدث بن نوار في كتابها الشيق عن مفهوم الإنسان الأعلى في أشعار صاحب الخيل والليل والبيداء تعرفني ناهلة من معين المتنبي الشعري عبر تجسيده لشخصية الممدوح في قصائده لتطل الكاتبة على أبعاد جديدة من شخصية الشاعر وفهمه الخاص لحركة البشر وأهوائهم وعاداتهم وسبر دواخلهم. وتحت عنوان (النفس الملحمي) كشفت الناقدة البعد الملحمي في بعض قصائد المتنبي ولاسيما عندما يصف الشاعر حروب ممدوحيه ومعاركهم الضارية مع أعدائهم. وحمل الفصل الثالث من الكتاب عنوان (ثنائيات الموت) الذي خصصته الكاتبة لاستجلاء تمظهرات العدم بشكل ثنائي يحضر فيه الموت حضوراً انشطارياً في أشعار المتنبي موزعةً بحثها هنا بين عدة ثنائيات كان أهمها ثنائية (اللامعقول والمعقول) وثنائية (السلب والإيجاب) إضافةً لثنائية (التسليم والرفض). كما خصصت بن نوار الفصل الرابع من الكتاب لدراسة تجليات الموت في شعر المتنبي من خلال موقعها في بنية القصيدة مقسمة ذلك إلى ثلاثة مباحث كان الأول لمعاينة الموت مقتحماً بدايات النصوص وذلك لاستجلاء دلالات الموت من خلال مطالع بعض القصائد أما الثاني فكان لدراسة بنى القصيدة الداخلية لدى الشاعر ومقاربتها مع السياق الخارجي للنص لتختم الفصل الرابع ببحث الموت كخواتم ونهايات في نصوص المتنبي. وتخلص الناقدة في نهاية بحثها إلى حقائق مهمة أبرزها أن تجربة المتنبي مع الموت تزدوج وتتفرع إلى شقين أحدهما واقعي تجلت فيه التجربة من خلال حياة الشاعر والثاني حلمي بدت فيه خارقة ومدهشة إلا أن الموت بدا محاصراً للمتنبي في أغلب مراحل حياته حيث تبدت هذه التجربة من علاقته مع الموت مكانياً عن طريق الارتحال والتبرؤ من كل إطار وحيز مكاني إضافةً إلى موت ذات الشاعر نفسها ليتراءى الموت في قصائده ككائن شديد الإطلالة تقتتل فيه تضاريس المكان ليجعل لقاء الحبيبة معادلاً للحياة بينما يجعل فراقها معادلاً للعدم. يذكر أن كتاب (تجليات الموت في شعر المتنبي) يقع في 322 صفحة من القطع المتوسط وهو صادر حديثاً عن دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية بدمشق.