د. زينب حزامليس النقد مجرد تصور، ولكنه نشاط حضوري يتناسق وذهنية النص، عبر نغمية هارمونية تعمل على الفرز والتمييز والتنفيذ والتقييم، تماماً، كما تؤدي صيحة التحذير أيضاً، لذلك فإن عملية التحكيم النقدي تبدو مهووسة بالجوهر على الدوام، وهي فوق ذلك حالة نصية نشطة، تميل للسعي الاستكشافي، كما تزعم أنها مرآة النص وقوته الفنية، بمعنى أن النقد ضد التزييف الجمالي، وهو وحده المؤهل للحكم على القيمة داخل النص، وهذا المبدأ المعرفي للنقد لا يمكن أن يستمر - كما أفهمه - دون إدراكنا الحيوي للأوضاع الأدبية المعاصرة، ومدى تعقيدها والحس الذي صار يغلب الغيبوبة على الإيقاظ، بدلاً من التعامل مع الإنتاج الأدبي بشرف التحرير والتقدم، لا بحماسية الاجترار الضحل للأنماط الفنية المألوفة.يقول الدكتور وهب رمية:«الثقافة في هذا البلد كما في أي قطر عربي آخر سلعة رديئة للأسف الشديد».والعلاقات الاجتماعية أو العلاقات الحياتية الإنسانية بشكل عام علاقات جعلت من الثقافة سلعة قليلة التداول إلا في أوساط ضعيفة، وإذا كان الملك ميداس في الأسطورة القديمة يحول كل ما يلمسه إلى ذهب فإن حياتنا المعاصرة فيما يبدو تحول كل ما تلمسه إلى سلعة، وهذه السلعة التي نتعامل بها سلعة الثقافة، للأسف الشديد ليس لها المكانة العالية في حياتنا التي نحياها”.ويقول الدكتور عبدالعزيز المقالح: “.... وينبغي ألا يفزع الكاتب الجديد أو الشاعر الجديد من مظاهر الدهشة البادية على بعض الوجوه من علامات القلق الناطقة في بعض الكتابات، فالقارئ العام يستقبل كل يوم ـ بقدر عظيم من الحيرة والاستغراب ـ أنماطاً أدبية وفنية غير مألوفة وهو لا يكف عن إبداء واستسلام غير الواعي للموروث يجعلانه شديد الحذر لا يستطيع أن يستوعب دور الكاتب الجديد أو الشاعر الجديد، وأن كلا منهما يحاول أن يعيد صياغة العلاقات المتغيرة في الواقع بشكل يتلاءم مع مستويات الإبداع والمعرفة، مستويات الفن والعلم التابعة من كل أو من جزء في هذا الواقع المتغير...).ويواصل الدكتور عبدالعزيز المقالح حديثه: (... ولعل استقراء مسافات التغيير في الأدب والفنون، والحديث عن محاولات التجديد في هذا العالم الخصب يشكل المدخل العلمي الصحيح لفهم هذه المحاولات ويجسد أهمية الجديد الذي يسعى إلى امتلاك ملامح المستقبل ويعبر عن واقع الإنسان المتطور في الوقت الذي يسعى فيه إلى تجسيد هموم هذا الإنسان وأشواقه إلى تخطي زمن التخلف وتأكيد انتمائه إلى القرن العشرين دون أن يتخلى عن سماته وشخصيته).يقول زين السقاف: “... الواقعية كنموذج للأعمال القصصية بدأت تتصل أيضاً بالقاص اليمني، وبدأت تأخذ منحاها في عدد من الأعمال المتناثرة ربما لم تطلعوا عليها الإطلاع الكافي.. إنما ماذا يمكن أن نسمي هذه الواقعية؟.. بدون شك أن شخصيات يمنية لم تحظ فيما مضى بأن تكون محوراً لعمل فني أو ثقافي لم يستوعبها الشعر لم تستوعبها المقالة، بل ربما استوعبتها المقالات السياسية التحريضية عند ذكر المظالم والمشاكل.. لكن بصفة كلية. لكن شخصية الجندي، شخصية الفلاح،شخصية الطالب، شخصية الفلاح المهاجر، شخصية هذا الضائع العامل في العالم .. شخصية المثقف الجديد الذي يخرج ثم يعود إلى الوطن.. شخصية السياسي السجين، مجموعة مشاكل متنوعة سواء كانت أشخاصاً أو مجاميع أو أفراداً أو فئات من الناس بدأت تأخذ مكانها داخل القصة اليمنية بأشكال متفاوتة..”.[c1]العلم والفن[/c]قرأت في عهد الحداثة لقاص لا أذكر اسمه ـ لعله فرنسي ـ أن منزلاً في قرية كان النزلاء يجتمعون فيه كل يوم على رجل يقص عليهم مشاهداته ومغامراته في أفريقيا فيخلب ألبابهم بطلاوة حديثه وعجائب مروياته عن زيارته للقارة وغاباتها وضواريها وقرودها وأقبل ذات يوم رجل ما كاد يسمع بعض الحديث حتى اعترض على المتحدث مقرراً أن الأمور لم تكن كذلك، وكلها غلط في غلط.وبعد أخذ ورد بين الرجلين تبين أن القاص لا يعرف أفريقيا ولا رآها أصلا، وأن القادم الجديد هو الذي عرفها وعاش فيها عشرات السنين وساح في أرجائها وشاهد الكثير من مدنها وغاباتها.. أخذ هو مكان القاص الدعي وجعل يحدثهم حديث الحقيقة لا الخيال.لكن أين الطلاوة وذلك النسق العالي من اللفظ المتألق والبيان العذب المتدفق والأحداث المثيرة الشائعة؟ لقد ذهب كل ذلك مع القاص الذاهب، وجاء حديث الخلف الجديد العارف واقعياً صحيحاً لكن جامداً مملاً. فتفرق المستمعون وانفض ذلك المجلس الممتع الذي كان يحتضن شملهم ويبهجهم كل يوم..لم يكن السحر في أفريقيا.. بل كان في فن الكلام عن أفريقيا.كان السائح الزائف في أفريقيا هو الحقيقي، والحقيقي هو الزائف.هناك مسلسلات محلية تعرض في القنوات اليمنية البعض منها يحمل الموضوع الجيد والعرض الجيد ولكن هناك تكرار ممل في الحديث يهدف إلى إطالة العرض.. وهناك مسلسلات محلية بسيطة الحدث تكمن روعتها في أنها من الواقع الاجتماعي اليمني، على سبيل المثال عرض في الأسبوع الماضي مسلسل عن رجل نصاب يمارس السحر ويبتز الفقراء الذين يؤمنون بالجن والعلاج بالسحر، وقد عرض بقالب كوميدي ساخر ثم وضع المؤلف المشكلة التي يعاني منها المجتمع اليمني وغياب القانون الذي صمت طويلاً أمام هذه الجريمة، ما أدى إلى انتشار أوكار هذه العصابات التي عرضت المواطن اليمني للخطر بأعمال النصب والاحتيال.إن أحداث هذا المسلسل صادقة، فالحكايات والتواريخ كثيرة مرمية على قارعة الطريق على تعبير أسلافنا، لكن صياغتها تحتاج إلى قلم عبقري يكتب الحديث أو الحكاية بلمسة فنية ساحرة.إن الحديث عن فن النقد في الدراما السينمائية أو المسلسلات التلفزيونية والإذاعية يفتح أمامنا أفقاً شاسعاً لا يمكن استيعابه إلا باستعراض كل مسلسل أو الكثير منها، لأنه عمل فني، كما يجب الحديث عن مضمون الحكاية التي قدمت في هذا العمل الفني الدرامي.. والمثير للأسى أنه في كل ندوة أو حوار تلفزيوني حول الدراما اليمنية يشكو الجميع من أزمة نصوص تعاني منها الدراما اليمنية.. ولا أظن أن لدينا أزمة نصوص إلى الحد الذي يدفع البعض إلى البحث عن دفاترنا القديمة والبحث في التراث اليمني، والاستفادة من الأقلام الشابة الجيدة في مجال كتابة العمل الدرامي.. بل إن الأزمة هي أزمة ثقافة وأزمة فكر يعاني منها القائمون على خطوط إنتاج الدراما في بلادنا، أزمة فكر وثقافة تدفع الكثير منهم إلى الابتعاد عن النصوص الأدبية لأنهم غير مؤهلين للتعامل مع مضامينها ويخشون من تسرب أي أعمال مأخوذة من نصوص جيدة.. وأن يتحول الأمر إلى ظاهرة.. لا مكان لهم فيها.
|
فنون
النقد الفني.. كشف للحقائق أم تلميع للشخصيات؟!
أخبار متعلقة