الفنان / أحمد علي قاسم
في صبيحة العاشر من سبتمبر 2011م وعلى حين غرة ترجل أحد فرسان الغناء اليمني المعاصر بعد رحلة عطاء ثرية امتدت لما يقارب خمسة عقود من الزمن رفد خلاها ساحة الغناء اليمني بروائع الغناء و الطرب، انه الفنان المتميز في كل شيء أحمد علي قاسم ، و عندما أقول الفنان المتميز فإن مرد ذلك إلى تميزه في جميع أوجه حياته منها الشخصية و الاجتماعية والفنية والإدارية فإذا بدأنا باستعراض جوانب تميز حياة هذا الفنان المبدع بتميزه في فن الغناء فانه يعد من الفنانين القلائل الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة الذين بدأوا مشوار حياتهم الفنية من نقطة الصفر من خلال انخراطه كمردد أغان مع كبار الفنانين ( كورس)، وهذه هي خطوة النجاح الفني الأولى لمن أراد أن يشق طريقه في السير على درب مشوار الغناء، و أشبه هذه الخطوة بالخطوة الأولى التي يقدم عليها المرء في طريق تلقي العلم والمعرفة فمن أراد السير في مشواره العلمي بخطى صحيحة وراسخة فان خطوته الأولى هي الروضة ثم المدرسة ..مثل الفنان الذي يبدأ مشواره بخطوة انضمامه إلى فرق إنشادية أو فرق ترديد الأغاني خلف الفنانين الكبار (كورس) وهذا ما فعله أحمد علي قاسم وتميز به، فلقد استفاد فناننا الراحل من هذه التجربة فائدة عظيمة خاصة وانه قد عمل مع فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي أطال الله في عمره و مع الفنانين الكبار رحمة الله على الذين وافاهم الأجل وأطال الله في أعمار من تبقى منهم على قيد الحياة أمثال الفنان الكبير محمد محسن عطروش وغيره من كبار الفنانين .أما جانب تميز حياة الفنان أحمد علي قاسم على الصعيد الاجتماعي فهو نشأته في بيئة فنية فهو من مواليد مدينة الشيخ عثمان هذه المدينة العدنية اليمنية التي أنجبت كبار الأدباء و الفنانين نتذكر منهم الشاعر الكبير إدريس أحمد حنبلة والفنان الكبير محمد مرشد ناجي و الفنان الكبير اسكندر ثابت و الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة واحتضنت الفنان الكبير عوض عبدالله المسلمي والفنان محمد سعد عبدالله وآخرين، ومن الجوانب التي ينبغي الوقوف أمامها الحارة أو الشارع الذي ولد ونشأ وترعرع فيه أحمد علي قاسم وهو شارع قرطبة قسم (A) وهذا الشارع سكن فيه الفنان الكبير الراحل عوض عبدالله المسلمي بل كان منزله مجاوراً لمنزل الأسرة الكريمة لفناننا الراحل أحمد علي قاسم، حيث أن علاقة الجوار بين أسرتي المسلمي و أحمد علي قاسم كان لها دور كبير في توليد الرغبة الجامحة والميول في تعلم عزف آلة العود. ولقد تزامل أحمد علي قاسم مع نجلي عوض المسلمي و هما الشخصية الدبلوماسية و الاجتماعية والفنية عبدالله عوض المسلمي و الشخصية الفنية و الاجتماعية محمد عوض المسلمي وخصوصاً عبدالله عوض المسلمي الذي ربطته علاقة وطيدة بالراحل استمرت حتى يوم وفاته، حيث بدأ عبدالله المسلمي حياته عازفاً موسيقياً وكورس واستفاد أحمد علي قاسم من هذه العلاقة من خلال استخدامه لآلة العود الخاصة بالوالد المسلمي و تعلم أساسيات العزف على آلة العود، وكانت تلك نقطة الانطلاقة لالتحاقه بالكورس ومن ثم البروز كفنان فردي يمتلك أدوات الفنان المطرب كالخامة الصوتية المتميزة و الحضور الفني اللافت، وكانت البداية حفلات البادري الفنية في منتصف ستينيات القرن الماضي حيث كان للفنان الكبير محمد محسن عطروش شرف تقديم أول عمل فني غنائي من كلمات الشاعر الغنائي الكبير عمر عبدالله نسير و الحان العطروش (أغنية أنا أترجاك واحبيبي)، التي كانت بمثابة جواز مرور للفنان أحمد علي قاسم إلى دنيا الطرب و الغناء من خلال الرواج والصدى و النجاح الفني الكبير الذي حصدته هذه الأغنية و كانت بمثابة علامة بارزة في حياته الفنية ثم توالت النجاحات الفنية من خلال ماقدمه من أغان كانت عبارة عن إضافة جديدة في بروز اسم الفنان أحمد علي قاسم على مستوى الساحة الفنية اليمنية ،تركت بصمة في تاريخ الغناء اليمني مثل أغاني : 1 -”يالومتك” كلمات و الحان الفنان محمد محسن عطروش وهذه الأغنية بالذات لها قصة سيتم تناولها في موضوع لاحق إن شاء الله. 2 - “متى يا هاجري عينك تراني” كلمات /عمر عبدالله نسير و الحان /محمد محسن عطروش ومن المحطات المهمة التي ينبغي الوقوف أمامها محطة العلاقة الفنية بين الفنان أحمد علي قاسم و الفنان الملحن محمد محسن أحمد (المحسني) و ذلك من خلال الأعمال التي قدمها المحسني لأحمد علي ومن أبرزها :-(يا حلاوتك ) و (ياحبيبي يا حياتي ) و هاتان الأغنيتان من كلمات الشاعر الغنائي الكبير عبدالله عبدالكريم. وللفقيد أحمد علي قاسم العديد من الأغاني الوطنية و التوعوية قدمها له العطروش مثل (يا بحرية على الشراع) و (هنا باتيس) والأغنية التي تحدثت عن معانات الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948 وهي أنشودة ( يا بني خذ هذا هو مفتاح داري ) و كذلك أغنية الانتخابات الشهيرة ( قولوا نعم للي يحبه الشعب).و لاننسى الأعمال التي قدمها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي لأحمد علي قاسم مثل الأغنية الشهيرة (ريح الشروق) كلمات عبدالله عبدالوهاب نعمان كما شارك أحمد علي قاسم في الاوبريت الغنائي الاجتماعي الذي لحنه المرشدي بعنوان (الجميلة الفاتنة بنت الأكابر) وكان من بين المشاركين الفنان الراحل محمد صالح عزاني كما شارك في أوبريت فني وطني كلمات والحان محمد سعد عبدالله بعنوان (أيلول وسام علي صدر اليمن) في عام 1994 م، مع عدد من كبار الفنانين و الفنانات مثل محمد سالم بن شامخ ونجيب سعيد ثابت وأمل كعدل .أما ما ميز حياة الفنان أحمد علي قاسم على المستوى الشخصي فقد كان فناناً يتحلى بالخلق و الصفات الحميدة على مستوى علاقته بأصدقائه أو بأبنائه و أسرته الكريمة.ويعتبر الفنان أحمد علي قاسم من الفنانين القلائل الذين حققوا نجاحاً على مستوى الوظيفة الإدارية فلقد تبوأ العديد من المناصب الإدارية في عدد من مرافق الدولة كان آخرها مديراً إدارياً و مالياً في تلفزيون عدن .في السنوات الأخيرة من حياته، وخصوصاً بعد الإحالة إلى المعاش التقاعدي، عاش الفنان أحمد علي قاسم ظروفاً معيشية صعبة- وهي الظروف التي يعاني منها غالبية المبدعين في هذا الزمان الرديء -جعلته ينزوي في منزله ويتوارى عن أنظار أصدقائه ومحبيه إلا القلة القليلة منهم وكأنه بموقفه هذا يقول للجميع أن أحمد علي قاسم عاش عزيزاً مكرماً بفنه و عمله وأخلاقه وسيلاقي ربه عزيزاً مكرماً دون أن يحتاج لأحد إلا لخالقه الذي خلقه وكرمه وأحسن خاتمته .