كنوز الفن التشكيلي اليمني القديم في المتحف الوطني بعدن
د. زينب حزاميوجد في المتحف الوطني في عدن، عدد من القطع الأثرية التي تحمل النقوش والزخارف الإسلامية وتبين هذه القطع الأثرية وفنون الكتابة والرسوم الزيتية والخزف والمشغولات المعدنية والسلاح والعتاد والسجاد والمنسوجات والعناصر المعمارية، والفنون الزخرفية والعملات الإسلامية، وفنون الخط والمنمنمات وغيرها من التحف والمقتنيات النادرة التي تعرض في المتحف الوطني في عدن لأول مرة في مثل هذا الحشد العام ... تبين كنوز الدولة اليمنية القديمة والحديثة.يرى الفنان التشكيلي اليمني علي باراس (محاضر في معهد الفنون الجميلة في عدن)، أن أهم أسباب الوحدة الفنية في الفن اليمني القديم، هو تمسك الفنان التشكيلي اليمني المسلم بمبادئ الدين الإسلامي وكتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد والجوامع، وقد ظلت نظرة الرسالة الإسلامية المثالية إلى وحدة المؤمنين والجماهير الواحدة (الأمة) المنبثقة مما تنص عليه هذه الرسالة من الإيمان بوحدانية الله والتوق الى الحياة الخالدة بعد الموت، ظلت دائماً وأبداً محوراً رئيسياً في مختلف فروع المذاهب الإسلامية ومن هنا نتصور أن هذه المثالية المشتركة بين المسلمين لابد أن تكون قد وجدت لها ما يعبر عنها في العالم المرئي (كما حدث حين اختارت الخط العربي الذي تكتب به لغات أخرى للمسلمين غير اللغة العربية.وإذا نظرنا إلى التحف الإسلامية الموجودة في متحف عدن نجد بعضها كتبت عليها آيات من القرآن الكريم ومنها آيات تبين حوار الخالق مع الملائكة، مثلما ورد في محاوره الملائكة حول خلافة سيدنا آدم عليه السلام للأرض، إذ قال تبارك وتعالى:(وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون). سورة البقرة (الآية 30) .و يواصل الفنان التشكيلي اليمني علي باراس حديثه قائلاً: لقد أهتم الفنان التشكيلي اليمني بالخط العربي وكتابة الآيات القرآنية والأحاديث على التحف وجدران المساجد والجوامع والفن المعماري لذا نجد العناصر المعمارية الإنشائية تشترك في وحدة الروح الإسلامية الكامنة وراء التشكيلات والتكوينات الزخرفية التي أصبحت تقليداً معمارياً يحفظه البناؤون عن ظهر قلب.[c1]نظرية الجمال في الفن الإسلامي اليمني [/c]الهدف من الفن لم يؤخذ في الاعتبار إلا بدرجة ضئيلة للغاية واستمرت التصورات الخاطئة شائعة ، وقد كان أكثرها شيوعاً نظرية الفنون التشكيلية في الإسلام وهذه الفكرة الخاطئة تعود بدرجة كبيرة إلى الظروف التي اكتشف فيها الغرب المناطق الإسلامية المختلفة ونجد المنمنمات اليمنية بمثابة الأساس الذي يعرف به فن التصوير الإسلامي غير أن الفن التشكيلي اليمني بعد الإسلام نما في مجال واسع وازدهر لعدة قرون في فن الخط الغربي والتصاميم التجريدية المحتوية على أشكال محافظة تطورت في الشرق كتعويض عن صورة محاكاة الطبيعة المرفوضة وحيث وضح أن الخط هو منبع ومصدر كل أنواع الفنون وإن كان هذا لم يحط من قدر التصوير. وقد تحول اللون إلى أكثر من نقل الانطباعات المرئية حيث يقوم بعمل الرمز في التصوير كما هو في الأدب وهذا لا ينطبق فقط على الأنماط البشرية ولكن ايضاً على تصوير المناظر الطبيعية حيث يعبر اللون عن التعبيرات الأدبية المجازية التي تحمل دلالات إنسانية سامية مثل ( طلب الحياة ، إسعاد الآخرين ،المرأة والحب والجمال). وقد انطلقت فعاليات عدن بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني من الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967م وقدمت وزارة الثقافة - فرع عدن العديد من الفعاليات الثقافية والفنية ومنها عدة معارض فنية في مختلف المحافظات اليمنية تمثلت في الفنون البحرية والفنون النسائية التراثية ومهرجان الألعاب الشعبية. وخلال هذه الفعاليات الثقافية قدم الفنانون التشكيليون اليمنيون أجمل اللوحات التي عبرت عن إرادة الشعب اليمني ونضاله من اجل الحرية والاستقلال وبناء المجتمع اليمني الحديث. وعدن مدينة رائعة تنبت الشعر والجمال وتلهب القلب والخيال ببحارها الزرقاء وشواطئها الذهبية ونوارسها البيضاء وجبالها السمراء ويشتهر رجالها بالظرف والذكاء والأعراق في حب الأدب والفن كما تشتهر نساؤها بالجمال والخفة والشاعرية كما أنها تحمل رائحة التاريخ منذ عهد الغساسنة وانتصر أبناؤها الصيادون في العصر الحديث على أقوى دولة وتمكنوا من نيل استقلالهم . [c1]آثار عظيمة في كهوف مدينة كريتر في عدن [/c]تتميز مدينة كريتر بالعديد من المواقع الأثرية التي تحمل الفن التشكيلي القديم والزخارف الإسلامية في الفن المعماري وقد وجد هواة اكتشاف الكهوف في مدينة كريتر بعدن العديد من الرسوم تعود إلى العصر الحجري ولكن لم يدركوا ذلك من فورهم حتى أعلن الباحثون في مجال الآثار أنها عبارة عن كنوز أثرية تضم مجموعة من الرسوم التي لا تضاهيها أي مجموعة أخرى بما في ذلك رسوم حوائط كهف في الصهاريج وكانت هذه الرسوم رائعة ويبدو أنها لم تمس طوال عشرين ألف سنة وبدا وجود الفنانين القدامى محسوساً : كانت أدواتهم متناثرة سكاكين مصنوعة من حجر الصوان وأكوام من الطفلة التي استخدموها في تلوين رسومهم والحفر التي كانوا يستخدمونها لإشعال النار وتظهر الصور المرسومة على الجدران الأسود والذئاب والغزلان والجياد ويقول مسؤول الشؤون الثقافية في المنطقة : إن كهوف كريتر بعدن الموجودة فيها تلك الرسوم من أجمل المواقع الأثرية في المنطقة حيث يشعر الزائر لها بالإيقاع والحياة على نحو رائع ومن أهم المشاهد التي رسمت على احد كهوف مدينة كريتر في عدن “ مشهد صيد الصقور ) ويعتبر احد مشاهد الصيد في اليمن وهي طريقة تقليدية لدى اليمنيين في الصحراء وجرى الرسام اليمني في رسم هذا المنظر على جدران الكهوف صورة تعبر عن الصقر الجارح الطائر من الصحراء وعملية صيده مفعمة بالبطولة لان المعركة بين الإنسان والحيوان لا تدور على الأرض بل بين مخلوق الأرض ومخلوق السماء فتظهر في لوحته “ صيد العرب للصقور “ صورة الفرسان على صهوات جيادهم الرشيقة يتابعون حركة الصقور في السماء على عدة فرق تتوزع على مساحة مجرى مائي بينما تلف فضاء اللوحة غلالة ضبابية شفافة من انعكاس ضوء المساء الأصفر الباهت على صفحة الماء الفضية بحيث تشترك السماء والأرض في سيمفونية لونية متناغمة ! لقد صور الفنان اليمني عبدالله الأمين الصحراء في لوحات فنية رائعة ، حيث تتجلى الصورة التراجيدية لحياة الإنسان في الصحراء القاسية ، كذلك لوحته الشهيرة “ مشهد من صحراء حضرموت “ حيث جسدت روعة الليل في الصحراء وصورت مظهراً من مظاهر الحياة البدوية!. كما رسم الفنان التشكيلي اليمني عبدالله الأمين في لوحاته المختلفة الساحل العدني الضاحك بشواطئه الذهبية وسماء عدن المتغيرة وألوانها المختلفة وانعكاسات الأضواء، والجبال الشاهقة وآفاق بلا نهاية!. لقد أبرزت هذه اللوحات قدرة الفنان على التلاعب بالدرجات اللونية وهذه المقدرة الفنية أتاحت له وصف الفروق اللونية التي تطرأ على مياه البحر ، فهي تارة في حالة المد و في حالة الجزر رمادية فضية مخضرة أو زرقاء قاتمة تارة أخرى . وتدل إبداعات الفنان التشكيلي عبدالله الأمين على عمق ثقافته الواسعة واطلاعه ونزوعه إلى الابتكار والتميز فهو فنان يعشق العزلة ليعيش خارج الزمان والمكان ووصف نفسه برحالة يصور ما تقع عليه عيناه بل هو فنان يرتحل وراء ما ينبغي تصويره محاولاً التميز بين الجميل والغريب.