مما لاشك فيه أننا جميعاً كنا ننشد إحداث تغيير جذري لكننا كنا نجهل مناهج وأساليب عمل التغيير، فلم نركز على أهداف التغيير ولا على استحقاقاته، فانغمسنا في التقليد وحصرنا التغيير في دائرة ضيقة تمحورت حول الأشخاص والمواقع.. اعتقد البعض أن التغيير يقاس بالأشخاص الذين ينبغي إزاحتهم وإحلال أشخاص آخرين بديلاً عنهم، وتجاهلنا الواقع ومكوناته والمستقبل واستراتيجياته ولم نفكر بمن ينبغي أن ينالوا شرف المسؤولية المستقبلية القادرين على تحريك دورة العمل الوطني . إن من يتحدثون عن التغيير اليوم يريدون تغيير أشخاص بآخرين وعائلة بأخرى ويصادرون حق الآخر في التعبير والحياة والتعليم والصحة والعمل ويدمرون الأمل . إننا أمام مجموعة تعيش حالة من العماء تريد التغيير لمجرد التغيير ويعتبرون ذلك التغيير نوعاً من الإلهاء ولا يراعون الظروف والأوضاع ولا التحديات والمشكلات التي تراكمت خلال فترة غير قصيرة. ولست بحاجة للقول إننا مجموعة من الانتحاريين المستعدين لتدمير الوطن في أي لحظة، غير مبالية بالضرورات الموضوعيــة وبالفهم الصحيح للتغيير الذي يعد سنة من سنن الحياة وقانونها الصارم. أقول وأكرر أن الشعوب التي تعي قواعد التغيير في إطار التطور الطبيعي هي التي تستطيع البقاء والصمود وتحقيق المعادلة الكونية. والتاريخ يعلمنا أن الذين لا يستطيعون قراءته بشكل صحيـح ولا يستطيعـــون اللحاق بقطـار التطـــور يعجزون عن إحداث أي تغيير، وبالتالي يفقـدون الإدراك الصحيــح والتوقيت الصحيح لمتطلبات التغيير. إن أسباب التخلف هي المعبر الحقيقي عن العجز عن الإمساك بالفرص السانحة والتقاطها في الوقت الصحيح والمناسب. ولا شك في أن التغيير يتلازم تلازماً تاماً مع الاستقرار فلا يمكن تحقيق التغيير في غياب الاستقرار، فالاستقرار يمثل أحد أهم المرتكزات والأسس الثابتة لبقاء الدولة ومؤسساتها والتغيير هو تغذية هذه المؤسسات بالدماء الجديدة القادرة على التطور وملاحقة الجديد. إذا أردنا التغيير فلا بد من تهيئة الاستقرار السياسي والاجتماعي حتى نتمكن من كشف أولئك الذين يخاصمون فكر التغيير ويجافون المدنية ومتطلباتها. إن أفضل آلية عرفها الإنسان هي آلية التغيير ومن خلالها حقق أحلامه ووسع قاعدة المشاركة وصاغ القرارات التي تناسب حياته. مأساتنا أننا نعيش في عالم خيالي تجسده مجالس القات كل يوم حيث نسترخي تحت خدر القات ونحن منقسمون على أنفسنا، فالتغيير لايمكن أن يتم مالم نكن على قلب رجل واحد حتى نصل إلى تصور مشترك لآفاق المستقبل ومتطلباته. ولا يمكن الوصول إلى المستقبل مالم نفتح باباً للحوار الوطني بشأن المستقبل ووضع خطوط فاصلة بين مانتمناه ومانتوقعه، وأن نفرق بين مانستطيع إنجازه وما يستحيل أن نقفز إليه دفعة واحدة. من الواجب علينا أن نتوقف أمام ماينتظرنا في المستقبل من تحديات ومصاعب. إن الحديث عن المستقبل لايمكن أن يكون بأسلوب اليقين، كما يفعل أولئك الذين قطعوا الشوارع وعطلوا الحياة. لقد آن لنا أن نجعل من الغد بداية مرحلة جديدة تتواصل فيها الأجيال نحو مزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإحداث مراجعة وتصحيح مسيرة العمل الوطني وبما لايهدد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. نحتاج إلى تعمير اليمن وليس لتخريبها، للحفاظ على الوحدة لا لتمزيقها ومثلما اتسع الوطن لخلافاتنا فلنجعله يتسع لحواراتنا.
أخبار متعلقة