نبض القلم
تؤدي منظمات المجتمع المدني على اختلاف أشكالها وألوانها ومجالات عملها وتخصصاتها أدواراً مهمة في عملية التنوير والتربية والتنشئة الاجتماعية ، فهي بحكم اتصالها والتصاقها بعدد كبير من أفراد المجتمع تتحمل مسؤولية كبيرة في توعية المجتمع وتنويره.ولقد تزايد في المرحلة الراهنة دور هذه المنظمات بسبب تنوعها وتزايد فعلها ، وتأثيراتها المختلفة في مختلف نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، ومن ثم تأثيرها على شخصيات الناشئة على اختلاف أنماط سلوكهم الاجتماعي.وفي بلادنا في ظل الوحدة والديمقراطية نشأت العديد من الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها الفكرية والأيديولوجية، ثم هناك نقابات كنقابة الأطباء ونقابة المهندسين ونقابة المهن التربوية والتعليمية وهناك اتحادات كاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، والاتحاد العام لعمال الجمهورية ، والاتحاد العام لنساء اليمن ، والاتحاد العام لشباب اليمن ،وغيرها .وهناك الجمعيات الخيرية والاجتماعية كجمعية الإصلاح الاجتماعية الخيرية ، وجمعية الحكمة ، وجمعية الهلال الأحمر اليمني ، وجمعية حقوق الطفل .. وغيرهاوهذه المنظمات بحكم تخصصها واتساع نطاق نشاطاتها، ويتركز مهامها ، وما يتبع ذلك من نشاط ثقافي مميز لكل منها ، تسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عملية التنوير ، فهي تؤثر بصورة أو بأخرى على أعضائها ، وتكسبهم اتجاهات وقيماً وأنماط سلوك نابعة من خصوصياتها المهنية ، بل قد يصل تأثير بعضها إلى إعادة تشكيل أفرادها، وصبهم في قوالب معينة ، ربما يفوق تأثير وسائط التوعية أو التنوير الأخرى والدليل على ذلك ما تقوم به بعض الأحزاب السياسية في بلادنا من تعبئة أعضائها وتوعيتهم بأفكار مضللة وأطروحات مغلوطة، وصبهم في اتجاه فكري وسلوكي معين ، ربما يؤدي بهم إلى القيام بأعمال تضر بهم وبمجتمعهم أيما ضرر. وقد تلجأ بعضها إلى احتواء النشء الجديد في أعمار مبكرة حتى تستطيع التأثير عليهم واستلابهم الفكري، وتنشئتهم تنشئة سياسية مواكبة لاتجاهات هذا الحزب أو ذاك ، تؤدي بهم أحياناً إلى الانتحار بدعوى الاستشهاد وهنا ينبغي أن تمارس النقابات والاتحادات المهنية أدوارها التنويرية لتأثير في أعضائها من واقع مهنتها وخصوصياتها الثقافية ، فتتيح لأعضائها فرص التفاعل ضمن خصوصياتها ، وتقوم كل منها بأدوار وظائف تنويرية مختلفة ، فيتم من خلالها تنمية أفكار الأفراد ، وتعديل سلوكياتهم ، وتغيير مفاهيمهم للقيم والعادات ، وبالتالي إكسابهم معايير وأنماط سلوك معينة. وهكذا نجد أنه من خلال منظمات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها تتم عمليات تنويرية ومتعددة يتعليم منها الأفراد أفكاراً واتجاهات ويكتسبون من خلالها عادات وتقاليد ، فيتعلمون معنى الحق والواجب، وتحمل المسؤولية ، وفيها يختبر الأعضاء أفكارهم وخبراتهم وسط جماعة الأقران التي تتقبلهم وتحيطهم بالرعاية والاهتمام وفي أثناء ذلك ينشأ الفرد منسجماً مع أعضاء جماعته ، ومتماسكاً معها ، بما يمكنه من تحقيق أهداف منظمته في المجتمع.وهناك أيضاً الأندية على اختلاف أشكالها ، وهي تنظيمات اجتماعية تجمع أفراداً لهم ميول مشترك ، وهي تستهدف تنوير أعضائها وتدريبهم على بعض المهارات والقدرات الشخصية والحركية.وهذه النوادي بحكم تخصاتها في ألوان من الخدمات الثقافية والرياضية والاجتماعية فإنها تمارس أدواراً تنويرية لا تقل أثراً عن أدوار المنظمات الأخرى. ففيها يتعلم الأفراد أنماط السلوك والأفكار والعادات والقيم من خلال الاشتراك في الندوات والمحاضرات والمعارض وإشراكهم في ممارسة الألعاب الرياضية المختلفة ، وفقاً لقواعدها المتعارف عليه، وتعلم الهوايات والمهارات التي تناسب كل فرد ، وتلبي رغباته ، ثم يتعلم معنى العلاقات الاجتماعية التي تربط أعضاء الجماعة ، ودلالتها الاجتماعية ، وممارسة الحقوق والواجبات لأن ممارسة الألعاب الرياضية تفرض عليها مراعاة حقوق الغير، والاحتكام لقوانين متعارف عليها تتمثل في سلوكيات محددة متعارف عليها .وفي النوادي المختلفة يختبر الفرد قدراته ، ويمارس هواياته فيتعلم معاني كثيرة، ويمارس أدواراً متعددة، وقد يمتد تأثيرها إلى أفراد آخرين ، داخل البلاد وخارجها، بما يعني اتساع فرص نمو شخصيات الأفراد وتدريب قدراتهم، وصقل مواهبهم ، فعلى سبيل المثال: احتكاك اللاعبين المحليين بلاعبين آخرين على المستوى الدولي أو الإقليمي يتيح لهم فرص تنمية خبراتهم واكتساب أفكار وعادات جديدة.ولما كان المجتمع اليمني في الوقت الراهن يعاني من جملة من الأزمات فإنه يعول على منظمات المجتمع المدني للقيام بتنوير أفراد المجتمع ، والمساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية ، وتثبيت كيان المجتمع اليمني ،وحب الوطن .. ولذلك فإنه يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني في الوقت الراهن مسؤولية تنوير أفرد المجتمع بالقيم النبيلة ، بما من شأنه حفز الناس على حب الوطن والولاء له والتفاني في خدمته والحرص على وحدته وسلامة أراضيه ، والعمل على إثارة اهتمامهم وتفكيرهم بقضايا الأمة ، وخلق الرغبة لديهم لخدمة الوطن لا تدميره، والتعاون من أجل تطويره لا تخريب ممتلكاته، والحفاظ على أمنه واستقراره لا إقلاق أمنه وتخويف أفراده وإشاعة الفوضى في أوساطهم، وذلك من خلال تعزيز ثقافة المحبة والتسامح والتعاون ونبذ ثقافة الكراهية والبغضاء في السلوك والممارسة.