نيض القلم
إذا كان التغيير سنة من سنن الحياة، فإن الإسلام هو قمة التغيير نحو الأفضل في المجتمع البشري، فهو الذي غير حياة المجتمعات التي دخلها، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهو لم يعاند الطبيعة الإنسانية التي من لوازمها تغيير نمط الحياة فيها، وتغيير حياة الناس إلى المستوى الأفضل. فالإسلام يدعو إلى حرية العقل في التفكير، وحرية الرأي في التعبير، في حدود المبادئ التي أتى بها، والقيم دعا إليها، كما يدعو إلى أن يصدق المرء مع ربه في القول، ويخلص في العمل، ويراقب الله في تصرفاته، والخوف منه في السر وفي العلن. والإسلام كذلك يدعو المرء إلى أن يكون مبتغاه رضا الله في كل الأحوال وفي مختلف الأماكن والظروف، لذا فرض على أتباعه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما دعا إلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ويعترض على كل من يعتدي على حرمة الدين والوطن والحقوق العامة. ونهى الإسلام عن الخداع والتضليل والغش وتشويه الحقائق، لأن ذلك يؤدي إلى الطغيان والذلة والهوان، كما يؤدي إلى شيوع الكذب الذي يتنافى مع الإيمان، وهو مرض اجتماعي خطير، يقضي على المصارحة المطلوبة، ويضعف حرية الرأي المكفولة، مما يؤدي إلى إضعاف الأمة ويفكك وحدتها. والإسلام كذلك يحتقر المنافقين ويضعهم في الدرك الأسفل من النار، لأن المنافق يجبن عن المجاهرة بالرأي، لذلك هو يناهض الحق، ويخلف الوعد، ويغدر بالعهد، مما يجعله فاقد الكرامة، يظهر غير ما يبطن أو يضمر، وينطق بغير ما يتعقد، ويمدح المرء في حضوره، ويذمه في غيابه، فهو لذلك يخادع الله والناس. والإسلام في حقيقته وأصله يجعل حرية الرأي مبدأ عقائدياً وأساساً قوياً من أسس الدولة الإسلامية، ويجعل القول اللين أساساً من أسس الدعوة، يجعل حرية الإنسان تنتهي حيث تبدأ حريات الآخرين، فيبعد الإنسان عن كل ما يسيء إليه، ويمنعه من القيام بأعمال تسيء إلى مجتمعه أو تؤخر ركب تقدمه، وسير نهضته. ومن وسائل التغيير في الإسلام أن تعاليمه السامية ترشد المرء إذا ضل، وتعيده إلى الطريق السليم إذا زل، وتدعوه للامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه من اجل الصالح العام، ولذا فإن حرية الرأي في الإسلام مقيدة بالإخلاص والصدق بقصد الإصلاح، بحيث يكون الرأي وسيلة لتدعيم المحبة في المجتمع، وسبيلاً للنصح والإرشاد لعمل الأفضل. ولإحداث التغيير الإيجابي في المجتمع الإسلامي لا يسمح الإسلام بانتشار الإشاعة، ويحول دون شيوع الرأي الفاسد، حتى لا تكون فتنة، فالفتنة أشد من القتل، وفي الوقت نفسه يحث المسلمين على اجتناب كل ما يؤدي للتنافر والتطاحن، وإثارة الفتن وتأجيج الخلافات، وقطع روح المودة والإخاء بين أفراد المجتمع، لأنه دين يحث الناس على أن يحترم كل منهم الرأي الآخر ولو كان مخالفاً لرأيه، ويدعوهم إلى أن ينزهوا أنفسهم وألسنتهم عن الغيبة والنميمة والطعن في أعراض الناس والتجسس عليهم، لأن ذلك يؤدي إلى تفريق الكلمة، وضعف الأمة وإيذاء المجتمع. والإسلام في جوهره وأساسه يرفض الفساد، ويمنع استغلال النفوذ للحصول على مكاسب شخصية، وامتيازات ذاتية، على حساب حقوق الآخرين، فهو لذلك دين يحارب الضلال والخداع، ويدعو إلى مجابهة الكذب والنفاق، لما في ذلك من خطر على المجتمع. فالتغيير الذي ينشده المجتمع في ظل الإسلام يستوجب اتباع الوسائل الشريفة للوصول إلى الغايات، لا اتباع الوسائل الخسيسة لتحقيق الأهداف، فهو يرفض رفضاً باتاً مقولة ميكافيلي: (الغاية تبرر الوسيلة ) لأن هذه المقولة تتنافى مع مبادئ الإسلام وقيمه السامية.