من المهم أن يؤخذ في الاعتبار هذا الغليان الشعبي الذي تدور رحاه في بعض العواصم العربية على انه امتداد طبيعي من المطالب الشعبية التي أفاض الكتاب والسياسيون في تفصيلها وفي مقدمتها الحرية والكرامة و الديمقراطية وتوفير فرص العمل. ولا نغمط حق هذه الشعوب في المطالبة بحقوقها المشروعة وخاصة مطالبة الشعب اليمني بحقه في المواطنة المتساوية وتأسيس الدولة اليمنية الحديثة . وبديهي أن يعتقد البعض من الشباب على اختلاف انتماءاتهم أن نظام الحكم الحالي قد طال عليه الأمد وبات من الضروري أن تتحد كثير من الخيارات أمام مطالب الشعب اليمني وبشتى الوسائل التي تفضي إلى تغيير في آلية نظام تتوافق عليه كل الأطراف ويحتكم إليها فرقاء العمل السياسي، إلا انه من المنطقي وما لا يمكن أن يغيب عن الذهن وتتجاوزه المسافات الشرعنة لثقافة الإقصاء الجديد بحيث تصبح مقولة حميد الأحمر هي السائدة وأكبر من الدستور والأكثر فاعلية من القوانين التشريعية في البلاد حينما قال في نهاية العام 2010م قبل بدء الاضطرابات السياسية وموجة الاحتقان الشعبي (إذا لم يستجب علي عبد الله صالح لمطالبنا في النزول من الحكم وتسليم السلطة فإننا سنضطر للجوء إلى الشارع).وكان مدركاً وواعياً لما يقول مؤكداً حقيقة الاتكاء على أجندة خارجية تملي عليه سيناريو الهيجان الشعبي والسخط الجماهيري بدءاً بالاعتصامات هل المظاهرات ثم العصيان المدني وصولاً إلى التصعيد الثوري المسلح، لم هذا البدوي المتستر بعباءة والده مدرك ما هي الفرضيات التي سيسفر عنها هذا التصعيد الأرعن في وسط شعبي يمتلك القدرة على إشعال جذوه الفتنة في غضون بيان ساخط أو تعميم سياسي ممجوج وغاب عنه تلك المقولة الشهيرة (إنك تستطيع أن تأخذ حصاناً إلى النهر لكنك لا تستطيع أن تجعله يشرب ) فالرجل اعتمد على إمكانياته المالية المهولة التي حازها عن طريق التهرب من الجمارك والضرائب والإتاوات الرسمية بفعل القوة والقبيلة والنفوذ المشيخي وبمساعدة إعلامية بمنظومة متكاملة من القنوات الفضائية تقف على رأسها قناة (الجزيرة) في الخارج وقناة (سهيل) في الداخل وباستكتاب مجموعة من الأقلام التي نهضت بمهمة كتابة الأعمدة والمقالات الصحفية وفق برنامج مدروس ومعد له سلفاً بمؤازرة حثيثة ودعم لوجستي مطلق لتحالف أحزاب اللقاء المشترك وبمساعدة معنوية غير معد لها تمثلت في نجاح الثورة في مصر وتونس التي حققت ثمارها في تغيير النظام وقدرتها على قيادة الحصان إلى النهر وعجزها بعد ذلك عن جعله يشرب ليتكرر المشهد في اليمن والمتمثل في القدرة الفائقة على استدرار العواطف وتهييج المشاعر والضرب على وتر الثورة والحرية والعزة والكرامة لتندفع الجماهير بشكل عفوي وعاطفي إلى الساحات والميادين العامة والعواصم لبعض المحافظات وبشكل غير مألوف نظراً لتطابق بعض الغايات المشتركة بين حميد الأحمر الذي يسعى إلى التغيير واقتلاع أركان النظام والانقضاض على السلطة كثأر شخصي من الرئيس وأبنائه وأبناء أخيه حين حرمته الظروف من تحقيق الصفقات الرابحة في إطالة أمد عقود الامتياز لاحتكار كميات النفط الصادر من اليمن وما عداه من احتكارات أخرى للاستثمار التجاري في العديد من الجوانب الاقتصادية التي لم تعد خافية على احد لينبري اليوم هذا المتشدق باسم ريادة الثورة وقائد حركة التصحيح الثورية متحدثاً عن هموم الشعب وآمال الأمة وتطلعات الجماهير وحق المواطن في المستقبل الواعد والغد الأفضل والعيش الكريم متناسياً أن رصيده الضخم من المليارات المدخرة من ثروات الأمة في بنوك ومصارف العالم لم يبن منها مركز صحي أو مدرسة يستفيد منها أبناء مديريته خمر.
ثقافة الانقلاب وشرعنة الإقصاء
أخبار متعلقة