من يزور الحصبة في العاصمة صنعاء اليوم، ويرى ما أحدثته الأيادي الآثمة من عصابة أولاد الأحمر من دمار بمنازل المواطنين والوزارات والمقار الحكومية حتما سيخالطه شعور غريب وتتبادر إلى ذهنه عدة أسئلة، ومن ضمن ما سيشعر به من يزور الحصبة انه ليس في عاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء وانما في بيروت عقب العدوان الاسرائيلي عليها بداية الثمانينيات وأثناء الحرب الأهلية، أو أنه في مقديشو عاصمة الفصائل الصومالية المتحاربة. أما التساؤلات التي سيطرحها زائر الحصبة على نفسه فهي بلا شك كثيرة وكلها صعبة ولن يقتنع أي يمني بأن ما جرى له أسباب أو مبررات ضرورية كان ولابد أن تحصل كثمن مهم على اليمنيين أن يدفعوه من أجل هدف وطني ونبيل، فمهما كانت الأسئلة ومهما كانت الإجابات فإن ذلك لن يخفف من الأسى والحزن الذي يشعر به زائر الحصبة، فكل ما يهمه هو أن هناك منجزات وطنية ومقرات حكومية دمرت بلا مبرر، وأن هذه المباني التي دمرت أنجزها اليمنيون بصعوبة ومن أجلها تنازلوا عن جزء من أقواتهم وأقوات أطفالهم حتى تم بناؤها، والأكثر حسرة من ذلك أن زائر الحصبة سيشعر بأن تضحيات الشهداء ونضال اليمنيين الطويل عبر ثوراتهم العديدة لإقامة دولة يمنية حديثة يحكمها نظام وقانون ما هي إلاَّ أحلام عصفت بها عصابة أولاد الأحمر المارقة عندما مرت أياديها الآثمة لتعتدي على الإنجازات اليمنية، والمصيبة الأعظم من ذلك أن هذه العصابة تجد من يبرر لها شناعة فعلها وخاصة من رجال دين كبار كنا إلى وقت قريب نعتبرهم أصحاب الكلمة الفصل بين الحق والباطل، وإذا بنا نكتشف أنهم يقفون إلى جانب عصابة تحاول أن تجعل من نفسها نداً للدولة، ناهيك عن أن هذه العصابة وقفت - ولا تزال - أمام أحلام الشعب اليمني وتطلعاته ببناء الدولة اليمنية الحديثة.فما هو هدف عصابة أولاد الأحمر من تدمير المباني الحكومية ومحاولة جر البلاد إلى مستنقع العنف؟ وما هو المبرر الذي يجعل رجال دين كنا نعتبرهم كباراً يقفون إلى جانب هذه العصابة؟وإذا ما كنا نفهم الدوافع لعصابة أولاد الأحمر في محاولتهم جرنا إلى العنف، فإننا لا نفهم الدوافع التي تبرر لرجال دين تأييدهم.فأولاد الأحمر عرف عنهم أنهم كانوا وما زالوا حجر عثرة أمام تطلعات اليمنيين بسيادة النظام والقانون منذ قيام الثورة اليمنية حتى الآن، فهم يرون أن النظام والقانون وسيادته على الجميع يعني مساواتهم مع بقية أبناء الشعب وهو ما لا يريدونه فهم يرون أنفسهم أنهم أجل وأعظم من أن يحتكموا إلى قانون أو مساواتهم مع بقية أبناء الشعب الذين هم في نظرهم عبيد ووحدهم هم الأسياد، ناهيك عن أنهم ينظرون لليمن على أنها مزرعة لهم واليمنيون مجرد رعاع، وإقامة دولة تطبق القانون على الجميع تعني حرمانهم من هذه المميزات، ثم إنهم لا يريدون إلا دولة ترعى مصالحهم وتبقي على الفوارق الطبقية بينهم وبين بقية الشعب، أما ان تقام دولة تخضعهم للقانون فهذا مالا يناسب ألبابهم ومن أجل هذا أحدثوا كل هذا التدمير بالحصبة وغيرها ويحاولون جاهدين جر الدولة ومن ثم الشعب إلى العنف ظناً منهم أن هذا سيؤدي إلى اضعاف الدولة بحيث تعجز عن أن تنال منهم أو من مكانتهم. وهذه بعض الدوافع التي قد نقرؤها في تصرفات أولاد الأحمر وعصاباتهم المارقة.لكننا لا نرى دافعاً لتأييد بعض العلماء الدين لهم خصوصاً أن الإسلام قانون رباني يحمل في صميمه العدالة المطلقة والمساواة بين كل بني آدم، ناهيك عن أن هذا الدين الرباني صريح وواضح فالحلال فيه بين والحرام بين، ولا يمكن لأي كان سواء كان عالماً أو شيخاً أن يلتمس عذراً لمن يرتكب حراماً أو أن يبرر له فعلته، إضافة إلى أن هذا الدين يأمرنا بأن نقف مع الحق ومع صاحب الحق سواء أكان صديقاً أو عدواً، ولم يأمرنا بأن نقف مع الباطل نكاية بأهل الحق إذا ما كنا على خلاف معهم أو عداء، فإذا ما فعلنا ذلك فاننا بلا شك قد أنحرفنا عن جوهر الإسلام خصوصاً عندما يأتي هذا الانحراف من رجال دين كنا نعتبرهم أجلاء ويفترض بهم أن ينيروا بصائر الناس بحقيقة الإسلام وأن يحافظوا على عدم زج الإسلام بالسياسة وصراعاتها، إننا لا نرى في موقف بعض رجال الدين إلى جانب عصابة أولاد الأحمر إلا خروجاً عن جوهر الإسلام الذي نعرفه وأنهم ليسوا إلا مجرد سياسيين يتخذون الإسلام ذريعة ويؤولونه حسب هواهم ومصالحهم، إضافة إلى أننا نرى في موقفهم إلى جانب عصابة أولاد الأحمر محاولة لخلق أفغانستان يمنية ليسهل عليهم التخطيط لعمليات إرهابية ضد العالم بأكمله، أو أنهم يسعون لجعل الحصبة عاصمة للبابوية الإسلامية كما هي حال البابوية المسيحية الفاتيكانية في روما، وبالتالي إذا ما تحقق لهم ذلك فإنهم سيصبحون أصحاب الحق في إعطاء صكوك الغفران لمن يشاؤون وتكفير من يشاؤون، فهم يعتقدون أن وقوفهم الى جانب عصابة أولاد الأحمر يعني امتلاكهم للثروة، وفي هذه الحالة وبما يمتلكونه من مكانة دينية يعتقدون أنه يحق لهم أن يكونوا أصحاب الحق في تكفير من يشاؤون والغفران لمن يشاؤون، لكننا نقول لهم هيهات أن تنالوا آمالكم الخبيثة هذه، فالشعب اليمني قادر على الحفاظ على بلده ودولته ويعي تماماً أن أولاد الأحمر مجرد عصابة وأن رجال الدين هؤلاء مجرد رجال سياسة، والشعب اليمني لن يسمح بإقامة بابوية الحصبة على غرار الفاتيكان في روما، كما أن من احدث الدمار في الحصبة يجب أن تناله يد العدالة، مهما كانت قوته او ثروته ففي النهاية ما هم إلا مجرد أفراد كبقية الشعب اليمني، ويجب إخضاعهم للقانون لكي نعيد الشعور إلى الانسان اليمني بأن نضالاته لم تذهب هدراً وأن هناك دولة قادرة على القضاء على هذه العصابة ومحاكمتها على ما اقترفته من جرم بتدمير منجزات الشعب اليمني.
لن تكون الحصبة كالفاتيكان في روما
أخبار متعلقة