د. زينب حزام قليلة هي تلك المعارض التي يتحول مرتادوها إلى جزء منها، إلى أبطال للوحاتها، يخرجون ويدخلون، يقفزون خارج إطاراتها ليستريحوا قليلاً ويتنزهوا، ثم يعودون ليكملوا التكوين ثانية. وأحياناً يحدث شيء آخر حينما ينظر المشاهد للأعمال الفنية التي تقدمها ريشة الفنانة التشكيلية السعودية شادية عالم ومنها ولوحة ( مدارج ) زيت على قماش ولوحة ( جمار ) وتعد هاتان اللوحتان غاية في الدقة والجمال والهارمونية. فلماذا يحدث ذلك؟ هل هو الخيال الجامح؟ أم هو التعب والإرهاق؟ هل الخوف والتوق إلى الراحة: راحة الضمير والروح وكل شيء؟! إن المتأمل للوحات الفنانة الرائعة شادية عالم، وهي فنانة سعودية نشأت في بيئة عربية محافظة بين الخضرة اللامعة تحت وهج الشمس، ففي هذه الأمكنة المنفتحة إذا افترض الإنسان الأرض فإن عيناها تتوهمان وتبحران مسافات تتجاوز حدود البصر بينما يبقى الجسد ملتصقا بصلابة الأرض، بخشونة النهار ونعومة الليل، ويبقى الجسد يستنشق الحياة من لهب التنور وبذور الزيت وهذا ما نجده في لوحتها زيت على قماش التي أسمتها ( حميم ) لقد فتحت الفنانة التشكيلية السعودية (شادية عالم ) عينيها على جمال بريء وشاء لها الله أن تمتلك عيناها جمال وروعة الألوان منذ طفولتها، هذا النور الذي وجد في حسها كفنانة تشكيلية تعبر عن هموم مجتمعها، فضلاً عن ذلك امتلأ قلبها بحب الحكايات الشعبية والأمثال والحكم والقصص الشعبية المأخوذة من التراث ومنها القصص التي تتناقلها ذاكرة الشعوب الجمعية والتي تكون أضافت إليها أو بدلت وغيرت بحسب طبيعة التفكير السائدة والمسيطرة وبحسب الاحتكاك الثقافي والمعرفي الناتج عن تاريخ وجغرافية المكان، حيث قدمت الفنانة التشكيلية السعودية لوحات تبين أن الصبر مفتاح الفرج مثل لوحتها المعبرة ( رواح 6 ) ولوحة ( مسد ). إن تحسسها للون وعشقها للتراث الشعبي الذي تستمد منه لوحاتها الفنية جعلها تدرس الفن التشكيلي وتطلع على الأعمال الفنية العالمية ولم تقف إزاءها مبهورة وإنما راحت تتأملها باذلة أقصى جهد لإدراكها والتفاعل معها.. وهكذا بدأت شخصية الفنانة التشكيلية السعودية ( شادية عالم) تنمو وتتطور نحو الفن الأصيل، فقد راحت تحاكي الطبيعة والتراث والتاريخ والقيم والعادات والتقاليد الشعبية في مجتمعها المحافظ، فاستخدمت ألواناً صحراوية باهتة أو داكنة رمادية وكأنها تحاول طرح الطبيعة بكل ما فيها من تفاصيل وحركة لتحور الحياة من خلالها، فالطبيعة هي الحياة. إن ملامح الشخوص التي جاءت في لوحاتها الفنية مزيج من فن السعودية القديم والفن الإسلامي فاللوحة مسطحة ومقسمة إلى وحدات بينما الوجوه تحاكي الملامح العربية المأخوذة من المجتمع العربي. [c1] عمل جاد للحفاظ على التراث الإسلامي والعادات والتقاليد في المجتمع السعودي[/c]من هنا نجد أن لوحات الفنانة التشكيلية السعودية شادية عالم تتوزع أشكالاً عدة في موقف واحد: الإنسان في مجابهة هموم الحياة اليومية والسعي إلى الأفضل، وهي فنانة تشكيلية تحمل الأمل بتجاوز حالة اليأس، رغم أن غمامة اليأس والحزن والمعاناة تبدو معتمة وتوشك أن تحجب رؤية الأفق. ومن خلال أعمالها الفنية نستطيع كذلك أن نرى البيئة التقنية التشكيلية.. تبدو الأعمال غير مألوفة فالوجوه لا تصحو على ملامح واضحة، بل هي أقرب إلى الرسم الكاريكاتيري أو التعبيرية الوحشية، أحياناً.. وإن كانت الخطوط تبدو عفوية وبدائية.. كذلك الألوان، لكن بعضها يحمل انطواء طفولياً. اللون الحار الذي يسيل من الخارج كأنه مستخرج تواً من أنبوبة الزيت.ويبقى السؤال: هل استطاعت الفنانة التشكيلية شادية عالم النجاح في تمثيل الموقف عبر شكل جديد في أعمالها الفنية الجديدة وتناولاتها الفنية السابقة؟ في اعتقادي - وهو اعتقاد قد يلتقي معه أو يتفق معه كل الذين أعجبوا بأعمالها الإبداعية - أنها فنانة مبدعة فعلاً واستطاعت تقديم التراث السعودي الخالد، واستخدامه بشكل معاصر.. وهي فنانة تحمل طاقة فنية هائلة وقيمة جمالية سامية.. لذا نجد أن كل لوحاتها الفنية قادرة على التعبير عن جماليات الألوان والخطوط والأشكال والفراغات لأنها تحمل قيماً جمالية صوتية مسموعة ولأن اللوحة الفنية التشكيلية ترشف بوساطة العين بينما القطعة الفنية الموسيقية ترتشف بوساطة الأذن. وهكذا لكل فنان ألوانه التي تعتبر وسيلة ارتشافه والتواصل بينه وبين الجمهور.. والفنانة التشكيلية السعودية تتواصل مع جمهورها بالألوان المعبرة عن عادات وتقاليد شعبها. ويجد المشاهد للوحات الفنانة التشكيلية شادية عالم أنها كثيراً ما تستخدم تعبيرات القسوة والنظرة المتعجرفة لتوضح غرور بعض الناس الذين رسمتهم.. وكثيراً ما اهتمت بالبهجة والبراءة في ألوانها وتفاصيل عن البيئة التي تعيش فيها ورسمت الأحياء الشعبية والعادات والتقاليد في المجتمع السعودي.. كما رسمت الشخصيات المؤثرة في حياتنا الاجتماعية.
|
فنون
عالم الفنانة التشكيلية السعودية شادية مرتبط بالتراث الشعبي والحياة اليومية
أخبار متعلقة