قال حميد الأحمر لصحيفة (( الواشنطن بوست )) الأميركية هذا الأسبوع إنه سيوافق على الترشح لرئاسة اليمن «إذا ما قاموا بترشيحي معتقدين أنني الرجل المناسب»، لكن أخاه الأكبر الشيخ صادق قال لنفس الصحيفة إنه لا ينصحه «أن يتولى الرئاسة». ويبدو أنه وبينما يواصل الشعب اليمني ثورته السلمية في ظل ظروف قاسية وأزمات طاحنة، ينشغل أبناء الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر بتقاسم «غـلـة» ثورة الشباب السلمية وكأن هذه الأخيرة مجرد «جِــربـة» في العصيمــات.«لا ينتمي حميد الأحمر إلى الحزب الحاكم داخل اليمن أو إلى الجيش. ولا يحوز منصبا رسميا في الحركة المعارضة اليمنية، ولا يمكنه الزعم بأن لديه مكانة كزعيم ديني»، هكذا قدم سودارسان راغافان الشيخ الأحمر في تقريره الذي نشرته الصحيفة الأميركية الشهيرة في الثالث من الشهر الجاري وترجمته صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية وأعاد نشر ترجمته عدد من المواقع الإلكترونية، واستدرك الصحفي قائلا إنه ينتمي «إلى العائلة القبلية الأقوى داخل اليمن». لكن كل ما قاله الشيخ الشاب البالغ 43 عاما في مقابلته كشف أنه ينتمي أكثر إلى جهة أخرى: الوقاحة. لا يبدو انشغال حميد الأحمر وإخوته في تقاسم «غَـلَّـة» الثورة أمرا عابرا عكسته تصريحات طائشة على لسانه ولسان أخيه الأكبر، بل يبدو آتيا في سياق متكامل من الاستعدادات والتحضير لهذا الاستحقاق. وهذا بالضبط ما بدا واضحا في مقدمة التقرير الذي أكد أن أبناء الأحمر مجهزين فاتورة عما قدموه للثورة من أجل اقتطاع حصة كبيرة من دولة ما بعد الثورة. فسواء من خلال التصريحات التي أوردها التقرير على لسانه كما تلك التي نقلها للصحفية وأوردتها باعتبارها حقيقة ساطعة، تعمد الأحمر إظهار أن الثورة السلمية في اليمن ليست ثورة الشعب اليمني بل ثورته هو فيما يبدو بمثابة استثمار تجاري. يقول التقرير: «وقد قام الملياردير بتمويل مسيرات احتجاجية في 10 محافظات، ووفر كل شيء لهذه المسيرات بدءا من الميكروفونات وانتهاء بوسائل المواصلات».هذه سرقة واضحة لتضحيات ملايين اليمنيين الذين تدفقوا الى ساحات الثورة وساهموا في استمرارها حتى الآن بجهودهم الذاتية ناهيك عن كونها سرقة لمليارات الريالات التي تبرع بها الشعب اليمني وما يزال لصناديق التبرعات التي يسيطر عليها حزب الإصلاح الذي ينتمي إليه حميد. وفي سياق عملية سرقة الثورة التي يقوم بها، وجه إهانة بالغة لشباب ورجال ونساء الثورة السلمية في اليمن، إذ يظهرهم في صورة المرتزقة والمناضلين المأجورين الذين يتقاضون أجرا لقاء مشاركتهم في الثورة من قبل الملياردير حميد، ولم تكن تلك هي الإهانة الوحيدة التي وجهها لثوار وثائرات اليمن!مطلوب من الأحمر اعتذار صريح ومعلن في الحال لكل شباب ورجال ونساء الثورة السلمية ولشهدائها وجرحاها ومعتقليها بوجه خاص، وللشعب اليمني قاطبة الذي لم يتوقف يوما عن تقديم التضحيات على مذبح نظام صنعاء طيلة العقود الماضية. فمن يقرأ التقرير من مقدمته التي أوردت أكذوبة تمويله الشامل للثورة في 10 محافظات الى خاتمته، لن يجد خيطا واحدا يقول له إن هناك ثورة عظيمة يقوم بها ملايين الأحرار والشرفاء من أبناء وبنات هذا البلد قدرما سيخلص إلى أن كل ما هنالك هو ثورة تشارك فيها حشود من المرتزقة أو في أحسن الأحوال الثوار العالة على خزائن الملياردير! لن تجدوا في هذا التقرير اليمن وناسه أبدا، بل حميد الذي أظهر هذا الشعب وكأنه «عالة» عليه وبلاكرامة وأنه لم يخرج في ثورة إلا حين ثار هو.لم تكن تلك مجرد هفوة أفلتت من لسانه دون قصد، بل كانت بداية سياق كامل من المساعي الحثيثة التي بذلها الرجل لإيصال صورة مغلوطة عن الثورة الشعبية في اليمن الى الولايات المتحدة والغرب على أنها ثورته. فحتى في التغطية الإعلامية للثورة، يغيب الصحفيون والإعلاميون ويحضر حميد. فقد قال إنه مشترك شخصيا في «توجيه تغطية الأحداث» في شبكته التلفزيونية، وقد حرصت الصحفية على تقويس عبارة «توجيه تغطية الأحداث» التي تعطي المتابع الغربي صورة سلبية ومدمرة عن ما يوصف بـ «إعلام الثورة اليمنية» من قبل هذا الإعلام نفسه. ففي الغرب، يشكل التدخل السياسي أو الإداري من قبل ملاك القنوات الإعلامية والصحف إلغاء لمصداقية هذه القنوات والصحف وإهانة للعاملين فيها. وقد تصورت الصحفي يبتسم مستغربا وهو يقوم بتقويس العبارة، ولابد أنه بذلك لم يقوس فقط اعترافا خطيرا من حميد بأنه يتدخل مباشرة في «شبكته الإعلامية» وإنما كان يقوس غباء الرجل أيضا.يبدو حميد في هذا التقرير في صورة يرثى لها. فهو لم يوفر جهدا لإظهار أن الثورة ثورته حتى وإن مثل ذلك إحراقا لكل شيء، وكلما بذل جهودا مضنية لإثبات وبدا أنه اقترب من هدفه صبت جهوده هذه في مكان آخر: تأكيد غبائه. وهذا ما حدث بالتالي في الفضيحة التالية التي ألحقها بالأولى والتي ستكون لها انعكاسات خطيرة على قناة شهيرة كقناة «الجزيرة» لم تنج هي الأخرى من اعترافه الخطير. فقد قال «إنه عمل بشكل وثيق مع قناة «الجزيرة» باللغة العربية من خلال «تحضير العديد من الأخبار التي حدثت على أرض الواقع» حتى بعد أن قامت الحكومة اليمنية بحظر الشبكة». وقد قوس الصحفي هذه العبارة أيضا ولابد أنه ابتسم لهذه الجائزة الكبيرة التي ستدخل تاريخ القناة القطرية كوصمة ولابد أنها ستشكل ضربة قاسية لطاقمها الرئيسي في الدوحة وبالطبع لزملائنا في مكتب اليمن.«الفـشر» قاتل والاشتراك مع أخرق في عمل ما مخالف للقيم يؤدي الى المهالك، هذا هو عنوان العلاقة المظلمة بين قناة «الجزيرة» وحميد الأحمر. فالقناة التي تورطت ومنحته حق التدخل في تحضير العديد من أخبارها الصحفية، وهو أمر مشين، لم تضع بالتأكيد في إعتبارها حاجة الرجل الى «الفَـشـر». ولكم يبدو «فَـشر» حميد الأحمر مكلفا وكارثيا: إنه فضيحة إعلامية كبيرة ستخصم من سمعة القناة ومصداقيتها وستساهم في تقويضهما تماما.الإنسان العظيم هو من يسمو بمن حوله وتشعر في حضرته بالعظمة. لكن حميد الأحمر، كما يبدو في هذا التقرير على الأقل، ينتمي إلى مكان آخر غير العظمة. فحضوره يأتي على حساب الجميع وكل شيء. من حضوره في ثورة الشباب السلمية التي غيب الثوار والشعب اليمني قاطبة وأظهرهم كشعب من المرتزقة أو العالة على خزائنه في أحسن الأحوال إلى حضوره في التغطية الإعلامية الخبرية لـ «شبكته الإعلامية» التي غيب طاقمها ومحرريها ومراسليها وأظهرهم في صورة مهينة ومشينة كصحفيين غير محترمين، إلى حضوره في التغطية الخبرية لقناة (الجزيرة) التي غيب دور مراسليها في اليمن وطاقمها في الدوحة وأظهرهم بصورة مهينة ومشينة بشكل أشد، لا يبدو حضور حميد إلا كتغييب وإهانة لكل شيء. وقد نال قادة اللقاء المشترك قسطهم من هذا التغييب والإهانة في ظل حضور حميد.لم ينس التقرير التطرق إلى المواجهات المسلحة التي شهدتها منطقة الحصبة في صنعاء بين مسلحي بيت الأحمر والإصلاح من ناحية وقوات الرئيس علي عبدالله صالح من ناحية أخرى في مايو الماضي، ولكنه ركز خلال تطرقه إليها على نقطة رئيسية ألا وهي صورة ووضع قادة المعارضة خلال تلك الأحداث. يقول: «وخلال الاضطرابات التي سادت البلاد، كان المنزل بمثابة ملجأ لقادة المعارضة السياسيين الذين كانوا يتوجهون طالبين النصح من الأحمر، على الرغم من أنه يصغر الكثير منهم في السن». لا يبدو قادة المعارضة السياسية في اليمن في صورة قادة ثورة ولا حتى في صورة ثوار عاديين على الإطلاق قدر ما يبدون في صورة مجموعة من السياسيين الهواة والجبناء المرتجفين، وهي صورة تمنح بيت الأحمر صورة ووضع المعارضين والثوار الحقيقيين والوحيدين في البلاد طالما أن بيتهم كان خلال حرب هم طرف فيها ملجأ لقادة المعارضة.وقد تعززت هذه الصورة لتي ترسمها هذه المعلومة عن قادة المعارضة لدى الصحفية وقارئ تقريرها الغربي بالتالي بتزامن وقت إجراء المقابلة مع وجود هؤلاء القادة في مكان إجرائها، وهو حدث يتوجب على أولئك القادة التعساء التفكير جديا بمدى احتمال أن يكون حميد وليس الصدفة من خطط لحدوثه. فالتقرير أشار إلى وجودهم أثناء المقابلة وقد بدوا في عين الصحفية على هذا النحو: «وكان القادة، الذين يعرفون باسم أحزاب اللقاء المشترك، يقومون بمناقشة الإستراتيجية ومضغ القات». هذه هي الإشارة الوحيدة التي تضمنها التقرير إلى وجود قادة المشترك كما بدا في عين الصحفية وحديث حميد الذي لم يتطرق لأي دور لهم سوى في مناسبة وحيدة كان بحاجة ماسة فيها إلى الهروب إلى صف القادة والالتحام بهم. فقد تابعت الصحفية بعد إشارتها سالفة الذكر لوجود قادة المعارضة مباشرة: «وقد انزعج الأحمر، الذي يرتدي ثوبا تقليديا أبيض ويضع خنجرا كبيرا داخل حزامه، لدى سؤاله عما إذا كان قد تلوث هو وشخصيات معارضة أخرى نظرا لعلاقتهم الوثيقة بصالح في الماضي. وقال الأحمر: لكي أكون عادلا، علي أن أذكر أنه من دون أحزاب اللقاء المشترك ومن دون بعض هذه الشخصيات، لم تكن الثورة لتصل إلى ما وصلت إليه. وإذا لم يقدر بعض الناس دور بعض القادة، فلن يقدروا حقوق الآخرين».لكن اعترافه وحديثه عن دور المعارضة كان اعترافا وحديثا عن دور هامشي لا تبدو حصة الحقيقة منه حاضرة بقدر حصة المجاملة. فقد بدا اعترافه بـ «لكي أكون عادلا، علي أن أذكر أنه من دون أحزاب اللقاء المشترك..» واستكثر الاعتراف لكل القادة الحاضرين بهذا الدور فخصص بقوله «ومن دون بعض هذه الشخصيات» (ربما يقصد الإصلاحيين!). وفي كافة الأحوال، فإن اعترافه هذا بالدور الهامشي للمعارضة في الثورة قد عزز من محورية دوره أكثر مما خصم منه، لأنه أكد أن دور أحزاب المعارضة جميعا في البلاد يحضر على هامش دوره الذي يحتل متن المشهد.لاحظوا أنه لم يعترف بدور المعارضة في الثورة إلا حين واجه سؤالا محرجا عما إذا كان قد تلوث مع معارضين آخرين خلال علاقتهم «الوثيقة» بصالح في الماضي، ومع هذا، فقد كان اعترافه شحيحا للغاية. ويكشف هروبه في هذه الإجابة عن نفسية وذهنية الرجل: فحين يتعلق الأمر بـ «المغنم» يقصي شركاءه من أي دور، وحين يتعلق بـ «المغرم» فأنه يلتفت إليهم ويلحقهم به وليس يلتحق بهم طبعا.حميد الأحمر هو علي عبدالله صالح، ولكن في الـ43 من العمر. وهذا لا يشكل سوى الخبر السيئ فقط. الخبر الأسوأ: أنه بدأ من حيث انتهى صالح. فالأخير لم يصل إلى هذه الدرجة من التنطع والغرور وإقصاء وإحتقار الشعب اليمني وشركائه السياسيين إلا بعد أن قطع شوطا طويلا في الحكم وتوريثه، في حين أن الأحمر الشاب باشر في هذا السلوك قبل وصوله إلى الرئاسة التي أفصح أخيرا عن أطماعه بها. لكن الغالب أن إقصاءه وإهانته واحتقاره للشعب اليمني لن توصله إلى رئاسة البلاد على ظهر ثورة شعبية قامت أساسا ضد الإقصاء والإهانة والتحقير، بل ستوصله إلى نهاية صالح دون المرور بالرئاسة. لم يزر حميد الأحمر ساحة التغيير في صنعاء منذ تأسيسها في فبراير الماضي، وقد عزا «سارداسان غرافان» في تقريره الذي نشرته «الواشنطن بوست» مؤخرا ذلك إلى إدراكه أنه لن يلقى ترحيبا هناك في حين أعاد حميد نفسه ذلك إلى أمر آخر. قال: «لا أريد أن يقول أحد إن حميد الأحمر جاء ليسيطر على الثورة وإنه يريد أن يجعل نفسه زعيم اليمن». لكن عدم زيارته للساحة حتى الآن يعود على الأرجح إلى أمر آخر تماما.يعتبر علي عبدالله صالح نفسه «الدولة» و»الوطن» وهذا ما بدا واضحا في سائر خطاباته كما في الشعارات واللافتات التي رفعها مؤيدوه في ميدان السبعين في فعاليات أيام الجمع الجماهيرية خلال فترة ثورة الشباب السلمية، وقد عكس ذلك 33 عاما من ممارسة الحكم من موقع «أنا فوق الدولة والوطن». في المقابل، يعتبر حميد الأحمر نفسه «الثورة» كما يبدو واضحا في أغلب تصريحاته خلال فترة الثورة والتي كان آخرها تلك التي أدلى بها في مقابلة أجرتها معه الصحيفة الأميركية ونشرت تقريرا عنها في الثالث من سبتمبر الجاري، وقد تصرف بالتوازي مع هذا كرجل فوق الثورة والثوار وفوق الدولة المستقبلية المرتقبة أيضا. وهذه الفوقية انعكست في رده على سؤال حول نيته الترشح للرئاسة مستقبلا: «إذا رشحوني واعتقدوا أني الشخص المناسب، نعم، ولم لا؟».قد تبدو هذه الإجابة عبارة عادية تصب في سياق العملية الديمقراطية وتعكس احترام قائلها لإرادة الشعب، الركيزة الأساسية للدول الديمقراطية حيث يسود حكم القانون والمواطنة المتساوية. لكنها في الواقع عبارة مضادة للديمقراطية ودولة القانون والمواطنة المتساوية. وإليكم تشريحا لهذه العبارة الخطيرة.تذكر عبارة حميد الأحمر هنا بحادثة معروفة في الوسط البرلماني والأوساط السياسية والصحفية في اليمن كان والده الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله بطلها. في إجراءات الترشح للانتخابات الديمقراطية على أي موقع، من المعروف أن من يرغب ترشيح نفسه يتقدم إلى الجهة المعنية بطلب ترشيحه، وفي ما يتعلق بالترشح لموقع سيادي كرئاسة البرلمان والدولة حيث يكون مضمار التنافس عادة بين أحزاب، يتعين على المرشح أن يقدم طلب ترشح إلى حزبه ليقدم الأخير طلب ترشيح باسم هذا المرشح إلى الجهة المعنية. وقد كان على الأحمر الأب أن يقوم بهذه الخطوات تقريبا في الانتخابات البرلمانية لعام 1997.لكنه كان يعتبر نفسه مرشحا غير عادي. لذا، رفض تقديم ورقة طلب ترشيح لمنصب رئيس مجلس النواب، وهو إجراء روتيني تفرض لوائح المجلس على كل مرشح المرور به. وأضطر المجلس إلى قَـلْـب معادلة الترشح رأسا على عقب: تقدم المجلس إليه بدلا من ذلك بورقة طلب فيها الأخير منه الموافقة على ترشيحه له لرئاسته في حادثة استثنائية لم يشهد تاريخ الانتخابات البرلمانية في سائر بلدان العالم وتاريخ الديمقراطيات كلها مثيلا لها. وقد تفضل الأحمر الأب مشكورا بالكتابة على الورقة: «أوافق على الترشح». قد يبدو هذا الخرق الذي تغاضى المجلس عنه إرضاء للأحمر الأب بمثابة خرق بسيط وشكلي للوائح الإجرائية المنظمة للعملية الديمقراطية لا تأثير عليه كبيرا في مسار الأخيرة، لكن الدول والديمقراطيات منها خاصة مثل البيوت يبدأ انهيارها بذرة من الرمل. تعالوا نلقي نظرة على كلفة وتبعات وأبعاد هذا الخرق أو ذرة الرمل هذه بعبارة أخرى.المكان الذي سقطت منه ذرة الرمل هذه يحتل أهمية بالغة الحساسية والخطورة: قبة البرلمان. وقد شكل هذا السقوط بداية انهيار القبة التي يجري تحتها تشريع القوانين كافة، وبشكل متعمد من قبل فرد من المفترض أن يحرص على إظهار أقصى درجات الاحترام والالتزام بالقانون لأنه يقدم نفسه لممثلي الشعب في مضمار التنافس على موقع رئاسة السلطة التشريعية في البلاد. (إذا كان مرشح رئاسة للسلطة التشريعية لا يحترم أبسط القوانين الإجرائية الشكلية التي يتوجب عليه الالتزام بها في طريقه إلى هذا الموقع، ما الذي سننتظره منه عند مزاولته مهامه بعد وصوله إلى هذا الموقع من قوانين؟). وقد عبر رضوخ البرلمان لرغبة فرد من أبناء الشعب، هو الأحمر، عن رضوخ أعلى سلطة دستورية في البلاد لمزاج هذا الفرد ومثل اعترافا صارخا منها بأنه يقف فوق القانون والعملية الديمقراطية.هذا الاعتراف شكل اعترافا بالتمييز بين مرشح وبقية مرشحي موقع رئاسة البرلمان. ففي حين يتوجه الجميع إلى سلطة أعلى منهم بطلب الاشتراك في عملية التنافس الديمقراطية، كان على الأخيرة برمتها أن تتوقف حتى تتوجه السلطة التشريعية، وهي أعلى سلطة في البلاد، إلى الأحمر طالبة منه الترشح للانتخابات وراجية موافقته. وقد شكل هذا اعترافا من أعلى سلطة في الدولة بأن هناك مرشحا استثنائيا، أو (مرشحْ سوبرْ)، يتمتع بموقع استثنائي دون الآخرين. إن صيغة «أوافق على الترشح» تلتهم مبدأ دولة القانون القائل بأن «القانون فوق الجميع» إذ تضع هذا الشخص المميز فوق القانون والعملية الديمقراطية وأعلى سلطة في الدولة، وفوق جميع أفراد الشعب بالتالي.واقع المرشح السوبر الذي فرضه الأحمر الأب تحت قبة البرلمان واعترف به الأخير مثل تكريسا واعترافا بواقع مواز خارج هذه المؤسسة الحساسة: واقع المواطن السوبر، وهو واقع تمييزي يحيل إليه ويشرعنه موقع المرشح السوبر الذي اجترحه لنفسه ليس خارج دائرة ممثلي الشعب فحسب، وإنما أيضا وبالنتيجة خارج دائرة أفراد الشعب. لقد مثل رفض الأحمر الأب لصيغة «أطلب الترشح» ليس رفضا لدولة القانون والديمقراطية فقط وإنما قبل ذلك لدولة المواطنة المتساوية، وقد شكل تعديلها إلى «أوافق على الترشح» اعترافا صريحا بدولة التمييز في المواطنة.لم يكن الأحمر الأب الوحيد الذي يتمتع بوضع المرشح والمواطن السوبر، لم يكن الوحيد الذي يقف فوق الجميع. فإلى جانبه، كان هناك مرشح ومواطن آخر يشاركه صفة سوبر ويقف فوق اليمن واليمنيين: علي عبد الله صالح الذي قال عشرات المرات خلال الثورة بأنه غير متمسك بالسلطة وليس متشبثا بها وأن «السلطة مغرم وليست مغنم». لكنه كلما كان يكرر هذه العبارة أكثر، كان تشبثه بالسلطة يزداد ويعبر عن نفسه بسفك دماء اليمنيين. لم تكن هذه المفارقة سوى جزء من مفارقة طويلة امتدت طيلة 33 عاما من حكم الرجل الذي قال قبل صعوده إلى الرئاسة للأحمر الأب ما مفاده إنه لا يريد البقاء في الحكم أكثر من أسبوع واحد للانتقام من قتلة سلفه أحمد الغشمي، كما أفاد الشيخ الراحل في برنامج «مهمة خاصة» الذي بثته قناة الجزيرة قبل أعوام. .لقد بدا قراره عدم الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2006 مفاجئا للرأي العام الخارجي والداخلي وقد ركزت القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العربية على هذا القرار باعتباره نهائيا وأتذكر أن بعض الحوارات التلفزيونية تركزت عام ذاك على السؤال التالي: لماذا لا ينحو حسني مبارك وزعماء عرب آخرون منحى الرئيس اليمني الذي بدا بطلا قوميا للزهد في الحكم؟ لكن ما لم تكن تعرفه تلك القنوات هو أن هذا القرار أتى ضمن سلسلة من القرارات المماثلة التي تبدأ منذ بداية حكمه. ففي انتخابات 1999، أظهر صالح عدم تشبثه بالحكم على نحو مماثل. وقبل ذلك بـ 13 عاما، أقدم على خطوة أبعد في تأكيد زهده في الرئاسة بل وأبدى كراهية للاستمرار فيها. هل تعرفون أنه قرر رسميا ذات مرة عدم الترشح للرئاسة مجددا وبقي ثلاث ساعات خارج الحكم؟ حدث هذا عام 1986 حين قدم قراره هذا لمجلس الشعب التأسيسي (المجلس التشريعي في الشمال حينها) وعاد إلى منزله حيث أنتظر بفارغ الصبر وفقا لرواية أحد شهود تلك المرحلة وصول وفد من المجلس يطالبه ويترجاه العدول عن قراره. وقال الشاهد نقلا عن شخصية مرموقة تولت إيصال طلب المجلس إلى صالح رجح أنه الحجري إن الأخير مازحه قائلا: «الآن أنت مواطن ولست رئيسا» وأن الانزعاج طفح على وجهه من هذه المزحة «الثقيلة!». وأضاف نقلا على لسان الرجل قوله إنه شعر لحظتها أن الساعات الثلاث تلك كانت أقسى ثلاث ساعات في حياة صالح.تلخص هذه الحادثة كل شيء بشأن التشبث بالسلطة في ظل الإدعاء بعدم الرغبة بها، بقدر ما تثير سؤالا: لماذا يلجأ صالح والأحمر إلى هذه الادعاءات المكشوفة؟ سبق لي أن قدمت عرضا لسلسة قرارات العدول عن الترشح التي اتخذها صالح في آخر حلقة (الثالثة) من مقال متسلسل حمل عنوان «انقسام الذات لدى علي عبدالله صالح»، وهي الحلقة التي تطرقت فيها أيضا إلى واقعة رفض الأحمر الأب تقديم طلب الترشح لرئاسة مجلس النواب، ونشرتها صحيفة «الثوري» الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني قبيل انتخابات الرئاسة 2006. وقد بينت في تلك الحلقة أن صيغة «أوافق على الترشح» تلتهم مبدأ المواطنة المتساوية ومبدأ دولة القانون. وأكثر من هذا وذاك، هناك أمر آخر تفضي إليه هذه الصيغة ويجر تبعات كارثية.صيغة «أطلب الترشيح» تحيل إلى المنافسة بين مجموعة من المواطنين على الفوز بمناصب في الدولة سيمارسون فيها واجباتهم الوظيفية في خدمة الشعب. وعندما تؤدي عملك كرئيس للبلاد أو مجلس النواب باعتباره واجبا، فإن هذا يعني انك ستخضع للمساءلة والمحاسبة من قبل الشعب والدولة عند تقصيرك في أداء هذا الواجب. أما صيغة «أوافق على الترشيح» فإنها تحيل إلى انعدام المنافسة الديمقراطية بين المواطنين على الفوز بمناصب في الدولة لأنها تعترف بوضع مميز واستثنائي لفرد أو أفراد بعينهم يقفون فوق عملية التنافس والديمقراطية والشعب والدولة بشكل عام. وهي تحيل الى أن مزاولتهم مهامهم في مواقع الدولة لا تأتي كواجب تجاه الشعب والبلد وإنما كـ «مكرمة». والمكرمة بالطبع تلغي مبدأ الخضوع للمساءلة والمحاسبة من حيث المبدأ.لا يمكن فهم عبارة «السلطة مغرم وليست مغنم»، التي درج الرئيس صالح على ترديدها خارج مفهوم تعامله مع مهمته كرئيس للجمهورية باعتبارها «مكرمة» وليست واجبا ومسئولية. ومن أجل تكريس هذا المفهوم المنحرف للسلطة، كان يقوم بتحشيد الجماهير لمناشدته العدول عن قرار عدم الترشح بعد إعلانه معتمدا على فكرة أساسية عمل على ترسيخها طيلة حكمه، ألا وهي أنه المرشح الأوحد الذي يستطيع الإمساك بزمام البلاد وحفظها من الانزلاق نحو الهاوية، وهذه مسألة معروفة للجميع وتعبر عن نفسها بصور مختلفة في الخطاب السياسي والإعلامي وقد بلغ هذا الأمر ذروته في ميدان السبعين حيث ارتفعت على الدوام لافتات وشعارات تقول إن صالح هو «الوطن» وإن رحيله سيشكل انهيارا للأخير. لم يقل حميد في مقابلته مع «الواشنطن بوست» هذه العبارة حرفيا، ولكن أغلب تصريحاته والمعلومات التي خرج بها الصحفي من لدنه لا تصب بعيدا عنها. وقد بدا هذا واضحا في تصريح أخيه الأكبر الشيخ صادق الذي عكس روح مقولة صالح «السلطة مغرم وليست مغنم» عند رده على سؤال حول إذا ما كان حميد سيترشح للرئاسة. قال إنه لا ينصحه بتولي الرئاسة لأنه بذلك سيحمل عبئا.وأيا يكن من أمر، فإن تعمده إظهار أن الثورة ثورته لم يبد واضحا فقط من خلال المعلومة الخطيرة التي تفيد أنه مول الثورة في المحافظات من المايكروفونات وحتى وسائل المواصلات، وهي المعلومة التي بالرغم من أن الصحفي لم يوردها على لسانه، إلا أنه من المستبعد أنها لم تصدر من طرف آخر غيره أو يمثله لأنها تتحدث عن تفاصيل وأمور محددة فضلا عن أن أحدا لن يتولى التبرع بالدعاية له بمعلومة كهذه لاسيما وأنها معلومة كاذبة تماما كما ذكرت في الحلقة السابقة. وهذا ناهيك عن أنه لم يصدر نفيا لها حتى الآن.هذه لم تكن المعلومة الوحيدة التي تقدم حميد باعتباره (( صاحب الثورة )) ، إذ لم يكف يوما عن التحدث والتصرف انطلاقا من هذا الموقع الذي صنعه لنفسه دون التفات لأحد. وقد أتى اعترافه بدور اللقاء المشترك بالصيغة التي أوردناها في الحلقة السابقة من هذا الموقع، وهي الصيغة التي توحي بحركة من يفسح مجالا بسيطا لبعض الشركاء الهامشيين إلى جانبه في ظل هيمنته على متن المشهد. قال: «لكي أكون عادلا، علي أن أذكر أنه من دون أحزاب (اللقاء المشترك) ومن دون بعض هذه الشخصيات، لم تكن الثورة لتصل إلى ما وصلت إليه. وإذا لم يقدر بعض الناس دور بعض القادة، فلن يقدروا حقوق الآخرين». ويمكن للقارئ التقاط روح «أنا الثورة» في هذا الاعتراف الذي لا يعكس إيمان المتحدث بحقيقة هذا الدور قدر ما يعكس نبرة المجاملة.وليت الأمر اقتصر على هذا فقط.لقد اعترض بعض المعلقين قائلين إن حميد لم يقل في التقرير أن الثورة ثورته، لكن هذا غير صحيح. فمن يريد أن يصل إلى الحقيقة لن يصل إلى النتيجة التي وصلت إليها فحسب وإنما إلى ما هو أكثر.فهو تحدث بلسان « أنا الثورة» كما كان صالح يتحدث بلسان «أنا الدولة» و«أنا الوطن»، وقد حرص على إظهار أن الثورة ثورته بشتى السبل. وحتى يقطع الشك باليقين بالنسبة إلى القارئ الغربي، عمل على ترسيخ أنه أول من طالب صالح بالتنحي عام 2005، وهذه هي المعلومة التي أوردها الصحفي على غرار معلومة تمويله الشامل للثورة دون مصدر، ولكن حميد قالها أكثر من مرة في مناسبات أخرى. وقد تبدو هذه مسألة عارضة، لكنها على قدر كبير من الأهمية والخطورة.لا تنظر بعض القراءات الغربية إلى الثورة الشبابية السلمية في اليمن باعتبارها وليدة ثورتي تونس ومصر تماما، بل تتعقب جذورا لها في السنوات السابقة لهذا العام. فهناك الاحتجاجات الجنوبية السلمية التي بدأت ارهاصاتها مطلع عام 2007 وأطلقت حركات احتجاجات بصور مختلفة هنا وهناك. وسواء تعمد أو لم يتعمد من خلال هذه المعلومة إظهار دوره المركزي والحاسم في العملية السياسية في البلاد، فإنه بهذا يبدو للغرب باعتباره الرجل الذي لم يثر اليمنيون إلا بعد أن رفع أصبعه طالبا منهم الثورة. ولابد أن هذا أمر في غاية الخطورة من الخطأ الفادح والقاتل تغاضى الثوار عنه وتركه يمر.لا يمكن تفهم وجهة نظر بعض الثوار الذين يعترضون على توجيه النقد إلى حميد أو اي شخصية أو مكون انضم الى الثورة في هذه اللحظة بحجة أن ذلك يخدم النظام ويشكل ضربة للثورة، وقد كان هذا هو السبب الذي وقف وراء صمتي أنا شخصيا حيال سلسلة طويلة ومتصاعدة من الأخطاء طيلة الشهور السبعة الماضية وأعتقد أن الكثير من الصحفيين والكتاب الذين انخرطوا في الثورة صمتوا لنفس السبب. لكن، تعالوا نسأل: ما الذي يخدم النظام ويضرب الثورة، مقابلة حميد في «الواشنطن بوست» أم هذا المقال؟يعرف الجميع أن نظام صنعاء سعى منذ البداية إلى تصوير أن الثورة عبارة عن أزمة سياسية من خلال القول بأن (اللقاء المشترك) وليس الشعب اليمني من خرج إلى الساحات. وقد تطور الأمر بشكل واضح بعد حرب الحصبة إلى تكريس صورة أخرى أشد سوءا عن الثورة باعتبارها صراعا عائليا داخل أجنحة الحكم بين عائلة صالح وآل الأحمر، وهو ما باتت وسائل الإعلام الغربية والدولية عموما شبه مقتنعة به منذ حرب الحصبة. وها هو حميد في حديثه للصحيفة الأمريكية الشهيرة والمؤثرة يؤكد هذه الصورة الخاطئة عن سبق إصرار وترصد! في حين أن من قرأ الحلقة الأولى وكان منصفا، سيجد أنني دافعت عن الثورة في وجه التشويه الخطير والمتعمد الذي طالها من قبل حميد فضلا عن أن دفاعي هذا كان في الأساس دفاعا عن الحقيقة كما أراها. فقد سعيت إلى تقديم ما أراه أنا من داخل الثورة وما أحمله من قناعة عن صورة هذه الثورة الحقيقية، ألا وهو أنها ثورة الشعب اليمني وليست صراعا عائليا بين صالح وعائلته من ناحية وبين حميد وعائلته من ناحية أخرى. فمن الذي أفاد النظام وأضر بالثورة إذن؟يدرك كثيرون أن حميد الأحمر هو أكبر من خدم النظام وأضر بالثورة، لكنهم يتجاهلون ذلك مطالبين بالصمت عن اخطائه حتى لا نضر بالثورة. ويبدو لي أن هؤلاء لا ينطلقون من الخوف على الثورة لأن الأخطاء وليس مواجهتها ونقدها ما يلحق الأذى بالثورات. في الواقع، هم ينطلقون من التسليم بأن حميد الأحمر مواطن فوق النقد ويقف فوقه بقدر ما يقف فوق الثورة والثوار. ولهذا، يعتبرون أن مهاجمته تشكل مهاجمة للثورة بالرغم من أنه لم يعلن رسميا انضمامه للثورة بعد!حميد يبدو في نصفه الأول والده الشيخ الراحل وفي نصفه الآخر الرئيس صالح. وقد عكست إجابته على سؤال التقرير الأخير عما إذا كان يعتزم الترشح للرئاسة مستقبلا بالقول إنه سيوافق على الترشح في حال «قاموا بترشيحي» تقاطعه مع الإثنين في هذه النقطة. لكن عدم زيارته ساحة التغيير وأي من ساحات الثورة حتى الآن يقول لنا إنه يتجاوزهما معا في فوقيته الصارخة التي يمارسها بعنجهية إزاء الثورة والثوار. ففي إعتقادي، أن صالح لو كان في موقعه لرابط في ساحة التغيير ولما أبقى ساحة أخرى في عموم البلاد دون ان يزورها، وكذلك الحال بالنسبة الى والده. وأظن أنني لن أكون الوحيد في هذا الاعتقاد.ولا تبدو عدم زيارة حميد الأحمر لساحة التغيير حتى الآن بسبب تفاديه أن يظن الناس بأنه يسعى الى السيطرة على الثورة وأن يصبح زعيم اليمن كما زعم، فهو في الواقع لم يوفر جهدا في سرقة هذه الثور وقد أفصح عن رغبته في تسنم هذه الزعامة في المقابلة نفسها. كما ليس لأنه يدرك أنه لن يلقى ترحيبا داخل الساحة كما قال راغافان لأن الساحة لم ترفض آخرين يكن لهم الناس رفضا كبيرا قد لا يقل عن رفضهم لحميد ولأن الأخير لا يبدي اكتراثا بشعبيته لدى الناس لاسيما وأن حضوره السياسي يقوم على أمر آخر غير الشعبية وحب الناس. السبب الأقرب هو أنه يتعالى على الثورة والثوار ويعتبر نفسه فوقهما وفوق الشعب والوطن بدرجة لا تقل عن تعالي صالح واعتباره لنفسه. إنه يعتبر نفسه «مواطن سوبر» و«مرشح سوبر» وتقول لنا عدم زيارته للساحة حتى الآن أنه يعتبر نفسه «الثائر السوبر». ويبدو، بناء على هذا، أنه ينتظر في قصره الفخم وصول حشود الشعب المطالبة له بالترشح للرئاسة على غرار صالح بعد إسقاط الأخير.هذا لا يبدو مجرد افتراض. فليست لغة حميد الأحمر وحدها ما تكشف أنه يضع نفسه فوق الثورة والثوار ودولتنا المستقبلية المرتقبة واليمن شعبا وبلدا بشكل عام، بل أعماله أيضا. وهذا ما سنحاول توضيحه في حلقة أخرى قادمة.[c1] كاتب معارض[/c]
|
مقالات
الــوقــاحـــة كــنــز لا يـفــنــى
أخبار متعلقة