سعاد السلاميولد الأستاذ الراحل عبدالله عبدالرزاق باذيب في مدينة الشحر محافظة حضرموت عام 1931م وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي في مدرسة ( بازرعة) الإسلامية بمدينة عدن ودرس الثانوية في مدرسة الحكومة الثانوية بالخليج الأمامي بكريتر.. وقد اضطرته ظروف أسرته الصعبة إلى ترك المدرسة قبل إكمال السنة النهائية من الثانوية في عام 1951م ولكن الرائد الإعلامي المتميز اعتمد على تثقيف نفسه وكان معروفاً لدى أساتذته وبين زملائه الطلبة بثقافة الذات التي تتجاوز سنه ومرحلته الدراسية بكثير .. وقد لفت بذلك نظر أساتذته وتوقعوا له مستقبلاً باهراً وكانوا يتعاملون معه باحترام وقد أبدى الكثير منهم أسفه عندما اضطر عبدالله باذيب (الطالب) إلى ترك المدرسة وقال يومها الأستاذ الراحل إبراهيم روبله: “ ما كنت أرضى له بأقل من الدكتوراه“.وقد عرف عن الفقيد باذيب في المراحل اللاحقة من حياته شغفه الشديد بالقراءة واطلاعه الواسع ومعارفه المتعددة في الأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة .أصدر الفقيد مجلة “ المستقبل “ الشهرية عام 1949م وهو لا يزال طالباً في السنة الأولى الثانوية ولم يبلغ العشرين من العمر.ولم يكن إصدار المجلة بالنسبة له نزوة شباب ولا ترفاً كما جاء في مرثية ذي يزن “ ما كان الحرف ترفاً منك لم تجتر معنى للحرف كي تتباهى / كدعاة اللغو) ولم يكن تعجلاً بالظهور بدليل أنه طوال صدور (المستقبل) لمدة عامين لم يظهر اسمه في المجلة ولم يكتب كلمة واحدة باسمه الصريح ، بل كان يكتب تحتها “ المحرر” أو “ ابن خلدون” أو “ أشعب” أو (ع ، ع ، ب) .وقد عبرت (المستقبل) عن الرغبة في تجديد الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية وعكست كتابات الفقيد باذيب روح التمرد على الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي المتخلف والراكد .كما حفلت (المستقبل) بالنقاش والنقد والجدل الأدبي وأفسحت المجال في صفحاتها للأدب والكتاب والمثقفين المعروفين في تلك الفترة كما احتضنت الأقلام والمواهب الأدبية الناشئة وقد شجع المستوى الراقي للمجلة عدداً من الكتاب المعروفين في الوطن العربي على النشر فيها غير أن المصاعب المالية لم تسمح باستمرار صدورها أكثر من عامين.وبعد خروجه من المدرسة اشتغل محرراً بصحيفة “ النهضة” الأسبوعية فسكرتيراً لتحريرها حتى احتجابها في أواخر عام 1955م ومن هذه الفترة برز اسم عبدالله باذيب ككاتب سياسي من طراز جديد .. وتميزت كتاباته بالوطنية الصادقة وبعد النظر واستشراف المستقبل وبالوعي المتزايد نضجاً يوماً بعد يوم .لقد خاض الصحفي العملاق المميز رائد الإعلام الوطني معارك قلمية لاهبة ضد الاتجاهات والمفاهيم الخاطئة والمضللة وجاء قلمه الجديد الواثق ليكشف زيف دعواتها الاستعمارية لبسطاء الشعب المضطهدين .وقد كان قلم عبدالله باذيب الرائد المبدع قوياً لاذعاً ساخناً يحسب له خصومه ألف حساب .. فهذا القلم ما عرف الإسفاف ولا الابتذال في الجدل ولا الانطلاق من الأهواء والأحقاد الشخصية.وكان باذيب صاحب أسلوب فريد متميز شكل نقلة نوعية في أسلوب المقالة الصحفية والسياسية والأدبية في صحافتنا اليمنية ويعتبر دون مغالاة من أنصع الأساليب في الكتابة .. أسلوب ينبض بالحيوية والإشراق.. أسلوب علمي خال من السجع اللفظي أو الذهني مع وضوح الأفكار وتسلسلها المنطقي كان كل مقال يخطه ببراعة يطلق جدلاً واسعاً ويشد الانتباه إليه لما يطرحه من قضايا ويثيره من نقاش وعند كل مقال ينشر له كنت ترى الناس فريقين .. فريقاً متحمساً أشد التحمس لما يكتب وآخر متحفظاً إزاءه على أن أحداً لم يكن يستطيع أن يدير ظهره لما يكتب والجميع أنصاره وخصومه السياسيين - لأنه ليس له خصوم غير هؤلاء - على السواء يكنون له أعظم الاحترام وبالغ التقدير.[c1]مواقف لا تنسى لباذيب الصحافي الرائد[/c]كان عبدالله باذيب القائد والصحافي البارز يناضل في مختلف الجبهات ، ناضل ضد دعوة “ الحكم الذاتي “لعدن في إطار ”الكومنولث البريطاني“ حتى سقط أصحابها سياسياً ولم يعد لهم أي تأثير أو نفوذ وناضل ضد دعوة ”اتحاد الجنوب“ كدولة يصنعها الاستعمار وعملاؤه، وضد مختلف المشاريع والمخططات البريطانية التي استهدفت قطع الطريق على الشعب في التحرر الوطني وتشكيل مستقبل الجنوب الممثل آنذاك وفق المصالح الاستعمارية الرجعية ومن أجل استمرار السيطرة البريطانية على المنطقة .ناضل ضد قصور وتذبذب القيادات السياسية التقليدية في الحركة الوطنية وتقاعسها عن اتخاذ المواقف النضالية الصحيحة والشجاعة وعدم ارتفاعها إلى مستوى المكائد التي يدبرها المستعمر وعملاؤه لمستقبل ومصير الشعب في ذلك الوقت، ناضل ضد القيادات النقابية على رأس “ المؤتمر العمالي” التي حولت هذا المؤتمر إلى جهاز للتفاوض والوساطة بين العمال والشركات الاحتكارية.. وعملت على إبعاد الحركة النقابية عن السياسة وعزل الطبقة العاملة عن الكفاح الوطني التحرري.ناضل من أجل إبراز وتعميق وحدة كفاح الشعب اليمني ضد المفاهيم والاتجاهات والقوانين الجائرة المجحفة التي عملت على عزل مواليد الشمال اليمني عن العمل السياسي والوطني في الجنوب واعتبارهم أجانب أو ذوي حقوق من الدرجة الثانية.ناضل ضد الإقطاع والسلاطين في إمارات الجنوب وعبثهم بجماهير الشعب ووقف إلى جانب الفلاحين والفقراء في أبين ولحج في الدفاع عن حقوقهم وضد تسلط كبار الملاك “ والسوق المركزية” على مقدراتهم وربط الهبات التي حصلت في هذا المجال بالزخم العمالي في عدن بعد قيام الحركة النقابية في 1956م .وناضل في وقت مبكر من أجل وحدة كل الوطنيين الذين تجمعهم مصلحة مشتركة في التحرير الوطني والخلاص من الاستعمار.وناضل ضد الحكم الامامي الاستبدادي في الشمال وأبان الطرق الصحيحة المؤدية إلى تعبئة قوى الجماهير من أجل تغيير الواقع المظلم في اليمن.[c1]باذيب الإنسان وعمق صلته بالناس[/c]لقد كان باذيب إنساناً بمعنى الكلمة وعمقها ومن هنا فإن هذه الحياة المفعمة بالبذل والعطاء وهذا النضال الخصب المتعدد الجوانب الذي خاضه طوال حياته لا ينبغي أن ينسينا جانباً مهماً في شخصيته ونعني الجانب الإنساني والخصال النبيلة التي عرف بها وجعلت منه نموذجاً للإنسان الثوري ولعله في هذه الناحية يكمن سر شخصيته الأخاذة وروحه العذبة وعمق الصلة التي تربط بينه وبين من يتعرف عليه وإحساس الجميع بأبوته.. فقد أتسمت حياة عبدالله باذيب بتواضع جم وببساطة منقطعة النظير جعلته دائماً قريباً إلى كل فرد من أبناء وطنه.
|
مقالات
سطور مضيئة من حياة القائد الراحل والصحافي عبدالله عبدالرزاق باذيب
أخبار متعلقة