غضون
* كلما جاء شهر أغسطس أتذكر دائماً المناضل والصحفي والأديب الفذ عبدالله عبد الرزاق باذيب. إنه واحد من أفضل من أنجبتهم اليمن.. توفي باذيب يوم 16 أغسطس 76 وفي تلك السنة انضممت إلى منظمة “ أشدي” الرديف الشبابي للاتحاد الشعبي الديمقراطي وهو أول حزب يساري ماركسي في اليمن أسسه باذيب عام 1961م .وأتذكر أني بعد ذلك بعام قرأت مقالاً في مجلة الحكمة فيه إشارة إلى احتمال أن يكون هذا المناضل الضخم قد مات مسموماً ، ورغم أنه احتمال إلا أن ذلك لا يزال مسيطراً على ذاكرتي حتى الآن ، وفي ذلك الوقت قال لي الرفيق محمود إن وفاته كانت طبيعية ولا توجد دواع للتخلص منه بحكم أن الفصيل اليساري الذي كان يتزعمه هو أحد الفصائل التي تكون منها التنظيم السياسي الموحد - الجبهة القومية ، الذي اتخذ بالإجماع توجهاً يسارياً اشتراكياً .. مع ذلك بقي في النفس “ إن “ .. وعلى أية حال يهمني في هذه المناسبة لفت الانتباه إلى تراث باذيب ، فمنذ ما قبل الوحدة بسنوات كثيرة لم يعد طباعة كتابه “ توابل” الذي يتكون من جزئين ويتضمن مقالاته التي يعود أقدمها إلى نحو ستين سنة . ومن يقرأها سيجد أنها كتبت في زماننا هذا .. فأصالة تفكيره ومنهجه العلمي ورؤيته العميقة وثقافته الموسوعية مكنته من فحص الظواهر ودراسة أسبابها وتطوراتها المستقبلية ومن يقرأ مثلاً مقاله عن المشايخ فسوف يكتشف إن باذيب كتبه لقراء هذه الأيام.* لكي تشعر هذه الأمة بالثقة بنفسها وبخصوبتها يجب عليها أن تخلد هذا وأمثاله من الرجال والنساء العظام ، تستلهم تراثهم وتعتز بهم وتتخذ منهم قدوة ، يتعين أن يبقوا أحياء بيننا .. ولا أدري ما هو سبب هذا الداء المسيطر علينا والمتمثل في إماتة الأحياء وإهمال كل من مات بعد مرور يوم العزاء .. وفي الوقت نفسه - وهذا غريب- نفتخر بما ليس لنا ونخلد من لا علاقة لهم بتاريخنا ونضالنا وإبداعنا.. أليس غريباً مثلاً أن يكتب اسم أمير أموي على عشرات المدارس والشوارع بينما لا يوجد مسمى لباذيب ، حتى المكتبة التي كانت تسمى باسمه محي منها وصار اسمها المكتبة الوطنية ويعاد طباعة كتب قديمة عن أحكام الرقيق والإماء بتمويل حكومي ، طبعة بعد أخرى بأرقى الأشكال وأجود الورق ، بينما كتاب باذيب لم تعد طباعته منذ أكثر من ثلاثة عقود ، بل إنه قد اختفى من معظم المكتبات الحكومية والجامعية .* و ما يجري على باذيب يجري على غيره .. وخذوا هذه الأسماء اليمنية ، وكلها توفيت في شهر أغسطس من أعوام مختلفة. المناضل والأديب عبدالله علي الحكيمي صاحب صحيفة السلام في كارديف وشريك الزبيري والنعمان في تأسيس الحركة المناهضة للإمام .. أين هو وأين هما .. كذلك القرشي عبد الرحيم سلام وعبدالله البردوني وعبد القوي مكاوي وأحمد محمد السقاف رائد النهضة الأدبية في الكويت وهو بالمناسبة عدني الأصل والمولد.فباستثناء الشاعر عبدالله البردوني الذي أطلق اسمه على المكتبة العامة بذمار ،فإن الآخرين صاروا نسياً منسيا .. بينما المدارس عندنا تسمى بأسماء قتيبة وعتيبة وأم البنين ، والشوارع تسمى كما في العاصمة مثلاً شارع عشرة ، شارع ستين ، وشارع ثلاثين بالله عليكم ما ضرهم لو أحيوا ذاكرتنا وأنعشوا مفاخرنا ، وخلونا نمر بشارع باذيب ونعبر إلى شارع البردوني وندرس بمدرسة القرشي عبد الرحيم سلام. تصوروا إنه يوجد حي في العاصمة اسمه “ مذبح” فما الضير لو استبدل هذا الاسم الشنيع باسم محترم وعندنا مستشفى اسمه مستشفى ( 45) هل عدمت أسماء النساء والرجال المشاهير.