غضون
* في هذه التي يسمونها ثورة التغيير يتداعى مثقفوها إلى الإجماع من أجل تكريس الوعي الزائف والتحريض ضد الشفافية وحرية القول، واعذر هؤلاء “ الثوار” لأنهم متشربون بثقافة عربية عتيدة مذمومة كان يفترض بالثورات العربية القديمة والجديدة التخلص منها، بحكم أن الثورات يفترض فيها تحرير العقل العربي من معوقاته ووثنياته.مثقفو ما يسمى بثورة التغيير مجمعون على تكريس الخطيئة القديمة التي يفترض أن تكون إحدى القضايا المطلوب إسقاطها من وعينا وسلوكنا ..في خطابهم المتبادل فيما بينهم تظهر بوضوح نزعة تكريس وعي زائف .. يقولون مثلاً : يا ثوار نعم نحن منقسمون ونحن نعاني من الخلافات ونحن نرتكب أخطاء ضد بعضنا ولنا عيوب كثيرة .. ونحن .. ونحن.. لكن نحن في مرحلة ثورة من أجل إسقاط النظام ، لذلك يجب أن نتوقف عن ( نشر غسيلنا). علينا أن نخفي خلافاتنا ، وأن نكف عن توجيه النقدبعضنا لبعض .. علينا أن ندع كل ذلك جانباً الآن حتى لا يشمت بنا النظام. * هذا الوعي الزائف الذي يعمل مثقفو “ ثورة التغيير” بحماس من أجل تكريسه بين الشباب اليوم يعمق في ثقافتهم النزعة الاستبدادية التي طالما شكا منها الإنسان العربي والمثقف العربي خصوصاً.لكي يسكت النظام العربي أصوات منتقديه وناصحيه ابتدع مقولات مثل لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. لدينا عدو خارجي يتآمر علينا لذلك كفوا عن نقد عيوبنا حتى لا تكونوا عوناً للعدو.. صحيح أن نظامنا يخطئ“ والزعيم “ له أخطاء لكن ليس من المناسب الحديث عن ذلك أمام “ الأجانب” لا تنشروا الغسيل .. استروا ما ستر الله .. اخفوا خلافاتكم عن “ العدو” .. استعينوا بالكتمان لقضاء حوائجكم .. لا تحركوا البركة الآسنة لكي لا تفوح رائحة الجيفة .أليس هذا الوعي المذموم هو نفسه الذي يكرسه مثقفو” ثورة التغيير” اليوم في أوساط الشباب؟* والوضع الصحيح دائماً - حسب قول الفيلسوف المصري الراحل فؤاد زكريا - أن لا تقول توقفوا عن نشر الغسيل ، بل احرصوا دائماً على أن يكون الغسيل نظيفاً وأتذكر أني قرأت في كتب الأولين كلاماً يشبه حكمة فؤاد زكريا .. قالوا إن الأشياء التي تستحي من فعلها في العلانية لا تفعلها في السر إذا كنت تدعي أنك صاحب خلق زكي.إن مرض المجتمعات العربية ونكبات الأنظمة العربية يعود جزء من أسبابها إلى عقيدة الستر والإخفاء .. استر الخطأ وأخفِ المشكلة .. والنتيجة زلزال أو فضيحة كبيرة في كل مجال وميدان.إن كلمات وعبارات مثل اكتموا.. اسكتوا .. تجاوزوا الخلافات.. لا تسائلوا المخطئ الآن ومثيلاتها ، هي ثقافة بيئة المحاربين والطلائع الحربية، وقد أخطأ الذين نقلوها إلى الميادين الأخرى المختلفة عن ميدان الحروب العسكرية.