غضون
* كنت أقرأ كتاب (خاتمة كتاب سفر السعادة في الأبواب التي لا يصح فيها حديث) لمؤلفه الإمام مجد الدين الشيرازي الفيروز آبادي حتى وصلت إلى قوله: “وباب ذم السماع، لم يرد فيه حديث صحيح”، وفي الهامش كتب الأستاذ محمد سالم شجاب، الذي وضع مقدمة الكتاب وعلق عليه، إن السماع هو استماع الغناء مع الدف والشبابة والمزامير والعود وغيره من آلات العزف، وقال: ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة تذم السماع وتنهى عنه وتلعن فاعله وكلها ضعيفة وبعضها موضوع (مكذوب به على الرسول) وبعضها حسن وأورد البخاري حديثاً معلقاً، وقال إن في الباب أحاديث كثيرة أورد منها: من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين في الجنة.. وحديث: من استمع إلى قينة (مغنية) صب في أذنيه الإنك يوم القيامة.. وحديث: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. وفي رواية كما ينبت الماء الزرع. وحديث: لعن الله النائحة والمستمعة والمغني والمغنى له.. وحديث: نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الغناء والاستماع إلى الغناء.* حملة الفقه البدوي يستندون إلى مثل هذه الأحاديث في تحريم الغناء فماذا يقول فيها الأوائل وفي رواتها؟ ينقل الأستاذ شجاب عن أولئك العلماء الذين وقفوا على تلك الأحاديث ورواتها كلاماً من هذا القبيل: رواه الترمذي عن الأشعري مرفوعاً وضعفه السيوطي.. رواه ابن عساكر عن أنس مرفوعاً وضعفه السيوطي، وفي سنده أبو نعيم وهو ضعيف، روى عن أنس أحاديث لا يتابع عليها، ورواه عن ابن مسعود مرفوعاً وعن أبي هريرة مرفوعاً وعن أنس مرفوعاً وقال القطان ضعيف، وقال النووي لا يصح، وفي إسناده عبد الرحمن العمري قال ابن حنبل إن حديثه لا يساوي شيئاً وكان كذاباً، وقال النسائي متروك.. رواه البيهقي عن جابر مرفوعاً وفي إسناده علي بن حماد الذي قال عنه الدارقطني متروك، وفيه ابن أبي رواد الذي قال عنه أبو حاتم أحاديثه مناكير ، وقال الجنيد لا يساوي فلساً .. رواه ابن عدي من طريق المدائني عن الحسن البصري عن أبي هريرة مرفوعاً، والمدائني منكر الحديث، والحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئاً، وقال النووي لا يصح.. رواه الطبراني والخطيب عن عمر بن الخطاب وقال العراقي سنده ضعيف وقال البيهقي في سنده فرات بن السائب، وهو متروك..* بعد هذا الكلام الذي ينسف أحاديث ذم الغناء من أساسها، يقرر محمد شجاب أن هذه الأحاديث وأحاديث كثيرة أخرى لا تصح، لكن عدم صحتها لا يعني إباحة الغناء والاستماع إلى الغناء “مطلقاً”!لماذا؟ قال إن الإمام الحافظ ابن الصلاح حكى “الإجماع” على تحريم الغناء مع آلات اللهو كالدف مع الشبابة والمزامير والعود والكمان وغيرها، وأن البخاري أخرج حديثاً معلقاً (أي سقط من أول سنده راو واحد فأكثر) وفيه: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف. وهذا الحديث قال عنه ابن حزم: هذا حديث غريب منقطع، وقال لا يصح في هذا الباب شيء أبداً.. وإذا كان حديث البخاري «معلقاً» وغريباً ومنقطعاً فهل يستمد قوته من البخاري لأنه بخاري.. ثم ما قيمة حكاية ابن الصلاح عن “الإجماع” على تحريم الغناء؟ متى حدث هذا الإجماع ومن الذين أجمعوا؟ وحكاية الإجماع من أصلها مستحيلة. الشاهد من هذا كله أن تحريم الغناء قائم على أدلة مزورة كما فهمت من هذه القراءة. لذلك.. غنوا ولا تبالوا ولا تتحرجوا.