السبب الذي جعلني أمسك القلم وأكتب هذه المقالة جملة وردت في كلمة رئيس الجمهورية التي كتبها في الرياض يوم 17 يوليو 2011م والتي قال فيها: (إن التغيير يتم بالحوار والحوار وحده بعيداً عن القفز على الواقع ....) إلخ العبارة والكلمة الطيبة .. فالذي أسقط حكومة حركة طالبان في افغانستان أنها أرادت تطبيق منهجها الفكري أو الأيديولوجي المتشدد بالقوة والقهر والإجبار دون أي اعتبار أو فهم صحيح للواقع الأفغاني المعقد مما عجل بزوال تلك الحركة وذهاب ريحها .. أضف إلى ذلك أنها انتهجت أسلوب نفي وإلغاء وطمس كل من يقف في طريقها أو يعارضها، ومضت ضد التيار فجرفها إلى هامش الظل. ومعروف أن الذي يأتي البيوت من أبوابها يتم الترحيب به وتكريمه، أما من يأتي من النافذة كالسارق مثلاً فإن المجتمع يرفض سلوكه بل ويعاقبه فالواقع هو أحد أركان الثالوث العضوي إلى جانب النص والعقل بالنسبة لأي تغيير أو تطوير لأي أمة أو مجتمع بشري ولايمكن أن يحدث أي تغيير أو تطوير في أي بيئة اجتماعية إلا بتضافر هذه الأركان الثلاثة النص أو الفكرة أو المشروع الايديولوجي الذي يتفاعل معه العقل ويهضمه أو يتمثله ومن ثم يتم إنزاله على واقع قد تم فهمه وإدراكه ومعرفة حدوده ومشاكله ومتطلباته الموضوعية والواقعية لا الخيالية أو الرومانسية ومن لايملك برنامجاً فكرياً محدداً أو مشروعاً أيديولوجياً مستقبلياً معيناً لبناء أمة أو دولة أو مجتمع مدني في فترة محددة وزمن واضح ولا يفقه واقعه بأبعاده ومشاكله وقضاياه الاجتماعية السياسية الاقتصادية والتربوية والإعلامية والثقافية والصحية .. الخ. فإنه سيكون كالذي يؤذن في مالطا لأن الناس في واد وهو في واد آخر أو في كوكب آخر وفي زمن آخر خارج عصره وزمنه وكأن الفكرة أشبه بتفكير أهل الكهف الذين بعثوا في زمان غير زمانهم وكانوا يظنون أنهم رقدوا يوماً أو بعض يوم فالذي لايعي أو لايدرك نفسية مجتمعه ولايستطيع أن يلمس تناقضات وديناميكية وتوازن قوى هذا المجتمع فإنه واهم، وبالتالي لايقدر على تشخيص الوضع الراهن أو ايجاد حلول مناسبة لهذا الوضع المأزوم، لأنه لم يدرك خصوصية المجتمع اليمني المختلفة عن خصوصية المجتمع التونسي أو المصري أو الليبي. ومن هنا فإن المعالجات أو الحلول التي ناسبت تلك المجتمعات ليست بالضرورة صالحة لمعالجة الأزمة اليمنية الراهنة ولاتنطبق على واقعنا اليمني لاختلاف مشاكل وقضايا وسيكولوجية كل بلد عربي عن الآخر، وبالتالي فإن فكرة المجلس الانتقالي هي فكرة مستنسخة عن المجلس الانتقالي الليبي وعلى الذين يتخيلونها حلاً لازمتنا الراهنة أن يراجعوا أنفسهم لأنهم واهمون لأن المجتمع اليمني ليس نسخة طبق الأصل عن المجتمع الليبي ولا علي عبدالله صالح هو معمر القذافي...!! ولا النظام هنا مثل النظام هناك وهذا القياس خاطئ من أساسه لأنه لايقوم على التماثل أو المماثلة أو التطابق أو التكافؤ ومع ذلك فإن المراقب للشأن اليمني في الوقت الراهن يلاحظ تماسك المجتمع والشعب يدير نفسه ذاتياً على الرغم من وجود فراغ دستوري لبعض سلطاته وغياب كبار قيادات الدولة لتلقي العلاج في الجارة الشقيقة المملكة العربية السعودية ومع ذلك كله لم تصل الدولة إلى درجة الدولة الفاشلة وهذا ما جعل الواهمين يحلمون بالانقلاب عليها بتصور تجارب من خارج البلاد ورفض الحوار الذي يحل مشكلة البلاد والعباد وهو الجامع لكل الفرقاء والإخوة الأعداء.
أخبار متعلقة