شكل ظهور الرئيس .. بعد غيبة مفروضة، وموجة شكوك بوفاته غدراً - لحظة مفصلية في تاريخ أعنف أزمة تعصف باليمن في تاريخه الحديث والمعاصر وكان كثيرون تحت شعار الخبر الكذوب ورهاب الشائعات قد اقتنعوا أن علي عبدالله صالح قد (مات وشبع موتة) وهو مكفن الآن، في الثلاجة، وأن النظام يريد أن يكسب وقتاً أطول فانصدم البعض الحاقد، وفرح الكثير.. الطبيعي والمتوازن، وإن كان ذلك الإتزان لم يمنع الفرحة المخبوءة من تحويل ليل صنعاء وعدة عواصم الى نهار بتشكيلات الألعاب النارية، وحينا بالرصاص الحي. وقد حمل ذلك الظهور عدة رسائل أركز على أهمها :أولاً : طمأنة أنصاره ومحبيه، وهم بالملايين.. أكثرية الشعب بأنه ما زال حياً يرزق رغم جهنمية الاستهداف الاغتيالي الغادر، وقد أنقذته العناية الإلهية استجابة لملايين الأدعية العفوية الصادقة وحسرات القلوب الجريحة، وتقديراً لمواقفه الإنسانية والوطنية - كما نزعم - ما أسقط في أيدي خصومه.ثانياً : التأكيد على التمسك بالانتقال السلمي للسلطة، والترحيب بالشراكة وفق الدستور والقوانين النافذة، وتجديد الاصرار على النظام الديمقراطي كخيار لا بديل عنه، والترحيب بكل القوى الفاعلة في قوله : “نحن لسنا ضد المشاركة، نحن مع المشاركة، مع مشاركة كل القوى السياسية..”.ثالثاً : كان سياق الحال يفرض - كما يرى كثيرون - أن يحمل الخطاب نبرات تهديد ووعيد للقصاص من القتلة، فليس قليلاً أو شيئاً هيناً ما ارتكبه المجرمون في حقه، وحق كبار رجال دولته، والوطن - ككل - ولكنه كان حصيفاً.. عاقلاً.. متسامحاً بحيث لم يهدد، وهو المتجرع لأشد الآلام، لم يتوعد بالثأر فيما كانت جماهيره الملايينية تنتظر ما يعطيها أو يمنحها الضوء الأخضر لتبدأ التحرش المستفز رداً على تهديدات المشترك.رابعاً : حتى كلمة (التحدي) التي ذكرت في الكلمة / الخطاب لم تحمل أي وعيد أو تهديد، وكانت تعبيراً عادياً فرضه ما قبله من كلام فقد وردت في قوله “ فتحية لأولئك الأبطال الذين صمدوا والذين واجهوا التحدي بالتحدي، وسنواجهه بالتحدي”، وقد أخاف.. تكرارها ثلاثاً القتلة أو أنصارهم فأرغوا وأزبدوا وقالوا إنه يتوعدنا بالقتل والتدمير، ولهذا لا يجب السماح له بالعودة، وانطبق عليهم قول الشاعر القديم : “يكاد المريب يقول خذوني” ماذا كان يتوجب عليه أن يقول، وهو يحيي صمود أنصاره الأبطال الذي واجهوا ويواجهون تحديات خطرة؟ هل يطلب منهم أن يواجهوا التحدي بالتنازلات مثلاً أو بالتسليم أو بالهروب؟! ثم أن الكلمة نفسها كان يذكرها في بعض خطاباته السابقة، والأهم من هذا وذاك أن علي عبدالله صالح من النوع الذي لا يهدد.. بل يفعل إذا ما أجبرته الظروف، وأغلقوا أمامه المنافذ الأخرى.خامساً: ملاحظة توقيت الخطاب / الكلمة .. انه أذيع في تاريخ 7 /7 / 2011م وفي هذه الإشارة .. تذكير واضح بانتصار قوات الوحدة والشرعية الدستورية في حرب 7 / 7 / 1994م على جيش الانفصاليين القوي رغم أنه لم يذكر، ولا كلمة واحدة عن تلك الحرب التي وطدت أركان الوحدة، ودحرت الانفصال ـ على قوة الدعم والاسناد الخارجي ـ الذي كان اقوى وأشرس وأعنف مما حاصل اليوم.صمت الرئيس عن الإشارة إلى حرب 7 يوليو، والصمت ابلغ دلالة من الكلام، وربما أنه يريد تذكير دعاة الانفصال الذين عفا عنهم فانقلبوا منتقمين منه ـ بمآل الدعوات التشطيرية والتجزيئية، وربما من جانب آخر لايريد الإشارة إلى ذكرى مؤلمة عند كثير من الجنوبيين .. عدد غير قليل منهم اليوم في صدارة انصاره، ولا أدري ما إذا كان ينطبق على هذا المقام قول: (ما أشبه الليلة بالبارحة!).سادساً: إطلالة الرئيس بتلك الهيئة، الوجه المحروق، معظم الجسم المغطى بالبياض، وبالشاش .. فيها دلالة على بصلة المشترك المحروقة .. فقد تشفوا ورقصوا وغنوا، وامعنوا في استفزاز مشاعر الناس بفجيعة الوطن في رمزه المشير وكبار قادته .. وكأني به يقول: انظروا ما فعله بنا إخوتنا قادة المشترك الذين منهم من أعدناه ومنهم من عفونا عنه، ومنهم من حميناه!ومعلوم أن نتائج التحقيق النهائية لم تعلن بعد .. لكن المؤشرات والجهة المستفيدة والتصريحات والتحليلات والفتاوى تصب في الاتجاه ذاته.[c1]للتأمل:[/c]إطلالة الرئيس زرعت فرحة في جانب، وسببت قرحة في جانب آخر.يوم الجمعة .. كان يوم عطلة وراحة، ولكنهم جعلوه يوم شغل، ومش أي شغل.أصحاب الغرفة المغلقة في الخارج نجحوا بامتياز في توجيه سهامهم المسنونة المسمومة إلى أعياد الله الصغيرة.دجل ابواق الجزيرة وابنتها بالتبني (سهيل) وبقية الاخوات غير الشرعيات عن البطولات الوهمية و (اكتظاظ) الساحات الفارغة ذكرني ببيت جميل للرائي البردوني يقول: وقاتلت دوننــا الأبواق صامدة أما الرجال فماتوا ثم أو هربــوا[c1] *** [/c]آخر الكلام المجد عوفي إذ عوفيت والكرم وزال عنك إلى أعدائــك الألم [c1](المتنبي)[/c]
أخبار متعلقة