غضون
* مقولة “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” بلغت من الشهرة بحيث لا يخلو منها كتاب أو مقال لهما علاقة بالكلام عن “تطبيق الشريعة الإسلامية”، حتى العوام يقولون ذلك، بل حتى مثقفون ليسوا متدينين، فقد جادلت مرة أحدهم حول عدم صلاحية حكم فقهي قديم لهذا العصر.. وهو حكم فقهي.. فصاح في وجهي: إلا الإسلام!. واتبع تحذيره بمقولة: “ الإسلام صالح لكل زمان ومكان”، وعلى أي حال هي مقولة حديثة وليست قاعدة إيمانية ولا أصولية، ومعناها صحيح إذا كان المقصود بالإسلام الدين، أي ثوابته التي لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة، كأركان الإسلام والإيمان والإحسان وغير ذلك من ثوابت الدين وتعاليمه حول الأعمال الصالحة والأخلاق. وهذه المقولة تصدق على كل الأديان، فبقاء البوذية واليهودية والنصرانية إلى اليوم وهي اسبق من الإسلام تاريخياً دليل على أن أتباعها يؤمنون أنها صالحة لكل زمان ومكان، ولولا ذلك لكانت قد اندثرت وأصبحت من الماضي.. لكن هذه المقولة غير صحيحة عندما يراد بالإسلام “الفقه” أو التشريعات التي وضعها المجتهدون، فهي غير صالحة لكل زمان ومكان، بدليل أن فقهاء متأخرين نقضوا أحكام من سبقهم، وبدليل أن الفقيه الواحد كان يقرر حكماً في الشام حول مسألة ما ثم وإذا انتقل إلى مصر أو المغرب قرر حكماً آخر حول المسألة نفسها.* أصحاب شعار “تطبيق الشريعة الإسلامية” يؤكدون في كل وقت ومن كل منبر أن “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” ويقصدون بالإسلام “الفقه” الذي تركه لنا الأولون.. وهم في هذا مخطئون من ثلاث نواحي: فالإسلام شيء مختلف عن الفقه الإسلامي.. والفقه القديم لا يصلح كله.. وهم لا يجتهدون للمواءمة بين مقاصد التشريع ومتغيرات الأزمنة والأمكنة.يقولون: الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وفي الوقت نفسه يتحدثون في هذا الزمان عن أحكام الجهاد والعبيد وأهل الذمة ودار الحرب كما كان يتحدث أسلافهم قبل ألف سنة. يقولون الإسلام صالح لكل مكان وفي الوقت نفسه لا يفرقون بين مسلم يعيش في مكان اسمه فرنسا ومسلم يعيش في بادية الجزيرة العربية، كما في حالة النقاب مثلاً.. فعندهم أن المسلمة في فرنسا، وما أدراك ما فرنسا، عليها أن تلتزم بالزي الذي دثر به السلفيون المرأة اليمنية أو السعودية.. وهؤلاء هم الذين تسببوا في المعركة المفتعلة حول النقاب في فرنسا، وتسببوا في الأذى الذي طال مسلمين في الغرب.* تصوروا.. يقولون: الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وهم في يوم الناس هذا ييممون وجوههم وعقولهم نحو يثرب التي كانت هناك قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة.. يقولون إنهم يريدون استعادة إسلام يثرب كما كان في عهد الرسول وخلفائه.. لماذا؟ جوابهم دائماً: إنه الإسلام النقي الخالص وما بعد تلك الفترة الإسلام لم يكن إسلاماً حتى اليوم..إن قولهم هذا يتناقض مع قولتهم “الإسلام صالح لكل زمان ومكان” أي أنه في المراحل التي تلت مرحلة يثرب لم يجد زماناً ولا مكاناً يصلح فيهما.. كما أن قولتهم هذه تنطوي على اتهام للمسلمين الذين عاشوا وحكموا منذ انتهاء الخلافة إلى اليوم بأنهم تخلوا عن الإسلام.. وهذا الاتهام الخطير كاذب.. فعبر كل المراحل التاريخية المسلمون هم المسلمون والحكام مسلمون.. والإسلام هو الإسلام.. ولكن تطبيق الشريعة كان نسبياً بحكم تعاليم الإسلام نفسه.. فلا تطبيق كامل للشريعة يمكن قد حدث في أي مرحلة ماضية ولا الآن ولا غداً.. مع ذلك نظل جميعاً مسلمين.