من مميزات الديمقراطية ومحاسنها أن لكل شخص الحرية في التعبير عن رأيه، شرط أن تكون هذه الحرية محددة بأوامر الله ونواهيه وفي نطاق قدرة الإنسان على إتيان عمل لا يضر بالآخرين، ويمكن لكل إنسان من خلال النظام الديمقراطي، التعبير عن رأيه بأية طريقة من الطرق السلمية، كما أن الاختلاف في الآراء هو السمة المميزة للديمقراطية شرط أن لا يفسد الاختلاف في الرأي للود قضية.فلكل إنسان أو جماعة أو حزب الحق في إبدأ الرأي بصوت مسموع ضد أي كان، سواء أكان ضد حزب أو مسؤول أو نظام، لكن أن يتعدى هذا الرأي الإطار المسموح به في الديمقراطية ليصل إلى إحداث الضرر بشعب بأكمله، فهذا ما لا يجوز ولا يمكن أن يلقى قبولاً عند أي عاقل.إن ما حدث ويحدث اليوم من الأحزاب والشباب الذين يطلقون على أنفسهم ثوريين يتناقض مع العقل والمنطق‘ فهو ليس من قبيل إبداء رأي ضد نظام، والطريقة التي يعبر فيها من هم في الساحات بهذا الأسلوب الهمجي الذي تجاوز السقف الديمقراطي وأحدث الضرر بحق شعب بأكمله لا نرضاها ولا نقبلها، فنحن مع من يطالب بحقوقه أو يختلف مع النظام باعتبار ذلك مكفولاً ديمقراطياً شرط أن يكون هناك إجماع شعبي أو على الأقل أغلبية شعبية، أما أن تثور أقلية ضد أغلبية فهذا لم يعد ثورة ضد نظام بل ضد الأغلبية وهو ما يتناقض مع الديمقراطية.إن من يواجه من يسمون أنفسهم اليوم ثواراً، ليس النظام وحده بل النظام مع شعب يؤازره وشرعية دستورية نالها من خلال انتخابات حرة ونزيهة.. والانقلاب على الواقع وليس من الديمقراطية في شيء، إضافة إلى أنه يتحدى الشعب والدستور وليس النظام وحده، فما يحصل اليوم لم يعد من الأساليب الديمقراطية، بل أنه تعداها ليحدث ضرراً بحق الشعب اليمني وعلى الشباب أن يعوا تماماً أنهم عندما نزلوا للساحات في البداية كنا نلتمس لهم الأعذار بل إننا اعتبرناهم بمثابة من سينقذنا من الغرق، فما يؤلمهم يؤلمنا وما دفعهم للساحات كان سيدفعنا، وعلى الأقل التزمنا الصمت حين حاولوا التشكيك في اندفاعنا إلى جانبهم، وأعتقد أن هذا كان يكفيهم فنزولهم وصمتنا كان رسالة كافية إلى النظام ليراجع حساباته ويسمع صوت شعبه.لكن الذي حدث بعد ما يسمى بجمعة الكرامة وتساقط الفاسدين من النظام وانضمامهم إلى الساحات لخبط أوراقاً كثيرة وزرع الشك في نفوس الأغلبية التي كانت صامتة، ليس هذا وحسب بل إن ما حدث جعلنا نشك في نوايا الشباب وإن كنا مازلنا على يقين من نبل أهدافهم وسمو مقاصدهم لكننا نطلب منهم العذر فيما إذا شككنا بنواياهم لأن ما حصل لم يعد يعني الشباب أو يعني الأغلبية في شيء، وإنما يعتبر انقلاباً واضحاً على الشرعية الدستورية فليس من المعقول أن تعيث فساداً في الأرض وتسبب الآلام لشعبك، وحين يخرج عليك الشباب يصرخون من فسادك، تسارع بالانضمام إليهم وإلقاء اللوم على من هو بريء من فسادك والمفترض بمن ركبوا ثورة الشباب أن يكفروا عن ذنبهم وعما سببوه لشعبهم من آلام وأن يسلموا أنفسهم للشباب لمحاكمتهم وليس ليقودونهم أو يحموهم، فالشباب في غنى عن حماية هؤلاء.إن الذي حصل في ساحات التغيير هو الذي أخرج الشعب عن صمته، وأوصله إلى قناعة بأن عليه مواجهة هؤلاء بمن فيهم الشباب إذا لم يستعيدوا رشدهم، وهو بالطبع ما حول الوضع من ثورة أو انقلاب ضد الشرعية إلى مواجهة بين انقلابيين وشعب بأكمله، فالشباب هنا لم يعد لهم وجود لا في الحسابات السياسية ولا في موازين القوى وهذه حقيقة لا مفر منها بل لا يمكن إنكارها باعتبارها حقيقة ماثلة للعيان ولا ذنب للشعب اليمني أو الغالبية في ذلك ولكن الشباب هم المسؤولون عن ذلك وهم من أضاعوا الفرصة عندما امتدت إليهم يد الرئيس لتدعوهم إلى الحوار وحدهم وليس غيرهم، وعندما لم يستجيبوا للرئيس لم يفقدوا أنفسهم فرصاً ثمينة يمكن من خلالها تحقيق مطالبهم وحسب، بل إنهم أخرجوا أنفسهم نهائياً عن اللعبة السياسية والحوارات التي تجري ففيما لو استجاب الشباب للرئيس لكانوا قد حققوا النجاح الذي يرجونه من ثورتهم، حيث أنهم لو فعلوا ذلك لصادوا عصفورين بحجر واحد، فمن جهة كان لابد للرئيس أن يستجيب لمطالبهم بل أنه لا مناص له من ذلك، ومن جهة أخرى كانوا سيعرون الفاسدين ويتركونهم وحيدين في مواجهة الشعب اليمني، وعندها فقط كان الشعب اليمني سينتقم ممن أمعنوا في إيذائه وتبدأ اليمن في السير نحو الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها وينشدها الشباب، أما وقد حدث ما حدث فإن على الشباب أن يعوا أنهم لم يعودوا يواجهون نظاماً، بل أنهم اختاروا الوقوف إلى جانب القوى الفاسدة والتقليدية والرجعية ضد الشعب اليمني، والمسألة هنا تصبح خطيرة جداً، حيث أن هذه المواجهة لن تقف عند حد خسارة أحد الأطراف وفوز الآخر، بل أنها معركة الكل فيها خاسر، فلا الشعب يمكن أن يفرط في شرعيته الدستورية، ولا الفاسدون الذين ركبوا الثورة سيسهل النيل منهم مع وجود شباب أبرياء يقودونهم إلى المحرقة خوفاً من أن يثأر الشعب اليمني منهم، فما بقي لهم من درع يحتمون بها إلا الشباب الأبرياء.أخيراً أقول للشباب لقد وضعكم الفاسدون في مواجهة شعبكم، ولا يمكن لكم بأي حال من الأحوال أن تنالوا غاياتكم وحتى وإن كانت تلك الغايات نبيلة لأن الذي كان يقف ضد هذه الغايات ليس الشعب أو النظام، وإنما هم الفاسدون المختبئون وراءكم.
ثورة ضد الشعب
أخبار متعلقة