غضون
- مررت يوم الجمعة بشارع الستين، ولقيت صاحبي الدبعي بائع العطور الذي “عزمني” على جمعتهم واعتذرت عن قبول العزومة أو بالأصح عن عدم قبولها، فقال لي وأنا منصرف : دعواتك للثورة! وفي طريق العودة مررت في المكان نفسه وقدر فرغ الخطيب من الخطبتين وانتقل إلى الدعاء : اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أبين نصراً مؤزراً، “والثوار” يرددون : آمين.. اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرحب، اللهم احفظ إخواننا المجاهدين في الحيمة واشدد أزرهم.. وأخذ يطلب النصر لمجاهدين ويوزعها عليهم في تلك المناطق ومناطق أخرى في تعز وعمران و”الثوار” بمن فيهم صاحبي يؤمنون: آمين آمين.. آمين.وفي اليوم التالي مررت امام متجر الدبعي فعزمني على رشة عطر مجانية، وقلت له: طلبت مني امس الدعاء للثورة، وأنا ماسمعت إلا دعاء بالنصر لمقاتلي (القاعدة) في أبين ولحج وللقبائل التي تحاول غزو العاصمة ولقطاع الطرق في الحيمة وعمران .. و .. و..- قال: لم أفهم قصدك؟ قلت له: أما سمعت دعاء الجمعة أمس .. صاحبكم يدعو لهؤلاء بالنصر وهم ارهابيون وقطاع طرق وقتلة .. والثوار يرددون بعده : آمين آمين .. صرتم مسخرين حتى في هذه .. أخذوا منكم كل شيء وفوق ذلك يوظفونكم للدعاء بالنصر لاصحابهم.قال: (مله مو نعمل)؟ قلت: على الأقل لا تشارك في الإثم.. قال: يا رجال هو خبر .. هو دعاء .. وأي حين قد سمع ربي لدعائنا، من زمان والمسلمون يواصلون الدعاء: اللهم اهلك إسرائيل اللهم أهلك اليهود ومن هاودهم والنصارى ومن ناصرهم واجعل لحومهم غذاء للوحوش والحيتان والديدان ويتم أطفالهم ورمل نساءهم واجعلهم مجانين يتلاعب بهم الصبيان في الطرقات، بينما اليهود والنصارى يعلون في الأرض يوماً بعد يوم وينعمون بنعم الله وينعمونا معهم .. هذا العطر من عندهم وهذا دواء السكري حقي من عندهم .. وزدت من عندي: واليتامى عندنا والارامل عندنا والمجانين عندنا واللحوم التي تأكلها الكلاب والديدان لحوم مسلمين، والفقر مسلم والجهل إسلامي.- كلام صاحبي هذا يثير سؤالاً في محله .. لماذا لايستجيب الله لدعاء المسلمين، وإذا استجاب كانت الإجابة في غير صالحهم؟! أثق أن الله يستجيب دعاء الداعي .. لكن يبدو أن المسلمين لايحسنون الدعاء الذي له آدابه .. حتى استحال الدعاء إلى توجيه اوامر لله بسبب قلة الأدب والعقل والصدق والاخلاص .. يريدون من الله ان يكون مؤذياً لبعض خلقه ومنحازاً بلا مبرر لخلق آخرين.ضرب لي صديق مثلاً واقعياً يدلل على أن الدعاء صار مجرد كلمات تقال وتردد بحكم العادة.. الفاظ تردد بلا استحضار للارادة الايمانية والنفس الزكية. قال : في أحد المساجد اجتمع رجال في حلقة يدعون ويكرون حبات المسابح وهم غاوون: يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف .. يا لطيف أفعل لنا يالطيف افعل كذا.. وصادف في هذه الاثناء أن برز ثعبان من أحد الثقوب في سقف المسجد، ما أن رأوه حتى انتفضوا خائفين وخرجوا من المسجد يتصايحون: يا لطيف من صدق .. يا لطيف من صدق.يعني ان ما كانوا عليه في الأول ليس (يا لطيف من صدق) بل مؤانسة وتسلية.