أضواء
كثيرا ما تحدثنا عن المرأة العربية ، وقد دبجت فيها الكتب الكثيرة والمقالات المتعددة ، ولكننا حتى الآن، كمجتمع عربي ، لم نتوصل إلى تحديد دقيق لدور المرأة في المجتمع العربي ومستقبل هذا الدور ، نسمع عن المرأة كأم وكزوجة وأخت ، ونقرأ فيها أشهر المديح لهذه الأدوار ، ونفرح كثيرا إن قلنا إنها تقلدت المناصب العليا ، فأصبحت وزيرة أو سفيرة أو مديرة ، ولكن الدور الإجتماعي لها حتى الآن لم يتساو في الواقع المعيش مع الرجل و لا من حيث المكانة ولا من حيث الدور ، ونتحدث عن التقدم والعلولمة والوسائل الإعلامية المخترقة للمجتمعات والقارات واختزال العالم إلى قرية كونية ، ولكننا لا نرى دورا جديدا للمرأة العربية في المجتمع كشريك أو مكافئ لزميلها الرجل ، لا من حيث الوضع القانوني ولا من حيث القبول الإجتماعي ، ولا من حيث الدور التنموي ، ودون الحديث عن دور الشريك في التنمية ، في شكليه القانوني والإجتماعي للمرأة في المجتمعات العربية فإن ما نتحدث عنه تنمية وتطور لمجتمعاتنا هو حديث خرافة ، أو على الأقل حديث مراوحة .إن قضية المرأة العربية تحتاج إلى إعمال لفكر حديث ومتطور ومبتكر، أكثر مما تحتاج إلى تكرار المقولات السابقة في التحرر والأنغلااق، تحتاج إلى نظرة موضوعية تلائم بين المطلوب والممكن، ولكن في سياق حضاري يأخذ بما أخذ به العالم من حولنا .لقد تابعت المرأة خطى التطور في تاريخ المدنية الحديثة، ولا زمت الرجل في جهاده الشاق نحو المدنية، فإن كان الرجل قد ضحى بالكثير من جهده العضلي والعقلي في بناء دعائم الحضارة التي نستمتع بها اليوم، والكشف عن بعض أسرار المجهول فيما حولنا، فقد ضحت المرأة بجهد نفسي، فأعطت من روحها وعواطفها وإنفعالاتها ما قد يساوي أو يفوق ما قد أنفقه الرجل من جهد، لقد عانت المرأة من عنف الرجل وظلمه أحقابا طويلة، لو قدرناها لفاقت تضحيتها في هذا المجال تضحية الرجل، ولولا فضل المرأة في العمل الشاق، وتدبير شؤون الأسرة، لتعذر على الرجل وحده أن يدب على الأرض ويكتشف أسرارها، ولقد عرفنا اليوم من تاريخ الجماعة الإنسانية الأولى أن الفلاحة واكتشاف النار، هما سببان أصيلان للحضارة الإنسانية، قد إكتشفا من قبل المرأة .الحوار حول حقوق المرأة في المجتمع العربي سرعان ما يتحول تكرارا إلى حوار أخلاقي، خوفا على أخلاق المرأة من الفساد، هكذا يتصدى البعض للوقوف أمام الحقوق الطبيعية والإنسانية للمرأة العربية، في بعض مجتمعاتنا دخلت بعض الفئات في مقاومة شرسة ضد تعليم المرأة لأنها إن تعلمت -من وجهة نظرهم- وعرفت كيف تكتب، أمكن لها مراسلة الآخرين والأتصال بهم، هذه الحجة الساذجة من الخوف الوسواسي هي جزء من الخوف من التجديد، وقد سقطت هذه الحجة بمنطقتنا اليوم، ونحن في عصر الفضائيات والهواتف الدولية، وحتى الأنترنت، ويبتسم بعض أبناء وبنات الجيل الجديد غير مصدق أن هذه الحجة كانت إحدى قلاع الدفاع التقليدي ضد تعليم المرأة .أما الحجة الثانية التي لا تبتعد عن الأولى خطاً فهي أن المرأة تتعرض إن عملت مع الرجل إلى خدش حيائها أو الأغواء من قبله، ونجد أن ملايين النساء يعملن اليوم جنبا إلى جنب مع الرجل في المكتب والمصنع والمدرسة ومع ذلك فإن الشطط قليل ولا يكاد يخلو منه مجتمع، مهما كانت القيود.والحياة الحديثة تجبر المجتمعات اليوم على التكيف معها، وهي حياة تبتعد كل يوم عن الكسل والدعة وتتطلب النشاط والمثابرة والمشاركة في مجالات التنمية المختلفة، ما يعوق المرأة العربية في المجتمع العربي اليوم ليس نقص التشريع فقط، فهناك بعض المجتمعات العربية ما زالت تقاوم مثل هذه التششريعات الحديثة وتتحايل في تأخير أو حرمان المرأة من هذه التشريعات، إلا أن المشكلة الأهم هي أنه حتى في وجود التشريع فإن التطبيق ما زالت أمامه عقبات إجتماعية، وهنا الخطورة الكامنة، فإن يكون هناك تشريع ولا يكون هناك تنفيذ يعني أنه ليس هناك مجتمع دولة بالمعنى الحديث .إن الخطاب العام للمستقبل هو الخطاب الديمقراطي، و تسعى المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة من القرن الذي ينقضي -رسميا على الأقل - للحاق بهذا الخطاب ولو شكليا، وتقديم تطبيقات مختلفة له منها : مساهمة المرأة في المجتمع كشريك، وبالتالي لا يمكن لهذه المجتمعات أن تتجاهل نصف المجتمع وهي تدعي الديمقراطية وتحاول تطبيقها، لقد سألت أحد كبار المسؤولين في برلمان عربي دخلت فيه المرأة مساهمة أخيرا : ماذا عن دورها داخل البرلمان ؟ فأجاب وأحسبه صادقا : إن المرأة دورها محدود جدا لأن الظروف الإجتماعية لا تسمح لها بأكثر من ذلك وتلك هي إحدى القضايا الخاصة بالمرأة العربية، لأنها إن لم تحصل بعد على إعتراف إجتماعي بدورها يبقى الإعتراف القانوني، مهما أخذ من صيغ، شكليا بحتا، وأيا كانت زاوية النظر التي نرى منها تطور المرأة العربية سواء من منظور المجتمع السياسي أو المجتمع المدني، فإننا سوف نلاحظ أن هذا التطور هو كمي مظهري لم يؤد بعد إلى تغيرات نوعية جوهرية، فالمرأة العربية الحضرية التي شاركت في مجال العمل بقوة التشريع لم يؤد خروجها إلى العمل الى تحررها ثقافيا واجتماعيا وتحررها من عقلية الحصار، فلا تزال الثقافة السائدة هي ثقافة السيطرة للرجل في مقابل الخضوع للمرأة، وهي عاجزة في بعض الطبقات الإجتماعية - مهما تعلمت- حتى عن إستخدام حقها وحريتها في إختيار شريك حياتها أو نوع عملها ناهيك عن القدرة على سفرها منفردة، وتعدد التيارات الفكرية العربية تجاه الموقف من المرأة، وهو تعدد إن أحسنا الظن به، ومن المفروض أن يقود إلى محصلة ما تفيد المرأة، إلا أن هذا التعدد لا يزال متحصنا خلف متاريس أيديولوجية عالية الجرس، بعض هذه التيارات يسعى جاهدا للأستجابة للتغيرات التي طرأت على المجتمع والحصول على المزيد من الحقوق والمكاسب للمرأة، ولكن هذه الطريقة من المكاسب تحسب لما يضيف إلى رصيده السياسي لا بتقديم نظرة إنسانية ،حديثة للمرأة كعضو في المجتمع، وبعضها يريد أن يستمر الحال كما هو، ويدافع عن الوضع القائم بدفوعات أخلاقية واجتماعية، إلا أن جميع التيارات الفكرية العربية تعي بوضوح أهمية تجنيد المرأة للدفاع عن الأطروحات السياسية التي تراها مناسبة، وقد يكون بعضها مضادا لمصالح المرأة، كما تواجه هذه التيارات جميعا مشكلة إستيراد القيم الأيديولوجية والثقافية في الحركة النسوية العربية ولا تجد إلا في النادر من يدرس أزمة المرأة العربية من منطلق تراثي إجتماعي معاصر ومستنير، وليس بالضرورة أن ما خطته المرأة العربية إلى أن تخطوه، على الأقل في الشكل إن لم يكن في الجوهر .وتؤكد أدبيات التنمية -من أي زاوية نظرت إليها- على أن أساس التنمية اليوم هو رأس المال الإجتماعي أي البشر وتتفاوت التنظيمات الإجتماعية في العالم من حيث الشكل، فتعتبر اليابان مثلا مجتمعا يتميز بطابع المجتمعات التي تعمل طبقا لمفهوم الجماعة، بينما تعتبر الولايات المتحدة على النقيض فهي إجتماعيا تعتبر رمزا للفردية والمبادرة، هذا الإختلاف يمكن الإشارة إلى عدد كبير من عناصره الأخرى، كالجمعيات التطوعية، ودور الدين في المجتمع، وشكل المؤسسات السياسية، ولكن تتشابه البلدان في نظرتها لرأس المال البشري الذي يعتبره الجميع محركا للتنمية، وهذا الرأسمال لا يقتصر على الرجل بل هو من الأثنين معا الرجل والمرأة، بل إن دور المرأة يشكل الرافعة في التنمية الشاملة، فلا يخفى على عاقل أهمية وخطورة دور الأم في عملية التنشئة الإجتماعية، بسبب قربها من طفلها في السنين الأولى من عمره، ودلت الدراسات على اهمية التنشئة الإجتماعية في تشكيل السلوك الإجتماعي للفرد، وما صيحة شخصية تاريخية مثل هتلر عندما إستغاث «بالأم الألمانية» إلا درجة من درجات تحفيز التشكيل الإجتماعي وإن كان سلبيا في تلك الحالة، وفي تاريخ الثقافات العالمية كما في تاريخ الثقافة العربية تأكيد لهذا الدور، فالقول المنسوب لشكسبير (إن الأم التي تهز المهد بيمينها بينما تهز العالم بيسارها) أو قول حافظ إبراهيم في البيت الشعري المشهور :الأم مدرسة إذا أعددتهاأعددت شعبا طيب الأعراقهو تحصيل لأهمية تعليم وتدريب وتحرير المرأة، ولكن مايحتاج إلى مناقشة هو كيفية الإعداد ومحتواه، هل هو إعداد لحمل تبعات مجتمع حديث ومتطور أوهو إعداد لحمل الماضي كما هو أو تزيينه أو إعادة إنتاجه ؟ ثم كيف يمكن أن نحول القيم المبتغاة من داخل الأسرة على إفتراض صلاح هذه القيم الى المجتمع ؟ إن من يدفع أكلاف غياب إجابات صحيحة على هذه التساؤلات هو أجيالنا القادمة، حيث إن إستمرارنا العيش في فجوة العوالم المتفارقة يشوه مستقبلنا الذي نرجوه، فنحن لا نستطيع أن ننوب عن أي كان في عملية الموت الحضاري، وقد قال أحد الحكماء (ليس سبب مشاكلنا ما لا نعرف، إن سبب المشاكل هو ما نعرف ولم يحل بعد).