من السهل جدا أن نكتب عن المعاناة، ولكن من الصعوبة بمكان أن نعايش تلك المعاناة، فالفرق شاسع بين الأمرين، كما هو شاسع بين المطالبة بالإصلاح والاستجابة لتلك المطالب، والحديدة كغيرها من محافظات الوطن الغالي ترزح هذه الأيام تحت وطأة حرارة قاسية لا تتحملها المعدات فما بالنا بالأجساد الضعيفة التي أصبحت تشوى مرتين الأولى من الحرارة التي لا تطاق والثانية من الكهرباء التي ما تلبث أن تأتي حتى تتبخر كالسراب .قد يقول قائل إن معاناة الكهرباء في اليمن متشابهة، أقول نعم متشابهة من حيث الاسم فقط أما التفاصيل فهي مختلفة تماما، فالانقطاع الذي يحدث في صنعاء أو ذمار أو تعز وغيرها من المناطق الباردة لا يمكن قياسه بالحديدة وعدن ولحج وأبين وكل المناطق شديدة الحرارة وما أكثرها في وطننا الحبيب، ففي المناطق الباردة يقتصر التأثير على الإنارة، أما في المناطق الحارة ومنها الحديدة فهو الموت البطيء الذي يلحق بالجميع هناك .ورغم أن المحطة الكهربائية برأس كثيب في الحديدة، إلا أن الحديدة وساكنيها لا يملكون من تلك المحطة إلا الاسم فقط أما التيار الذي ينتج عنها فتمتصه المدن البعيدة عنها وتبقى هي المولدة والفاقدة في الوقت نفسه ، وهي معادلة يصعب فهمها أو استيعابها على الأقل في ضوء المنافع المتبادلة، فلا يعقل إطلاقا أن تحتضن مدينة الحديدة المحطة الكهربائية في حين أن المدينة كلها تغرق في الظلام الدامس بسبب اقدام بعض المتقطعين على قطع كابلات الكهرباء.وأنا اكتب الآن من هنا من الجزائر من خلال المناشدات الكثيرة التي تصلني أتخيل مركز الغسيل الكلوي، الذي لا يمكن أن يعمل في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء ولنا أن نتخيل كم روح بريئة يمكن أن تسلم نفسها لخالقها جراء توقف هذا المركز عن العمل، وإذا كان المركز في العادة يشكو من الكهرباء في الأيام العادية فما بالنا هذه الأيام التي غادرت فيها الكهرباء مدينة الحديدة، وتركت هؤلاء المرضى وغيرهم في مستشفيي الثورة والعلفي لا سيما الذين يحتاجون لعمليات جراحية، أو الذين يصابون بنوبات اختناق وضيق تنفس وربو من جراء الانطفاء المتواصل للكهرباء كما ان ثلاجة الموتى تشكو من الروائح النتنة التي تصدر عن المودعين فيها جراء انطفاء الكهرباء .حتى طلاب الشهادتين الأساسية والثانوية يعانون الأمرين، فالعام الدراسي انقضى عليهم وجل المدرسين متمترسون في الشوارع وينادون بالمجهول ويضيعون الحق المعلوم المتمثل في التعليم الذي يتقاضون عليه مرتباتهم وكأن الحرام فقط فيما ينادون بإصلاحه مع أن أحوالهم هي من تستدعي الإصلاح أولا، فالطلاب تزيد معاناتهم من انطفاء الكهرباء والحرارة الشديدة، وهو ما يستدعي أن تراعي وزارة التربية والتعليم هذا الأمر في المناطق الحارة وعليها أن توجد الحلول، فإما أن تنسق لاستقرار الكهرباء لأكثر الوقت، أو تجعل للامتحانات وقتا آخر يتناسب مع الظروف الموجودة على ارض الواقع، وإذا كانت جامعة الحديدة قد أغلقها دعاة الجهل فكيف لنا أن نفكر بنجاح أي مرحلة تعليمية أخرى.وهنا نقول لأولئك الذين يقطعون خطوط الكهرباء ويعطلون أبراجها في مأرب وغيرها ليقطعوا عن الوطن الضوء، والذين يقطعون الديزل والبترول وهما المادتان اللتان بهما تعمل المولدات: ألا تخافون الله في إخوانكم، ألا تتقون الله في الضعفاء من الناس، ولكن ما جعلكم تتمادون في ذلك إلا سكوت الدولة عنكم كل هذه السنين، أي تغيير تنادون به وانتم تخربون منجزات البلاد التي هي ليست ملك رئيس أو مسؤول بل ملك الشعب الذي أصبحتم تنتقمون منه شر انتقام بدعوى باطلة وبأساليب دنيئة، وأفعال قبيحة، إن التغيير الذي أعلنتموه ولمسه الجميع يتكون من التخريب والترويع والتقطع، وان كنا نترحم على من يسقط في الساحات فارحموا انتم من يموتون في البيوت من شدة الحرارة التي قد لا تشعرون بها فمعكم من المولدات ما يضيء مدنا بأسرها ولكنه تركيع الشعب الذي لن يركع بعون الله وقدرته، ويكفي أن الحديدة كسائر المدن الأبية شاهدة على تخريبكم لها ،وسوف تتصدى هي وغيرها للحاقدين على الوطن والمواطنين.[c1] باحث دكتوراه بالجزائر[email protected][/c]
أخبار متعلقة