غضون
*الشباب وكذلك «الثباب» المثقفون المحترمون الذين حلموا بالتغيير نحو الأفضل وبدولة القانون انسحبوا من ساحات الاعتصامات ولم يعودوا جزءاً مما يسمى بالثورة الشبابية السلمية التي أضيف إليها «الشعبية» بعد دخول القبايل المسلحين وأضيفت إليها أيضاً صفات أخرى بعد دخول الفرقة الأولى مدرع أو الفرقة الناجية حسب تعبير أحد المعارضين الساخرين.تركت الساحات للغوغاء ولأصحابها الحقيقيين الإخوان المسلمين والسلفيين والقاعدة والعسكر الانقلابيين ورجال الدين الأفاعي.. وإنه لشرف كبير لأولئك الذين تركوا الساحات التي لا تليق بهم وليست مكاناً لبلورة مشروعهم الوطني الحداثي، بعد أن تبين لهم أن تلك الساحات صارت ميدان حقارة ونذالة ومهبطاً للمشروع الهابط الذي يتبناه رجال دين ماكرون وعسكريون وقبليون استئصاليون وأصوليون.* وأتمنى أن يكون هذا الانسحاب الكبير تعبيراً عن رفض مشروع التخلف والتعالي على الغوغاء، وأن لا يفقد أولئك الشباب والمثقفون ثقتهم بإمكانية التغيير إلى الأفضل، وتطلعاتهم إلى دولة القانون أو الدولة المدنية الحديثة.. فهذه الفرص كانت قائمة قبل حدوث هذا الهياج الذي استنزف الطاقات وأهدر الإمكانيات.. ولو تتذكرون المبادرات التي قدمها رئيس الجمهورية في الشهرين الأولين من هذا العام لأدركتم هذه الحقيقة التي قطعت قوى التخلف والنزق والتطرف الطريق أمامها.. ومع ذلك ورغم كل ما حدث فإن باب التغيير هو الأكبر والأوسع، والسلطة وحزبها الحاكم يعترفان بضرورة ذلك وأن السير في هذا الاتجاه إجباري.. وهما يقدران أن الشباب المستنيرين والمثقفين والسياسيين المجربين في إيمانهم حول التغيير والدولة المدنية الحديثة هم شركاء في المشروع الجديد.* لو تأملتم بعناية في مسار وتحولات ما يسمى بالثورة الشبابية الشعبية وتفحصتم وجوه القوى المتحكمة فيها فسوف تكتشفون بسهولة أن هذه القوى في صميم تفكيرها وسلوكها لديها مشكلة مع كل شيء اسمه دولة مدنية وديمقراطية وحداثة، وهي أيضاً عدو للتغيير ولديها مناعة ضد المساواة والمواطنة.. لا تصلح أن تكون حاملة لهذه القضايا، لكنها استخدمت الشباب حمالات لحطبها السياسي.. استخدمتهم لتحقيق غرض واحد، وهو تنحية رئيس الجمهورية عن منصبه لأنه عقبة في طريقها.. ومن هنا يسهل تفسير تركيز هذه القوى على الرئيس طوال الوقت واستهدافه في الساحات بالسب والتشويه وقلة الأدب ثم استهدافه ورجال الدولة بالتصفية الجسدية، وأخيراً هي تقف متخبطة بين الداخل والخارج بمجرد تأكدها أن طريقتها تلك قد فشلت بل وصارت محل انتقاد ومساءلة.. وها هم اليوم يظهرون لنا بوجوه سوداء أحلك من سواد الغراب قبل أيام من عودة قيادات الدولة إلى البلاد.