بطبيعة الحال أن الغريزة البشرية تميل إلى الحرية وترفض الاستعباد، ومن أجل هذا تتوق الشعوب إلى النظام الديمقراطي لأنه يكفل حرية الفرد وحكم الشعب نفسه بنفسه، غير أن الديمقراطية يجب ألا تتناقض مع الأديان السماوية التي أنزلها الله لكي تحرر العباد من العبودية فالله وحده هو المعبود.كما أن ديننا الإسلامي أرقى وأسمى من النظام الديمقراطي في تنظيم حياة الفرد والمجتمع، فالحرية في الإسلام محددة بأوامر الله ونواهيه وفي نطاق قدرة الإنسان على ألا يضر بالآخرين، أما أن نتخذ الديمقراطية وسيلة للاعتداء على حرية الفرد والمجتمع والوطن، فإنه سلوك يتناقض مع الدين ولا يرضاه الله ولا الفرد ولا المجتمع، وهو ما يحدث اليوم في اليمن والبلدان الديمقراطية الناشئة، حيث أن الديمقراطية في هذه الدول أدت إلى نتائج عكس ما ترجوه الشعوب، نتيجة الاستخدام السلبي لها وعدم استيعابها بشكل إيجابي في العالم الثالث بشكل عام.ولإثبات ذلك علينا أن نعرج على الأقطار العربية الديمقراطية وغير الديمقراطية، وأعتقد أننا سنجد أن الفشل وضعف الأمن والاستقرار والتفتت هو في الدول التي تنتهج الديمقراطية عكس الأنظمة الأخرى سواء أكانت ملكية أو يحكمها الحزب الواحد إذا استثنينا سوريا وليبيا اللتين تعتبر الثورتان فيهما عبثيتين فتلكما الدولتان ورغم خضوعهما لحكم الحزب الواحد، إلا أنهما كانتا تسيران نحو التقدم أفضل من بعض الأنظمة الديمقراطية، ولنا أن نقرأ الحالة الجزائرية واللبنانية والسودانية واليمنية وهي الدول المتمتعة بهامش ديمقراطي لا بأس به، إلا أنها تعاني ضعفاً في الترابط الاجتماعي والاستقرار، عكس الدول ذات النظام الملكي كالحالة السعودية والأردنية والمغربية وحتى الإمارات الخليجية، فهي برغم عدم وجود الديمقراطية فيها، إلا أنها تتمتع بازدهار اقتصادي وهدوء امني، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فشل النظام الديمقراطي في الأقطار العربية، وذلك يعود الى أن العقلية العربية لم تصبح مستعدة للنظام الديمقراطي، اما نتيجة للضعف الاقتصادي والثقافي، او أن هذا النظام لا يناسبنا لأننا نشأننا وترعرعنا تحت أنظمة استبدادية لا يمكننا ان نحترم ذاتنا ومجتمعنا ووطننا إلا بها.ان ما يحدث اليوم في اليمن يا سادة يتعدى الحرية المكفولة في الدين الإسلامي، كما أنه يتعدى ايضاً الأنظمة الديمقراطية العريقة، فالدول الغربية استطاعت استيعاب الديمقراطية بشكل ايجابي بحيث لا يمكن أن تضر بحرية الفرد أو الوطن أو المجتمع، أما في اليمن فلا نفهم منها إلا السب والقذف والشتم والتخريب وتعطيل الاقتصاد الوطني الضعيف وتدمير الانجازات التي تحققت لنا بفضل الله ثم الشرفاء في ربوع هذا الوطن.هذا ليس اسلوبا ديمقراطيا بل تمرد مسلح وتدمير ممنهج للاقتصاد الوطني وزعزعة للأمن والاستقرار، فحصار المواطنين في مساكنهم في ميادين الاعتصام يتعدى الحرية الفردية بل ان ذلك اعتداء صارخ عليها، وما يحدث من تقطعات في الطرقات وقتل الجنود وقطع الألسن لمجرد الرأي، يعتبر في خانة الحرابة ومن يرتكبونها يستحقون قطع أرجلهم وايديهم وصلبهم كما أمر الله سبحانه وتعالى.إن على الذين يتخذون الدين شعاراً ان يعوا أنه ليس في الدين ان تخرج على الحاكم، وإذا ما كانوا قد أباحوا لأنفسهم الديمقراطية برغم تناقضها مع الدين في بعض الاحيان، فإن الديمقراطية لم تبح لهم ان يقتلوا ويصلبوا ويعطلوا حياة المجتمع، وإذا ما كانوا ينوون الوصول الى السلطة فعليهم الالتزام بالنهج الديمقراطي كوسيلة مكفولة بالدستور لكل يمني، أما أن يفتوا ويحللوا لأنفسهم ما يحلو لهم وبحسب الزمان فإن هذا لن ينطلي على اليمنيين، وإذا كان الشعب كالطفل الصغير فإن الضحك عليه لن يدوم طويلاً.ما أريد أن أقوله هو أنه إذا كانت الديمقراطية سبباً في تدمير وطننا ومجتمعنا، فإننا نرفضها تماماً، فالوطن لدينا أغلى من أن ندمره بنظام لا نعرف منه إلا السب والقذف والتخريب، فلنعش صامتين خرساً إذا كان ذلك سيوفر لنا نظاماً ما يحمي وطننا ومجتمعنا، فما حاجتنا لنظام يسمح لنا بالقول بينما الفعل يأتي بنتائج تدميرية على الأمة.إنني أقترح على عقلاء وحكماء اليمن إن كان لا يزال فينا عقلاء وحكماء، أن يبحثوا عن نظام بديل لهذا النظام فالديمقراطية جاءت من أجل الإبداع والحرية والازدهار والتقدم، لكن ما تمارسه أحزاب (اللقاء المشترك) اليوم يتناقض مع الديمقراطية التي نريدها تماماً، ويجب أن تعي هذه الأحزاب أن الديمقراطية كما يقول أنور السادات لها أنياب ومن الضرورة بمكان إيقافهم عند حدهم.وأنا هنا لا أدعو إلى دكتاتورية، ولكنني أدعو القيادة السياسية إلى القيام بواجبها الدستوري وأن نطبق القانون بما يتماشى مع الديمقراطية، فما يجري يستوجب على الرئيس اتخاذ القرارات الكفيلة بحماية الوطن وبقوة الشعب الذي اختاره، وإذا ما عادت المعارضة إلى رشدها فإنني أدعوه إلى الرضوخ لرأي الشعب مثلما أدعو المعارضة إلى العودة عن غيها وأن يسمحوا للشعب باتخاذ القرار ويجب على الجميع الخضوع لحكمه.فليس هناك حرية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون.
هذه الديمقراطية لا تناسبنا
أخبار متعلقة