أضواء
جاءت القرارات الملكية الكريمة لتحسم مسألة الملابس النسائية نهائياً. مسألة لم تعد تحتمل جدلا أطول مما حصلت عليه. إذا أضفنا إليها قضية سياقة المرأة، سوف يسجل التاريخ الإنساني أن جيلنا باشر أعجب قضيتين دارت رحاهما بين أطراف اجتماعية. عجائبيتهما تتجلى في طبيعة المتجادلين. من سيقرأ التاريخ الاجتماعيسيضطر أن يعيد قراءة الفصل الخاص بهذه القضية وق ضية سياقة المرأة أكثر من مرة. يعيد القراءة لكي يتأكد أن المعلومات المدونة صحيحة ومركبة بطريقة صحيحة. إذا قرأها كما يقرأ أي كتاب آخر سيبدو النص الذي بين يديه مقلوبا. من ينادي بعزل المرأة عن الرجال هو من يقاتل من أجل أن تبقى المرأة تعرض مفاتنها وتفاصيلها الأنثوية أمام البائع الرجل. في فصل سياقة المرأة سيواجه القارئ نفس الغرائبية. من يقاتل من أجل عزل المرأة هو من يفرض على المرأة استئجار سائق (رجل غريب) تكون على ارتباط حميمي به على مدى أربع وعشرين ساعة.تاريخيا نحن الآن على خشبة مسرح. لا يمكن أن يكون هذا النص الذي يقرأنا فيه أبناء المستقبل إلا نصا مسرحيا. من المتوقع أن ينشب في المستقبل خلاف بين نقاد الفن والمؤرخين ، سيقول نقاد الفن إن ما جرى في ما يتعلق بهاتين القضيتين لا يخرج عن كونه مسرحيات تداخلت مع أحداث حقيقية وتشابكت معها ومن باب أولى أن تعالج ضمن الأعمال الإبداعية. مما يجعل جيلنا يستحق المديح على خيالنا الخصب الذي أنتج مثل هذا الإبداع المسرحي. لكن هذا التوجه سيرفضه بعض المؤرخين جملة وتفصيلا. من سوء حظ جيلنا ومن حسن حظ المؤرخ أنه مدون هاتين القضيتين ( سياقة المرأة والملابس الداخلية) إنهما دارتا على ما لا حصر له من وسائل إعلامية وفي أكثر من دولة وبلغات الأرض كلها تقريبا. وقد أشبعتا نقاشا وتعجبا واستفهاما. كل شعوب الأرض تابعتها وقرأتها وشدهت منها. إذا تجرأ مؤرخ الزمن القادم و قال الحقيقة كما هي لن يخسر سمعته الأكاديمية بأن يتهم أنه يخلط الأعمال المسرحية الخيالية مع الوقائع التاريخية. في بداية طرح كتابه سيجد من المؤرخين الرزينين من سيكذب مدونته ويقلل من قيمتها العلمية ويسخر منها ولكنه بالمقابل سيوفر من الوثائق والأدلة ما يجعله يؤكد أن هذا ما حصل فعلا ليصبح أشجع مؤرخي عصره. أتوقع أن نجمه سيلمع أكثر إذا تجرأ وقال إن تلكما القضيتين كانتا محتدمتين في الوقت الذي كانت فيه بعض الأمم، من بينها إسرائيل، تعمل على إثبات نظرية الانفجار الكبير ونشوء الكون، في معمل ضخم بني تحت الأرض في دولة اسمها سويسرا . لكن لا أظنه سيتمادى ويتوسع في الحقيقة ويقول إن أمته في ذلك الزمن كانت تنفق (مليارات) على السائقين أضعاف ما كانت تنفقه تلك الدول على العلماء والباحثين والمفكرين.*[c1]عن صحيفة ( الرياض ) السعودية [/c]