أضواء
امرأة تقود سيارتها في الخبر، ثم أخرى في القصيم، وثالثة في الجنوب، كل ذلك خلال شهر واحد، ورغم تباين الحالات واختلاف الحاجات والظروف، من امرأة عادت من خارج البلاد وقد اعتادت أن تكون إنسانا طبيعيا، يقضي حاجاته بنفسه دون وصاية من أحد أو الحاجة إلى أحد عند الوقوف في الطرقات بانتظار سيارة أجرة، إلى أخرى اعتادت قضاء حاجات بيتها في مدينة الرس كل فجر، إلى ثالثة تعرضت إلى الطرد من بيت زوجها وبيت عمها، فكان عليها أن تقود السيارة إلى بيت خالها في خميس مشيط مسافة 150 كم، أقول رغم التباين في الحالات إلا أن العنوان واحد وهو الحاجة الماسة لكثير من حالات النساء الوحيدات إلى قيادة سياراتهن بأنفسهن، دون الوقوع تحت رحمة الآخرين، خاصة إذا تحول بعض هؤلاء إلى نماذج عدم المروءة كما في قصة امرأة الجنوب!.يقول بعضهم إن منع المرأة من قيادة السيارة هو من باب سد الذرائع، وأن قيادتها ليست منكرا، لكن (وما أكبر لكن هذه!) المفاسد ستأتي بعد قيادتها للسيارة، وكأنما كل شيء من حولنا هو إما أبيض أو أسود، إما خير كله، أو شر كله، رغم أن كل هذه الأجهزة والأدوات المتطورة هي قابلة أن تكون خيرا أو شرا، حسب استخدامنا لها، من المحمول والهاتف والتلفزيون والفيديو والإنترنت وكذلك السيارة، فمن ستستخدم السيارة في أمر غير أخلاقي ستفعل ذلك بصحبة سائق، بل سيكون الأمر أعظم مع سائق أجرة، ومن ستتعرض للتحرش في سيارة تقودها، ستتعرَض إلى ذلك في سيارة تجلس في مقعدها الخلفي، لذلك فالأمر يرتبط بسيادة القانون وفرض عقوبات وتنفيذها، هذه العقوبات هي التي ستحمي المرأة وتحفظ حقوقها وكرامتها.أما من يصوِر مجتمعنا كمجتمع همجي بربري متحفز للانقضاض على الفرائس، بعد أن تتحول الشوارع إلى غابات، فهو مخطئ تماما، لأننا مثل أي مجتمع آخر في العالم، لدينا شباب محترم ومتفهم، ولدينا غير ذلك، فهذه الفئة القليلة ممن قد يتحرش أو يسيء للمرأة، يمكن إيقافه وغيره بسن قوانين صارمة، ومجرد تعرض أي شاب إلى عقوبة السجن والمحاكمة، ستجعل الجميع يقف باحترام أمام القانون، ألم يقف الناس أمام الأخذ بالثأر من القتلة، حينما أقيمت حدود الله في القتل؟ وأصبحت الشريعة وتطبيق حد القصاص هو الفيصل في الأمر؟ بل حتى على مستوى أبسط كثيرا من الجرائم والحدود، ألم يتوقف الكثيرون عن التهور في قيادة السيارة، أمام مجرد كاميرات، خوفا من دفع مبالغ غرامات مالية بسيطة؟ ألم تتحول شوارع الرياض من سباق ماراثون مرعب إلى طرق وشوارع معقولة مقننة، رغم أننا في البدايات ولم تعمم رقابة الشوارع بشكل كاف بعد؟ هكذا سيصبح الأمر بوضع النظام وتطبيقه بنزاهة وشدة وعدم التساهل فيه إطلاقا، وأمام (كائنا من كان) تلك الجملة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين ضد الفساد، لتكون هي أساس العصر الجديد الذي تعيشه البلاد.ما يحزن في هذا الموضوع الذي تتناوله الصحافة هذه الأيام، هي الاتهامات والتخوين واستعداء السلطة ضد كل من لديه وجهة نظر في هذا الموضوع، بل حتى اتهام من ينادي بذلك باستغلال الأزمات، وكأنما تقييد المرأة وعدم تمكينها من العمل والتجارة والسفر وقيادة السيارة ليست هي أم الأزمات!.*عن/ «الجزيرة» السعودية