من من اليمنيين من لا يعرف جمعة رجب ، وما لها من مكانة عظيمة لديهم ؟ ، الجواب بكل تأكيد أن الجميع يعرف ويعي أن فيها وقبل ما يزيد على 1400 سنة هجرية دخل أجدادنا رحمة الله عليهم في دين الله أفواجا ، دخلوه طواعية من دون حرب أو إكراه بل عن إيمان وقر في قلوبهم ، وصدقته أعضاؤهم ’ فنطقت بحقه ألسنتهم ، حين جاءهم رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابيان الجليلان معاذ بن جبل (الأنصاري الخزرجي) وأبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما ، اللذان كان لهما فضل دخولنا في دين الله ، وتخليدا لذكراهما مازال اليمنيون يحتفلون في مدينة تعز وتحديدا في الجند خاصة واليمن عموما بهذه المناسبة الإسلامية العظيمة .دعونا نتذكر ما قاله المصطفى لسيدنا معاذ بن جبل حين بعثه لليمن ، فمن الحديث الذي رواه ابن عمر :عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معاذ انطلق فارحل راحلتك ثم أئتني أبعثك إلى اليمن . فانطلقت فرحلت راحلتي ثم جئت فوقفت بباب المسجد حتى أذنَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ بيدي ثم مضى معي ، فقال : يا معاذ إني أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ورحمة اليتيم وحفظ الجار وكظم الغيظ وخفض الجناح وبذل السلام ولين الكلام ولزوم الإيمان والتفقه في القرآن وحب الآخرة والجزع من الحساب وقصر الأمل وحسن العمل . وأنهاك أن تشتم مسلما أو تكذب صادقا أو تصدق كاذبا أو تعصي إماما عادلا ، يا معاذ اذكر الله عند كل حجر وشجر ، وأحدث مع كل ذنب توبة ، السر بالسر والعلانية بالعلانية ) . إن المتمعن في مضمون هذا الحديث الشريف عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى سيجد أن محتواه واقع بنا اليوم في جمعة رجبنا هذه أي بعد ما يربو على 1400 سنة ، فتقوى الله أصبح شعارا نسمعه ولا نلمسه ، وصدق الحديث اختفت ملامحه ،والوفاء بالعهد لم يعد له وجود، وضيعت الأمانة في معظم المرافق، وظهرت الخيانة حتى طالت الوطن بأسره، ولم نعد نرحم اليتيم ،ولا نحفظ للجار حقه بل أول من يضيع حقه هو الجار ، في حين أن كظم الغيظ دفناه إلى جوار خفض الجناح وبذل السلام ، ولين الكلام استبدلناه بسب ولي الأمر والتهكم عليه ، فيما حسن العمل اقتصرناه على الفوضى، والنهي عن شتم المسلم تطور إلى التحريض على قتله بل وصل لحد القتل ذاته ، والإمام العادل تضاءل جوده ، وفيما ذكرناه سالفا نستثني من رحم ربي ،لان الخير في امة محمد باق إلى قيام الساعة .وهل لنا في تذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابيين الجليلين لحظة بعثهما إلى اليمن كما ورد في الصحيحين بقوله عليه الصلاة والسلام (يسرا ولا تعسر بشرا ولا تنفرا تطاوعا ولا تختلفا) أين نحن من هذه الوصية العظيمة؟ ، بل وللأسف الشديد أصبحنا نعمل بعكسها فالعسر غلب على اليسر ، والتنفير فاق التبشير ، والطواعية أضحت عصياناً ، والاختلاف أمسى هو السائد .يوم أمس كالعادة التي دأب عليها اليمنيون يحتشدون بالآلاف في جامع الجند ومنهم من يمكث فيه لمدة أسبوع في رباط علمي إسلامي مشهود ، كان لي شرف المداومة على حضوره أثناء تواجدي في اليمن ، وفي ذات مرة كان الخطيب هو القاضي حمود الهتار وفي الخطبة كال من التمجيد والتهليل للأخ الرئيس عكس ما نسمعه منه اليوم ، واحترت الآن هل كان خطابه سابقا بلسان العالم أم بلسان ... ، لأنه انقلب تماما عما كان يدعو الناس إليه من طاعة لي الأمر ونبذ التطرف واعتبار القاعدة والحوثيين من خوارج العصر ، وليته حين خرج على ولي الأمر ظل ساكتا بل نطق بعكس ما كان يردده سنوات طويلة .شتان ما بين أول جمعة رجبية لليمنيين وجمعتهم هذه ، فحينها كان توحدهم على الحق ، والآن توحدوا على الافتراق عنه ، بتلك الجمعة سادوا العالم وأوصلوا الدين الحنيف إلى أصقاعه المختلفة بحكمتهم وعلمهم وقوتهم ، واليوم يستجدون العالم لحل مشاكلهم ، لأنهم وببساطة ابتعدوا عن قيمها ومثلها وتعاليمها . على مدار الأشهر الأربعة التي مضت تفنن المعارضون مع المؤيدين في تسمية جمعاتهم بشتى الأسماء ، خصوصا تلك التي سمتها المعارضة بأسماء ما انزل الله بها من سلطان . ولم نسمع من كلا الطرفين من ينادي بجمعة رجب لتكون جمعة الإخاء والاتفاق ، فضاعت عظمة هذه الجمعة من جمعهم ، لكنها باقية في نفوس الصالحين من عباد الله المنتشرين في ربوع اليمن الحبيب ، والذين بفضلهم لن يذل الله هذا البلد السعيد أو يخزيه.[c1]باحث دكتوراه بالجزائر[/c][email protected]
اليمنيون بين جمعتي رجب !!
أخبار متعلقة